على الرغم من ذكائنا نحن البشر، يبدو أن الطبيعة الأم تتفوق علينا دائمًا أو على نحو شبه دائم. وهذا ينطبق على مجالات أخرى مثل الجراحة الدماغية والروبوتات، وكذلك في السباق لتفادي الموت الحراري للكوكب. ويبدو أنه صحيح كذلك بالنسبة للرياضيات المتقدمة.

هناك مشكلة مركزية في الهندسة، وهي تقسيم الفضاء إلى هياكل بسيطة. هذا ما يبدأ به بحث جديد نشره باحثون في جامعة أكسفورد، ويتحدث عن اكتشاف فئة جديدة كليًا من الأشكال تُسمى الخلايا الرخوة.

كتب المؤلفون: «إن الحلول الكلاسيكية، كالمثلثات والمربعات والأشكال السداسية في المستوى، والمكعبات وغيرها من الأشكال متعددة السطوح في الفضاء ثلاثي الأبعاد، مشكَّلة بزوایا حادة ووجوه مسطحة. ومع ذلك، فإن العديد من التبليطات في الطبيعة تتسم بأشكال ذات حواف منحنية، ووجوه غير مسطحة، وقليل من الزوايا الحادة، إن وُجدت».

ومع ذلك، تتميز عدة أنواع من البلاط في الطبيعة بأشكال ذات حواف منحنية ووجوه غير مسطحة، وقليل من الزوايا الحادة إن وُجدت. أساسيًا المشكلة هي: كيف يمكن ملء الفراغ بالكامل بالأشكال أو الأشياء؟ عند طرح هذا السؤال على البشر، نختار تلقائيًا الأشكال ذات الزوايا الحادة، مثل المربعات والمثلثات والأشكال السداسية. وهذا منطقي، فمحاولة ملء الفراغ بالدوائر ستنتهي حتمًا ببعض المساحات الفارغة، مهما كانت صغيرة أو معقدة.

ولكن عندما ننظر إلى كيفية رد العالم الطبيعي على هذا السؤال، فمن النادر جدًا رؤية هذا النوع من الحلول. وعطفًا على ما يقوله ألان جوريلي، وهو بروفيسور التصميم الهندسي الرياضي في جامعة أكسفورد وأحد مُعِدي الورقة البحثية الجديدة: «الطبيعة لا تكره الفراغ فحسب، بل يبدو أنها تكره الزوايا الحادة أيضًا».

خذ مثلًا بصلة، اقطعها إلى نصفين، وسترى مجموعة مثالية من الأشكال المتداخلة، ولكن من المؤكد أنك لن تجد زوايا قائمة أو خطوط مستقيمة. وينطبق الأمر ذاته على الأنسجة العضلية: فمقطع عرضي للخلایا التي تشكّل الألياف العضلية سيكشف لنا عن تكرار للأشكال الدائرية المشوهة، الطويلة والرقيقة، التي لها نقاط في كلا الطرفين.

ليس الأمر الآن كما لو أن أحدًا لم يلاحظ وجود هذه الأشكال من قبل، أو أنها وسيلة مميزة لملء منطقة دون ترك أي فراغ. لكن كيف تعمل بالضبط من وجهة نظر رياضية؟ لقد كانت هذه مسألة محيرة إلى حد ما.

كما توضح الورقة البحثية: «عند التعمق في الخصائص التركيبية للبلاط، يتبين أن نعومة الخلايا حظيت باهتمام أقل مقارنةً بالزوايا والبروزات الخشنة». وتضيف: «نظرًا لأن الأشكال الملساء المتقطعة، مثل المربعات والمكعبات، قادرة على ملء الفراغ، بينما الأشكال الملساء لا تستطيع ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى يمكن أن تكون الأشكال التي تملأ الفراغ سلسة؟

إنه أمر معقد قليلاً من الناحية التكنولوجية، إلا أنه يمكن تلخيصه في النقاط التالية: إذا لم يكن الشكل “مدببًا” بدرجة كافية، فلن يكون هناك وسيلة لملء الفراغ بنجاح. السؤال الذي كان يتعين على الفريق الإجابة عليه هو: ما هو الحد الأدنى من الشكل المدبب الذي يجب أن يتحلى به الشكل لتبليط الفراغ بشكل ناجح؟

والنتيجة التي توصلوا إليها هي هذه “الخلایا الطرية”، وهذه الأشكال تقلل من عدد الزوايا الحادة، كما أوضحوا في البحث: «يُملأ الفراغ على هيئة بلاطات طريّة ومن الملاحظ أن هذه الأشكال الناعمة المثالية موجودة بكثرة في الطبيعة، من الخلايا وحتى الأصداف».

لدى هذه الأشكال أهمية خاصة، تتجلى عندما ننتقل من بُعد ثنائي إلى ثلاثي. يوضح جابور دوموكوس، أستاذ التصميم الهندسي في جامعة بودابست للتكنولوجيا والاقتصاد وأحد معدي البحث: «تساعد الخلايا الطريّة في تفسير السبب. فعندما تنظر إلى مقطع عرضي من صَدَفة لها حجرات، تظهر لك الزوايا، إلا أن الهندسة ثلاثية الأبعاد للحجرات لا تُرى».

في الواقع، وكما هو الحال مع العديد من الاكتشافات الدراماتيكية، يمكن العثور على هذه الأشكال في كل مكان بمجرد أن تعرف ما الذي تبحث عنه. وأوضح الفريق أنها “مكونات هندسية للأنسجة البيولوجية” تتحكم في الأشكال الطبيعية المنتشرة مثل نمو الأطراف، وخلايا الدم، وجزر الأنهار، والقواقع البحرية.

يكتب الباحثون: «إن إنشاء زوايا حادة والحفاظ عليها هو أمر صعب ومكلف. حيث يميل كل من التوتر السطحي والمرونة طبيعيًا إلى تدوير الزوايا، وبالتالي فليس بالأمر المستغرب أن يُعثر على العديد من البلاطات الناعمة في الطبيعة».

وأوجز الباحثون: «إن الافتقار إلى الزوايا الحادة وهندستها الناعمة الشديدة الانحناء يجعل من الخلايا اللينة مرشحة مثالية للهياكل البيولوجية التي تطورت تحت قيود كاملة أو جزئية لملء الفراغ».

اقرأ أيضًا:

الكسيرات أو الفركتلات، أجمل الأشكال الهندسية مذهلة التي وجدت في الطبيعة

شكل هندسي جديد تستخدمه الطبيعة لرزم الخلايا بشكل فعال

ترجمة: سلیمان عبد المنعم

تدقيق: مؤمن محمد حلمي

مراجعة: باسل حميدي

المصدر