من المعروف أن أعقد هيكل بيولوجي تعامل معه الإنسان على مر العصور هو دماغ الإنسان نفسه، وبسبب هذا التعقيد بقي فهم دماغ الإنسان كاملًا أمرًا مستعصيًا، ما دفع الباحثين في مختلف مجالات علم الأعصاب إلى الاستمرار في اختباراتهم التي دائمًا ما تثمر عن نتائج مذهلة.
حقق علماء الأعصاب بهذا الصدد تقدمًا كبيرًا، فقد رسموا خرائط للوظائف المعقدة لخلايا الدماغ التي يبلغ عددها حوالي 85 مليار والنواقل الواصلة بينها والتي يبلغ عدده 100 تريليون ناقل.
الرقم خيالي أليس كذلك؟ حسنًا، إنه حتى أكبر من عدد النجوم في مجرة درب التبانة الذي يزيد عن 400 مليار نجم.
بالعودة إلى الأرض تحديدًا في جنوب خليج سان فرانسيسكو في كاليفورنيا حيث يقع «وادي السيليكون» عاصمة التكنولوجيا في العالم، طُور بداخل شركة نيورالينك للتكنولوجيا العصبية التي أنشأها إيلون ماسك جهاز تعويض عصبي وأطلق عليه «واجهة الدماغ الحاسوبية».
ويفترض إيلون ماسك أن شريحة نيورالينك هذه قادرة على شفاء حالة طنين الأذنين -الحالة العصبية التي تسبب طنين الأذنين- خلال خمس سنوات، هل هذا ممكن؟
صرح إيلون: «بكل تأكيد نيورالينك سوف تعمل على شفاء حالة الطنين، الجهاز الحديث يتضمن من 10,000 إلى 100,000 ألف قطب كهربائي».
ما هي نيورالينك؟
هو جهاز من حجم العملة المعدنية، يسمى الموصل يزرع في جمجمة الإنسان عن طريق روبوت جراحي دقيق، يربط الروبوت بين آلاف الأسلاك الدقيقة الموجودة ضمن الموصل وخلايا عصبية معينة و كل خيط هو ربع قطر شعرة الإنسان.
ويتصل الجهاز مع حاسوب خارجي عن طريق تقنية البلوتوث كي يستقبل الإشارات ويرسلها.
من المتوقع أن تساعد أجهزة نيورالينك التعويضية الأشخاص الذين يعانون مختلف الاضطرابات العصبية التي يحدث فيها انفصال أو خلل ما بين الدماغ والأعصاب ووظائفها في الجسم.
وما سبق يتضمن الأشخاص الذين يعانون شللًا نصفيًا، أو شللًا رباعيًا، أو داء باركنسون والصرع.
ولا بد من تأكيد أن شركة نيورالينك تستقطب نخبة علماء الأعصاب الأكاديميين والقائمين على الأبحاث في مختلف مجتمعات البحث الواسعة، وهذا منذ تأسيسها عام 2016 لتطوير التكنولوجيا للوصول إلى حل مع هذه الأمراض.
قرد تابع لشركة نيورالينك قادر على لعب البونج بعقله:
في أبريل عام 2021 أثبتت الشركة صدق المفهوم الذي تقدمه من طريق فيديو لقرد من صنف المكاك عمره 9 سنوات واسمه بيجر يلعب لعبة البونج بواسطة عقله فقط والتجربة كانت ناجحة، وقام بذلك من طريق جهاز نيورالينك مزروع بدماغه و متصل بحاسوب يلعب اللعبة.
وأُوضح لبيجر كيفية اللعب بواسطة عصا التحكم وكان يكافأ بالموز في كل مرة ينجح فيها.
تسجل شريحة نيورالينك أنماط الحركة الكهربائية التي تحدث في الدماغ في أثناء اللعب ومن ثم تحدد الخلايا العصبية التي تتحكم في الحركات. وعندما تكون عصا التحكم في حالة انعدام الاتصال يكون بيجر قادرًا على اللعب باستخدام ذهنه فقط.
في نهاية عام 2022، من المتوقع أن تبدأ التجارب البشرية اختبار النموذج الأولي لشركة نيورالينك وهذا بشرط موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.
مزاعم ماسك حول طنين الأذنين:
يزعم إيلون ماسك أن شريحة نيورالينك قادرة على علاج طنين الأذنين بحلول عام 2027. هذا المرض الشائع الذي يحدث عندما يتضرر العصب الدهليزي القوقعي الواصل بين الأذن الداخلية والدماغ نتيجة الضوضاء العالية أو حادث ما أو بسبب مشكلة في التغذية الدموية.
محاولات علاج هذا المرض باءت بالفشل وكانت النصيحة الوحيدة هي تجاهل الصوت والتأقلم مع الحالة.
بالعودة إلى جهاز النيورالينك، فإن آلية عمله تقوم على اتصال هذا الجهاز بالقشرة السطحية للدماغ، أي المنطقة التي يعالج فيها الدماغ المدخلات الحسية الحركية، وعلى ذلك يمكن للجهاز معالجة تضرر الدماغ في تلك المنطقة.
هل ما يقوله ماسك منطقي؟
هذه الادعاءات تبدو مذهلة للعوام، لكنها أقل إبهارًا في الأوساط العلمية.
منذ ستينيات القرن الماضي ساعدت الشرائح العصبية ذات الشكل الحلزوني الناس الذين يعانون ضعف السمع، وهذا شكل نقلة نوعية في الستين عامًا اللاحقة.
يعقد علماء الأعصاب آمالاً كبيرة حول قدرة هذا الجهاز على المساعدة على الشفاء من الكثير من الأمراض بالإضافة إلى طنين الأذن، مثل حالات الوسواس القهري واضطرابات الدماغ بالإضافة إلى التوحد والأمراض التنكسية للجهاز العصبي من طريق التحفيز العميق للدماغ.
صرح بول نيوجوكيان مدير مخبر التوصيلات الدماغية في جامعة ستانفورد بهذا الخصوص: «نحن بصدد نقلة هائلة، ستغير التكنولوجيا الطريقة التي نتعالج بها. بالإضافة إلى علاج السكتات الدماغية و الشلل والأمراض التنكسية الحركية سنجد علاجًا لجميع أنواع الأمراض الدماغية».
أمور يجب الحذر منها:
لم يدخل جهاز نيورالينك حيز التجارب البشرية بعد بسبب تصنيف إدارة الغذاء والدواء له، فقد صنف على أنه من الدرجة الثالثة -أكثر الدرجات خطورة- ويجب على شركة نيورالينك النجاح في تحقيق الضوابط المتشددة للإدارة إذا أرادت إدخال التجارب البشرية ضمن عملها.
وللحصول على تلك الموافقة، يجب على الشركة تقديم بيانات لتجارب سريرية أجرتها على الحيوانات «كالقردة» لتتمكن من الانتقال للمستوى الثاني بدون قيود.
وما حدث في بعض تجارب الشركة هو موت بعض القرود في أثناء التجارب، ما أثار مخاوف المعارضين بشأن سلامة الحيوانات.
وقد تأخذ موافقة الإدارة لإجراء التجارب على البشر المزيد من الوقت.
بخصوص الأعراض الجانبية للجهاز، سيبحث المراقبون في كونه يتسبب بالإكتئاب.
بالإضافة إلى ذلك سيبحثون في العمليات المتعلقة بإصلاح الجهاز أو إزالته في حال تعطله.
والإجراءات الواجب اتخاذها في حال تعرض الدماغ البشري للضرر أو العدوى.
ستباشر شركة نيوراليك في تطويع الأشخاص للخضوع للتجارب حالما توافق إدارة الغذاء والدواء على الجهاز.
والسؤال الذي يطرحه معظمنا حول الوقت والتكلفة التي يحتاج إليها الجهاز ليصبح متاحا تجاريًا، الأمر ما زال مجهولاً حتى الآن.
ومن المرجح أن يتاح بعد عدة سنوات بتكلفة باهظة، ما يجعله في متناول الأثرياء فقط.
وننصح نحن بعدم توقع الحصول على جهاز بسعر منخفض ووقت قريب لأن ذلك غير منطقي.
اقرأ أيضًا:
سعي وادي السيليكون نحو الخلود..والتضحيات المقلقة
طنين الأذن: الأسباب والأعراض والتشخيص
ترجمة: رهف ابراهيم
تدقيق: رغد أبو الراغب
مراجعة: عون حدّاد