النسبية هي اِحدى أشهر النظريات العلمية في القرن العشرين.
لكن لطالما ظلّ المُعتقد السائد أنها نظرية لن نرى نتائجها إلّا اذا ما وصلنا لسرعة الضوء.
هل يلزمنا فعلًا أن نصل لسرعة الضوء لنرى نتائجها؟
هل تعلم أن النسبية تؤثّر على حياتنا في كل يوم؟؟
في هذا المقال سنبيّن كيف أنّ النسبية تؤثر على حياتنا اليومية في مجالات الحياة المُختلفة في البداية علينا توضيح بعض المفاهيم عن النسبية:
وُضعت النسبية من قِبل العالم ألبرت أنشتاين Albert Einstein في عام 1905م.
تقوم نظرية النسبية على أنّ قوانين الفيزياء لا تتغيّر وهي نفسها في كل مكان، فالنظرية قامت بتفسير تصّرف الأجسام والعناصر في الزمان والمكان؛ حيث يمكن استخدامها للتنبّأ بأي شيء ابتداءً من وجود الثقوب السوداء وصولاً إلى انحناء الضوء بسبب الجاذبية وانتهاءً بسلوك كوكب عطارد في مداره.
النظرية بسيطة مُخادعة؛ في البداية لا يوجد حالة “مُطلقة” مرجعية يمكن الاستناد عليها والمُقارنة معها.
في كل مرّة تقوم بها بقياس سرعة الكائن أو نشاطه أو كيفيّة تعامله مع الوقت دائمًا ما يكون السبب مُتعلّق بشيء آخر ، أيضًا سرعة الضوء هي نفسها بغض النظر عن الشخص الذي يقوم بقياسها أو سرعة الشخص أثناء قياسها.
بالإضافة إلى أنه لا يوجد ما هو أسرع من الضوء.
الآثار المُترتّبة على النظرية الأكثر شهرة لأنشتاين هي عميقة، إذا ما كانت السرعة الضوئية دائمًا هي نفسها ، هذا يعني أن رائد الفضاء سوف يكون سريع جدًا بالنسبة للأرض، فإذا ما قام مثلًا بعدّ الثواني سوف تكون عمليّة عدّه أبطأ من مُشاهد موجود على سطح الأرض يقوم بعد الثواني أيضًا في الوقت نفسه.
الوقت يصبح بطيئًا بشكل خاص على رائد الفضاء.
تُعرف هذه الظاهرة بتعدد الزمن.
أيضًا أي عنصر يمتلك مجال جاذبية كبير فإنه سيتسارع، لذلك سوف يواجه أيضًا اتّساع في الزمن.
الآن لنفترض أنّه يوجد مركبة فضائية تحوي رُوّاد في الفضاء ، و لنفترض أنّ معك كاميرا وقمت بتصويرها أثناء تحليقها في الفضاء؛ سوف تبدو الصورة كما لو كانت المركبة “مسحوقة” من اتجاه حركة السفينة، أما بالنسبة لرائد الفضاء الذي على متنها، سيبدو كل العالم طبيعي بالنسبة له.
بالإضافة لذلك، كتلة المركبة الفضائية سوف تظهر على أنها زادت بالنسبة لنظر الناس على وجه الأرض.
تُعرف هذه الحالة بالإنكماش الطولي.
ربما قد تعتقد أنّ النسبية لا يمكن رؤية نتائجها إلّا في الفضاء أو الخيال العلمي، لكنّك مُخطئ تمامًا.
في الحقيقة أنت لست بالضرورة بحاجة لمركبة فضائية لمعرفة آثار النسبية.
في الواقع يوجد العديد من نماذج النسبية التي نعيشها في حياتنا اليومية، وحتى التكنولوجيا التي نستعملها اليوم تُبرهن على أنّ آينشتاين كان مُحقًا.
إليكم بعض المجالات التي تُؤثّر بها السببية :
1- النظام العالمي في تحديد المواقع GPS :
في حال كانت سيارتك مُزوّدة بخدمة GPS لتحديد المواقع والملاحة، فإنّه لعمل هذه الخدمة بأكبر دقّة ممكنة يجب على الأقمار الصناعية أن تأخذ الآثار النسبية بعين الإعتبار.
لأنّه وعلى الرغم من أنّ الأقمار الصناعية لا تصل سرعتها أبدا لحدود سرعة الضوء إلى أنها لا تزال تسير بسرعة كبيرة جدًا.
الأقمار الصناعية أيضًا تقوم بإرسال اشارات إلى المحطات الأرضية الموجودة على كوكب الأرض.
هذه المحطات بالإضافة لقيمة ال GPS المتواجدة في السيارة كلّها سوف تشهد ارتفاع في التسارع كنتيجة للجاذبية الأرضية مقارنةً مع الأقمار الصناعية الموجودة في الأعلى على مدارها.
لحل هذه المشكلة وللحصول على دقّة كبيرة جدًا، الأقمار الصناعية تستخدم ساعات مضبوطة بدقّة متناهية تصل إلى بضعة أجزاء من البليون من الثانية (نانو ثانية).
حيث أنّ كل قمر صناعي على بعد 20.300 كيلو متر عن سطح الأرض ويتحرك بسرعة تتراوح تقريبًا ل10 آلاف كيلو متر في الساعة.
حسنًا الآن هناك تمدد نسبي في الوقت يصل تقريبًا ل “4 ميكرو ثانية” في كل يوم، وبإضافة آثار الجاذبية سوف يرتفع الرقم ل “7 ميكروثانية”، أي ما يعادل 7 آلاف نانو ثانية.
هذا الفرق له تأثير كبير جدًا، فمثلًا لو أنّ الآثار النسبية لم تُأخذ بعين الإعتبار وأخبرك نظام ال GPS أنك تحتاج 0.8 كيلو متر لتصل لمحطة البانزين القادمة سوف تصبح هذه ال 0.8 كيلو متر على نفس جهاز ال GPS لِـ 88 كيلو متر بعد يوم واحد فقط!!
2- المغانط الكهربائية ” المغناطيس الكهربائي”:
في الحقيقة إنّ المغنطة هي من تأثير النسبية، وإذا ما كنت تستخدم الكهرباء يمكنك أن تشكر النسبية لكونها سبب في عمل المولدات الكهربائية جميعها!
اذا قمت بأخذ سلك وصنعت منه حلقة وقمت بتحريكه ضمن مجال مغناطيسي؛ يمكنك بذلك توليد تيار كهربائي.
الجسيمات المشحونة الموجودة على السلك تتأثّر بتغيّر المجال المغناطيسي؛ الأمر الذي يفرض على بعض هذه الجسيمات التحرك وخلق تيار كهربائي.
الآن، تصوّر السلك وهو ساكن من دون أي تحريك وتخيّل المغناطيس يتحرّك.
في هذه الحالة الجسيمات المشحونة في السلك (الإلكترونات والبروتونات) لم تعد تتحرك، وبالتالي فإنه يُفترض أنّ المجال المعناطيسي لم يعد يُؤثّر عليهم، لكن في الحقيقة إنه يؤثر! والتيار لا يزال يتدفق.
هذا يدل على أنه لا يوجد حالة مرجعية يمكن الاستناد عليها والمُقارنة معها.
يقول البروفيسور توماس مور Thomas Moore وهو بروفيسور في جامعة بومونا في كاليفورنيا:
بأنه وباستخدام مبدأ النسبية يمكن إثبات أن قانون فارادي (والذي يقول أنّ المجال المغناطيسي المُتغيّر يخلق تيار كهربائي) هو قانون صحيح.
ويضيف مور بأنه وبما أنّ هذا هو المبدأ الأساسي وراء المحولات والمولدات الكهربائية، فإن أي شخص يستخدم الكهرباء سوف يَشهد آثار النسبية.
المغانط الكهربائية تعمل بفضل النسبية ايضًا، عندما تتدفّق شحنات من تيار مستمر عبر السّلك، الإلكترونات سوف تتدفّق عبر المادة “السلك”.
عادةً السلك يبدو محايدًا كهربائيا عند عدم وجود شحنة كهربائية موجبة أو سلبية تمامًا.
وهذا السبب هو نتيجة وجود نفس العدد تقريبا من البروتونات (الشحنة الموجبة) والإلكترونات (الشحنة السالبة).
لكن اذا ما قمنا بوضع سلك آخر بالقرب منه يمر به تيار مستمر، الأسلاك ستتجاذب أو ستننافر عن بعضهما البعض تبعًا لجهة التيار.
_ بفرض أنّ التيارين في السلكين يتحركان بنفس الجهة ولهما الشدّة نفسها؛ الإلكترونات في السلك الأول سترى الإلكترونات في السلك الثاني بلا حركة!
في الوقت نفسه؛ من وجهة نظر الإلكترونات المتواجدة في السلكين معًا؛ سوف يرونَ البروتونات في السلكين على أنهم يتحركون.
فبسبب طول الانكماش الطولي البروتونات ستبدوا متباعدة بشكل وثيق عن بعضها البعض، لذا سيصبح هُناك شحنات موجبة أكثر من الشحنات السلبية على طول السلك.
الأمر الذي سيؤدي إلى تتنافر في الشحنات، ومنه إلى تنافر السلكين أيضًا.
_ أما في حالة تعاكس التيارين في السلكين فسيؤدي ذلك إلى التجاذب، لأنه بالنسبة لوجهة نظر السلك الأول؛ الإلكترونات في السلك الثاني هي أكثر اكتظاظًا وتجمّعًا مع بعضها خالقةً بذلك شحنة سالبة صافية تمامًا.
في الوقت نفسه البروتونات في السلك الأول ستقوم بصنع شحنة موجبة صافية تمامًا بعكس جهة التجاذب.
3- اللون الأصفر للذهب:
أغلب المعادن تكون لامعة بسبب قفز الإلكترونات بين مستويات الطاقة المختلفة أو بين “المدارات” داخل الذرات.
بعض البروتونات التي تقوم بصدم المعدن يتم امتصاصها من قبل المعدن ثم يُعاد بثّها، وفي حال كان الطول الموجي طويل؛ معظم الضوء المرئي سوف ينعكس.
الذهب هو ذرّة ثقيلة، وبالتالي فإنّ الإلكترونات الداخلية تتحرك بسرعة كافية لدرجة يُصبح فيها تزايد الكتلة النسبية غير مهم.
وأيضًا وبفضل الانكماش الطولي.
الإلكترونات سوف تدور حول النواة في مسارات أقصر وبنشاط أكبر؛ حيث أنّ الإلكترونات في المدارات الداخلية تحمل طاقة قريبة من طاقة الإلكترونات الخارجية، وبالتالي الموجات التي يتم امتصاصها ثمّ يعاد انعكاسها تُصبح أطول.
الموجات الأطول من الضوء تعني أنّ بعض الضوء المرئي الذي عادةً ما يتم انعكاسه سوف يتم امتصاصه، وهذا الضوء يكون في نهاية القسم الأزرق من الطيف.
من المُتعارف عليه أنّ اللون الأبيض هو خليط من ألوان قوس القزح.
لكن في حالة الذهب؛ عندما يتم امتصاص الضوء واعادة انبعاثه؛ الطول الموجي غالبًا ما يكون أطول.
هذا يعني أن مزيج من موجات الضوء التي نراها صادرة من الذهب تميل إلى أن يكون لديها نسبة أقل من اللون الأزرق والبنفسجي فيها.
هذا سيؤدي لظهور الذهب بلون مائِل للون الأصفر وذلك بسبب أنّ الألوان الأصفر والبرتقالي والأخضر يمتلكون طول موجي أطول من اللون الأزرق.
4- الذهب لا يصدأ بسهولة:
التأثير النّسبي على الكترونات الذهب أيضًا هي أحد أسباب عدم تصدّأ أو تفاعل المعدن مع شيء آخر بسهولة.
الذهب يمتلك فقط الكترون واحد في غلافه الخارجي، لكن مع ذلك يبقى غير تفاعلي كالكالسيوم أو الليثيوم، عوضًا عن ذلك؛ كل الإلكترونات في الذهب تُصبح “أثقل” من المُعتاد، وبالتالي تتجه جميعها لتُصبح بالقرب من نواة الذرة.
وهذا يعني أن الإلكترون الخارجي البعيد على الأغلب لن يكون في مكان يسمح له بالتفاعل مع أي شيء، بل من المُرجّح أنه سوف يكون مع زُملائه الإلكترونات بالقرب من النواة.
5- حالة الزئبق السائِليّة:
كالذهب، الزئبق يُعد ذرّة ثقيلة أيضًا، إلكتروناته أيضاً مَدفوعة لتُصبح قريبة من النواة، وأيضًا ذلك بسبب سرعتهم التي ستؤدي إلى زيادة كتلتهم.
إن الروابط بين ذرّات الزئبق ضعيفة؛ لذا يذوب الذئبق في درجات الحرارة المُنخفضة، لذلك عادةً نراه في الحالة السائلة.
6- جهاز التلفاز القديم لديك:
قبل بضع سنوات من الآن أغلب أجهزة التلفاز والأجهزة القديمة لمراقبة الصور كانت تمتلك شاشات ذات أنبوب أشعة مهبطية؛ أنبوب الأشعة المهبطية هذا يعمل من خلال إطلاق إلكترونات عن طريق مغناطيس كبير على سطح فوسفور.
كل إلكترون يجعل بكسل من الشاشة مُضاء عندما يصطدم الجزء الخلفي من الشاشة.
هذه الإلكترونات تمّ إطلاقها من أجل جعل الصورة تتحرك بسرعة تصل إلى 30% من سرعة الضوء!
لذلك الآثار النسبية هنا ستكون ملحوظة، وعند قيام الشركات المُصنّعة بتصنيع المغانط عليهم أخذ هذه الآثار بعين الإعتبار.
7- الضوء:
على فرض أنّ اسحاق نيوتن كان مُحق في افتراضه والذي يقول بأنّ هناك حالة مُطلقة مرجعية يمكن الاستناد عليها؛ سيؤدي ذلك بنا إلى التوصّل لتفسير آخر للضوء، سنتوصّل أن الضوء لا يحدث من الأساس!
يقول البوفيسور مور بأنه ليست فقط المغنطة لن تكون موجودة بل أيضًا الضوء لن يكون موجودًا، ذلك لأنّ النسبية تتطلب تغييّرات على الحقل الكهرومغناطيسي ليتحرك بسرعة محدودة عوضًا عن حدوثه بشكل لحظي فوري.
ويتابع مور ويقول بأن النسبية لو لم تفرض هذا الشرط، ستصبح التغيرات في المجالات الكهربائية تحدث بشكل لحظي وفوري عوضًا عن حدوثها عبر موجات كهرومغناطيسية، وسيصبح كلًا من المغنطة والضوء غير ضروريّين.
8- محطات الطاقة النووية والسوبرنوفا:
النسبية هي أحد أسباب اتحاد الطاقة والكتلة ببعضهما البعض، وهي الطريقة التي تعمل بها محطات الطاقة النووية، وأيضًا هي سبب إضاءة الشمس.
وأحد أهم هذه التأثيرات هو في انفجارات السوبرنوفا “انفجارات النجوم”، والتي تشير إلى وفاة النجوم الضخمة.
يقول السيد مور بأن [السوبرنوفا] هي موجودة بسبب تغلّب الآثار النسبية على الآثار الكمومية داخل مركز هذا نجم كبير بما فيه الكفاية ليؤدي إلى انهياره فجأة على وزنه ليصبح نجم نيوتروني أصغر بكثير مما كان من الصعب انهياره.
في السوبرنوفا النجم يبدأ بالإنهيار ابتداءً من الطبقات الخارجية وصولًا لمركز النجم؛ صانعًا بذلك انفجار ضخم.
إنّ أحد آثار هذا الإنفجار هي تشكّل عناصر أثقل من الحديد، وفي الحقيقة معظم العناصر الثقيلة المُتعارف عليها وُجدت كنتيجة للسوبرنوفا.
يضيف مور بأننا نحن الكائنات مصنوعين من أشياء تم صنعها ثمّ تناثرت في الفضاء من قبل السوبرنوفا، فإذا ما كانت النسبية غير موجودة، حتى أغلب النجوم الضخمة لن تنفجر وبالتالي لن نكون موجودين حتى لكي نفكّر بالأمر.
- ترجمة: باسل سماق.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر