حفر الجيولوجيون في العام الماضي حفرًا طويلة وضيقة في قشرة الأرض، وسحبوا كنزًا من الثروات الجيولوجية. وأسفرت هذه الحفريات عن أسطوانة طويلة من صخور الأرض -تُعرف بالعينة الأساسية- بلغ طولها رقمًا قياسيًا قدره 1268 مترًا.

تتكون الأسطوانة من صخور أرضية نارية تأثرت كيميائيًا بمياه البحر في عملية تُعرف بالسيربنتينية، وقد حُللت الأسطوانة الآن وكُشفت أسرارها.

تمثل العينة من قشرة الأرض -المستخرجة من أعماق المحيطات- مستودعًا للمعلومات يمكن استخدامها لاستكشاف غموض الوشاح الأرضي، وهي طبقة الصخور البركانية الصلبة التي تفصل القشرة عن النواة.

كتب فريق بقيادة عالم الصخور والكيمياء الجيولوجية يوهان ليسينبيرج من جامعة كارديف في المملكة المتحدة: «استخرجنا قطعةً طولها 1268 مترًا من البريدوتيت المحيطي المتعرج».

استخراج أسطوانة متّصلة بهذا العمق يمثل فرصةً لمعرفة الصخور والمعادن الهيكلية والتغييرات في الوشاح العلوي.

يُعد الوشاح الأرضي بالنسبة للبشر بعيد المنال على نحو محبط، إذ يبلغ أقل سمك من قشرة الأرض 6 كيلومترات.

رغم توفر الأدوات اللازمة للحفر عميقًا جدًا من السطح القاري -مثلما يتضح من بئر كولا المذهل الذي يبلغ عمقه 12262 مترًا في روسيا- فإن القشرة القارية أكثر ثخانةً بكثير من القشرة المحيطية.

لا يُرجح الوصول إلى الوشاح من قاع المحيط في أي وقت قريب، ولكن تُعد القشرة المحيطية حاليًا أفضل مكان للحصول على عينات لدراستها.

يدفع النشاط التكتوني للأرض مادة الوشاح إلى القشرة في بعض الأماكن، ومن هناك يمكن أخذ العينات. لكن حفر حفرة عميقة في قاع المحيط عند الحدود التكتونية التي تسخن بفعل البراكين، أمر أصعب بكثير مما يبدو.

أسفرت الجهود السابقة عن حفر حفرة لا يزيد عمقها عن 200.8 متر، إذ نجح العلماء في استخراج 47% فقط من المواد المحفورة في الأرض.

يعد عمل ليسينبيرج وزملائه شيئًا مميزًا حقًا.

حفروا عميقًا في منطقة تحت المحيط الأطلسي تُعرف باسم كتلة أتلانتس -وهي كتلة جبلية ضخمة تقع على ارتفاع حوالي 4267 مترًا من قاع البحر عند سلسلة جبال وسط المحيط الأطلسي- وهي الحدود بين صفيحتين تكتونيتين.

يُظن أن الكتلة الصخرية -المكونة من صخور الوشاح المعروفة باسم البريدوتيت- قد تشكلت من صخور الوشاح التي تنضغط إلى الأعلى عبر القشرة.

قال الجيولوجي كوان يو لين من جامعة ديلاوير العام الماضي بعد الانتهاء من الحفر: «كانت الخطة الأصلية هي حفر حفرة ضحلة يبلغ عمقها نحو 200 متر».

استمر الحفر في التعمق أكثر فأكثر بمعدلات استرداد عالية جدًا، ولم يُشهد مثلها من قبل عند حفر هذه الأنواع من الصخور.

ذُهل العلماء مما رأوه، وجرت الموافقة على تغيير الخطة لمواصلة تعميق الحفرة.

امتدت الحفرة -التي سُميت Hole U1601C- إلى عمق قياسي بلغ 1268 مترًا، وكانت النتائج المستخرجة أفضل مما كان متوقعًا. واستعيدت نسبة هائلة بلغت 71% من العينة الأساسية.

تتكون هذه العينة -مثل الكتلة الصخرية نفسها- من البريدوتيت، وهو صخرة نارية خشنة الحبيبات تتكون بالكامل تقريبًا من الزبرجد الزيتوني والبيروكسين.

عندما تُدخل مياه البحر إلى المعادن يحدث تفاعل يُعرف بالسربنتينية، إذ يتحول الأوليفين والبيروكسين المكشوفين إلى معادن سربنتينية، ما ينتج الهيدروكربونات التي قد تستخدمها أنواع الحياة في قاع البحر. لكن النتيجة بالنسبة للجيولوجيين هي أن الصخور تصبح صعبة الفهم.

من المثير للاهتمام أن الباحثين اكتشفوا أن العينة الأساسية أصبحت متعرجة جدًا، إذ تحول البيروتيت الأقل تغيرًا بنسبة 40% على طول العينة، ما يشير إلى أن تغلغل مياه البحر كان مرتفعًا جدًا.

ظلت التركيبة الصخرية الأولية على نحو أفضل من النوى الضحلة، ما كشف عن معلومات جديدة حول الوشاح الموجود أسفل كتلة أتلانتس الصخرية.

اكتشف الباحثون أيضًا أن محتوى البيروكسين أقل بكثير مما كان متوقعًا، وقد يكون ذلك نتيجة لذوبان البيروكسين عند تسخين الصخور.

وجد الباحثون أن حركة ذوبان الصخور بعيدًا عن الصخور الصلبة في أثناء ضغط الصهارة إلى الأعلى حدثت بزاوية مائلة من تقلبات الوشاح، وهو اكتشاف يختلف تمامًا عن نماذج هجرة الذوبان.

أخيرًا، اكتُشف تسلل لمعدن ناري يُسمى الجابرو. فقد أظهر البريدوتيت بالقرب من هذه التدخلات الجابروية تغيرات شديدة تتعلق بالتعرض للبيئة الحرارية المائية، وهي تغيرات لم تُلحظ في أجزاء أخرى من العينة الأساسية، ما يشير إلى أن الجابرو له دور غير متوقع في الكيمياء الجيولوجية السائلة للفتحات الحرارية المائية التي تدعم الحياة في الحقل الحراري المائي الرائع للمدينة المفقودة.

ستستمر الدراسات في محاولة فهم العمليات التي شكلت الصخور على نحو أفضل، لكن البحث حتى الآن يُظهر مدى أهمية حفر الثقوب.

كتب الباحثون: «إن السجل الصخري الشامل الذي حصلنا عليه خلال الرحلة الاستكشافية 399، يوفر ثروةً من الفرص لتحقيق تقدم أساسي في فهمنا للوشاح العلوي للمحيطات. يوفر حفر Hole U1601C في باطن سطح الحقل الحراري المائي فرصةً لدراسة حدود ومدى الحياة في الغلاف الصخري المحيطي، ويُعد منصةً محتملةً للتجارب المستقبلية في مجالات الجيولوجيا والكيمياء والبيولوجيا ضمن النظام الحراري المائي».

اقرأ أيضًا:

العثور على ذرات الحديد تتراقص في لب الأرض الداخلي

إلى متى سيدوم لب الأرض ؟

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: ميرڤت الضاهر

المصدر