تلف المجرات طبقة من الغازات والغبار كالنيران المشتعلة في ليالي الشتاء القارس متغلغلة في الظلام. تُعرف هذه الطبقة الرقيقة من المواد بالمحيط المجري أو الوسط المحيط بالمجرة وهي هالة ضخمة جدًا تحتوي على نحو 70% من كتلة المجرة المرئية.
بالرغم من انتشارها في أنحاء الكون، لكن لا يُعرف سوى قليل عن بنيتها النموذجية للوسط ما يجعل التمييز بين انتهاء حدود مجرةٍ وبدء حدود مجرة أخرى أمرًا صعبًا. على هذا، كشف بحث جديد أجري على مجرة تبعد عنا نحو 270 مليون سنة ضوئية عن تفاعلات بين المحيط المجري وبين القرص الإشعاعي للمجرة مما يساعد على تحديد حدودها ويشير ذلك إلى أن مجرتنا قد تمتد إلى أبعد مما كنا نتخيل.
إذا كان هذا الأمر صحيحًا، فإن التداعيات قد تعني حتمًا أن الاصطدام المستقبلي المتوقع منذ فترة طويلة بين مجرة درب التبانة ومجرة أندروميدا قد يكون بدأ فعلًا حيث بدأ تقاطع المحيطين المجريين.
استعان علماء الفلك من أستراليا والولايات المتحدة بمرصد دبليو ام كيك Keck Cosmic Web Imager شديد الحساسية لالتقاط صور عدة موجهة نحو المجرة الحلزونية الصغيرة IRAS08. استطاع فريق الأبحاث عن طريقه تحليل التغييرات التي تطرأ على تركيب الوسط المجري عبر تحليل مساحة أكبر بكثير تبلغ حوالي 90 ألف سنة ضوئية خارج حواف القرص المتوهج للمجرة.
تميزت بعض صور الحقل بوجود خيط غاز الهيدروجين المحايد الذي يربط IRAS08 مع مجرة أصغر عبر الشبكة الكونية. على هذا، فإن قياس فريق الأبحاث لكثير من الهيدروجين الذي ينجرف في الفراغ يُعد أمرًا مفاجئًا بعض الشيء، لكن الأمر الذي كان غير متوقعًا هو العثور على هيدروجين جُرد من إلكتروناته خارج الخيوط الكونية من الغاز المختلط بعنصر آخر أثقل بكثير هو الأكسجين.
وفقًا للمؤلفة الرئيسية نيكول نيلسن عالمة الفيزياء الفلكية من جامعة سوينبرن في أستراليا: «لقد وجدنا أن الأكسجين منتشر في كل مكان نظرنا إليه، الأمر الذي يدعو حقًا للدهشة».
تطفو الذرات في العدم بين المجرات ولديها مصدران فقط للتدفئة، أحدها ضوء النجوم الباهت للمجرات البعيدة والآخر هو عن طريق التصادم مع ذرة أخرى. يمكن حساب كليهما لتقدير نمط التأين المتوقع من مزيج كل من الهيدروجين والأكسجين. على هذا، عيّن الباحثون تغييرات في كثافة التأين على مقياس من بضعة آلاف من السنوات الضوئية باستخدام البيانات الطيفية في تشتت الصور، إضافةً إلى تحديد منطقة التأثير الباهتة بوساطة ضوء النجوم الخاص بـ IRAS08.
يوضح نيلسن: «يُسخن الغاز في الوسط المجري باستخدام شيء آخر غير الظروف المعتادة داخل المجرات، ويشمل ذلك على الأرجح التدفئة عن طريق الانبعاثات المنتشرة من المجرات الجماعية في الكون، أو من خلال بعض المساهمة الناجمة عن تصادم الذرات».
تضيف نيلسن: «ما يهم هو ذلك التغيير المثير للاهتمام الذي يوفر بعض الإجابات على مسألة المكان الذي تنتمي إليه المجرة».
عطفًا على ما سبق، فإن ما يحدد ماهية المجرة ليس الاكتشاف وحدة فقط، لكن كيفية تجمع امتداد الدخان ونيران المجرات المنتشرة عبر الكون وتطورها على مر الزمن.
لذلك، من الصعب تحديد حدود مجرتنا نظرًا لأننا نعيش في عمق مجرة درب التبانة. على هذا، يمكننا أن نتخيل أن الغاز المحيط بنجومنا قد يتداخل بالفعل مع الهالة التي تنتمي إلى أقرب مجرة لنا.
تقول نيلسن: «من المحتمل جدًا أن يكون الوسط المجري الخاص بمجرتنا درب التبانة قد تداخل وتفاعل حقًا مع الوسط المجري لمجرة أندروميدا».
نشر البحث في مجلة نيتشر آسترونومي.
اقرأ أيضًا:
النجوم مشتعلة في مجرة قريبة من مجرتنا وتتسبب بانفجارات هائلة
تلسكوب جيمس ويب الفضائي يكتشف أقدم مجرة ميتة في الكون
ترجمة: محمد فواز السيد
تدقيق: ريمي سليمان
مراجعة: باسل حميدي