عام 2006، طلبت مجلة كوزموس من مجموعة من علماء الفلك والمناخ والبيئة والأطباء وخبراء الروبوتات والطاقة المتجددة، وضع تصور لما ستكون عليه الحياة عام 2040.
نشر الباحث في مجال البيئة برون ويليس تقريرًا يلخص تلك التوقعات، إضافةً إلى التطلعات المستقبلية لمجموعة أخرى من العلماء.
الطاقة:
إذا كان تقليل انبعاثات الكربون أمرًا أساسيًا للحد من تأثير التغير المناخي وفقدان التنوع البيولوجي، فإن تطوير الطاقة النظيفة أمر حتمي. عام 2006، كانت عمليات إنشاء محطات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح تحدث على استحياء، وتخزين الطاقة في بطاريات للمرافق العامة.
منذ ذلك الحين، استمر النمو الهندسي من هذا القاعدة الصغيرة، فأصبحنا نرى الآن معدلات نمو سنوية متسقة، مع زيادة بمقدار أربعة أضعاف كل عقد. إذا استطعنا الحفاظ على هذه الوتيرة، فسنحظى بإمدادات كافية من الطاقة النظيفة، لتستبدل عالميًا إمدادات الطاقة من الوقود الأحفوري.
الروبوتات:
عام 2006 كانت لدينا آمال كبيرة في التخفيف من متاعب الحياة اليومية.آنذاك، كانت التوقعات أن الروبوتات المنزلية ستحتل مكانة مهمة في قائمة ضروريات المستهلكين بحلول عام 2020، إذ ستصبح مثل أجهزة الكمبيوتر الشخصية اليوم. للأسف، ما زال ذلك بعيدًا عن الواقع.
لم يتحقق وجود الروبوتات القائمة بأعمال المنزل بالطريقة المتوقعة. يشير ذلك إلى تناقض مورافيك، الذي لاحظه خبير الروبوتات الأمريكي هانز مورافيك في الثمانينيات: «الآلات جيدة في الأشياء التي نجدها صعبة، لكنها سيئة في الأشياء التي نجدها سهلة». لدينا الآن أجهزة ذكية أسرع من الحواسيب العملاقة التي كانت لدينا قبل 50 عامًا، مع ذلك لم نحصل حتى الآن على روبوت يقوم بأعمال المنزل بنجاح. ميكانيكيًا، ما زال تصميم الروبوت أمرًا صعبًا.
المناخ:
أكثر التنبؤات قربًا من الواقع -ومن ثم أكثرها إثارة للقلق- هي تلك المتعلقة بالمناخ. لقد بلغنا الحد الأقصى لتوقعاتنا، فيما يتعلق بالانبعاثات والنتائج المترتبة عليها، كانت توقعاتنا عام 2006 تتنبأ بنتائج أقل مأساوية من الواقع الآن.
المفاجأة هي سرعة بلوغنا هذه المرحلة. منذ عام 2006، أطلق البشر أكثر من ثلثي كمية الغازات الدفيئة التي أطلقناها طيلة تاريخ الكوكب. لكن هل نجحنا في تفادي الكارثة في السنوات الأخيرة؟ ما زال الأمر غير مؤكد.
نتيجة تغير المناخ، ستكون حياة معظم الناس على وجه الكوكب بالغة الصعوبة، مثل العيش في خضم الحروب. ربما يظن معظمنا أننا لم نتأثر بتغير المناخ إلى هذه الحد، لكن عام 2016، أفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأنه منذ 2008، نزح نحو 21.5 مليون شخص بسبب أحداث متعلقة بالمناخ.
أحداث مثل موجات الحر القياسية في نصف الكرة الشمالي في صيف 2023، وحرائق أستراليا في صيف 2019-2020 ، المُسمى الصيف الأسود، والسجل العالمي من أحداث الجفاف والفيضانات، كل هذا يمثل كارثة بالنسبة إلى الكثيرين، بالفعل فإن الأمر يشبه الحرب إلى حد بعيد.
تذكر الدراسة خمس جزر مرجانية نباتية اختفت، وست جزر أخرى تشهد انحسارًا حادًا في خط الساحل، ما ينذر بنزوح المجتمعات من القرى المتضررة جراء ذلك.
إذن ما الحل؟ علينا أن نقلل استخدامنا للوقود الأحفوري، وفي الوقت ذاته، نحتاج إلى سحب ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه في الصخور. علينا أن نقوم بالخطوتين بالتزامن على نطاق واسع، وعلينا أن نكون جادين حقًا في استعادة الغابات.
الحياة خارج كوكب الأرض:
عام 2006، وصف العلماء البحث عن حياة فضائية خارج الأرض بسباق الجياد الثلاثة، إذ نستخدم في ذلك ثلاث وسائل: مراصد الراديو على الأرض، والمركبات الفضائية، والتلسكوبات الفضائية. وسط توقعات بالعثور على دليل على وجود حياة فضائية في غضون عقد.
مع ذلك تظل النتائج مخيبة. لو أنك سألت شخصًا قبل 40 عامًا لأجاب على الأرجح بأننا يجب أن نكون قد عثرنا على حياة فضائية بحلول الوقت الحالي. رغم وجود الكثير من المركبات الفضائية على المريخ، ما زلنا لم نجد أي دليل على وجود حياة.
مع ذلك شهد مجال استكشاف الفضاء منذ عام 2006 قفزات مهمة، مثل اكتشاف الكواكب الخارجية (الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى خارج نظامنا الشمسي)، ودخول دول أخرى مجال استكشاف الفضاء، مثل الإمارات العربية المتحدة والهند.
توقعات المستقبل: الحياة عام 2040
بمساعدة الذكاء الاصطناعي، بوسع العلماء إجراء توقعات استنادًا إلى البيانات القابلة للقياس، مثل درجات حرارة المحيطات والنمو السكاني والوفيات المرتبطة بالسرطان ومستويات الميثان في الغلاف الجوي. لكن فهم تأثير التغيرات في البيانات يظل أقل وضوحًا.
فقدان التنوع البيولوجي:
رغم معرفتنا بأهمية حماية التنوع البيولوجي منذ عام 2006، فإن التهديدات الرئيسية من تجريف الأراضي وتجزئة الموائل وتغير المناخ ما زالت قائمة. خلال العقد السابق (2011-2020)، أعلن الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة انقراض 160 نوعًا.
يتوقع فريق من خبراء التنوع البيولوجي فقدًا مفاجئًا وحادًا في التنوع البيولوجي، بدلًا من انخفاض بطيء وثابت. أشارت دراسة إلى أن فقدان التنوع البيولوجي خلال القرن الحالي يحدث بوتيرة أسرع بكثير مما كان متوقعًا، وأن معظم الأنواع في النظم الإيكولوجية المحلية تتعرض لظروف مناخية خطيرة بشكل متزامن.
لا تقتصر الآثار على أنواع بعينها، بل على النظم الإيكولوجية بأكملها. تشير الدراسة إلى أن الشعب المرجانية في الحاجز المرجاني الأعظم، التي تعرضت بالفعل لسبعة أحداث كبيرة لابيضاض الشعاب المرجانية بين عامي 1998 و2022، ما زالت تتعرض لمخاطر مماثلة. يُتوقع أن يتصاعد خطر التغير المناخي، الذي قد يؤدي إلى انهيارات مفاجئة في نظم المحيطات في العقدين الرابع والخامس من القرن الحالي.
هل بوسع التكنولوجيا المساعدة على الاحتفاظ بالتنوع البيولوجي؟ في المستقبل، قد يفيد تطور مجالات مثل تحليل الحمض النووي البيئي واستخدام أجهزة الاستشعار الصوتي لمراقبة الأنواع وجمع البيانات.
من المتوقع أن انخفاض تكلفة تكنولوجيا الحفاظ على البيئة -ومن ثم استخدامها على نطاق واسع- سيساعد على تحسين جمع البيانات المتعلقة بالأنواع المهددة. لكن سيظل الأمر وقفًا على فعالية النظم والسياسات المُطبقة.
تظل الشعوب الأصلية حول العالم محورًا للنضال المستمر من أجل التنوع البيولوجي. إذ إن لها دورًا حاسمًا في الحفاظ على الطبيعة.
يستند العلم إلى المعرفة المستمدة من المراقبة المتكررة. أدت عقود من الملاحظة المستمرة إلى حصولنا على مجموعة كبيرة من البيانات، توضح كيف كانت شعوب أستراليا الأصلية -مثلًا- قادرة على التكيف مع تغيرات جذرية في المناخ والطبيعة.
وداعًا للسرطان؟
من المحتمل أن يظل السرطان جزءًا من حياة الناس في عام 2040. لن نتمكن من شفاء السرطان نهائيًا، لكن يمكننا تجنب زيادة الحالات، والحفاظ على حياة الناس فترةً أطول، وبصحة أفضل.
من النجاحات المتحققة في مجال أبحاث السرطان تطوير لقاحات للعدوى المسببة للسرطان، مثل لقاح فيروس الورم الحليمي البشري، الذي بدأت الأبحاث المتعلقة به منذ الثمانينيات.
يعتمد مستقبل حالات السرطان بدرجة كبيرة على الوقاية، إذ إن واحدة من كل ثلاث حالات إصابة بالسرطان تمكن الوقاية منها.
الذكاء الاصطناعي الطبي:
من المتوقع أن يساعد الذكاء الاصطناعي في العديد من مجالات الطب في المستقبل، لكن ربما ليس بالطرق التي قد يتخيلها الناس.
ما زالت مهمة مثل التصوير الطبي تُجرى يدويًا على نطاق واسع. بدأ الذكاء الاصطناعي بتولي بعض المهام السهلة في فحص الصور وأصبح بارعًا فيها، لكنه ما زال يعمل تحت إشراف بشري. سهّل ذلك عملنا كثيرًا، لكن ما زال للإنسان اليد العليا في العمل.
من المعروف الآن أن الذكاء الاصطناعي سيكون له دور كبير غالبًا في مجال تشخيص الأمراض، مقارنةً بدوره في علاجها.
النماذج اللغوية مثل شات جي بي تي ستغير الاستشارات الطبية جذريًا، بشرط موافقة المريض، يمكننا ببساطة تسجيل المحادثة ويقوم الذكاء الاصطناعي بكتابة ملخص. ما زال للإنسان دور في العملية، إذ يُراقب ما كُتب ويجري تعديلات.
الذكاء الاصطناعي جيد إلى حد ما. لكنه ما زال لم يحقق نسبة 100% من الدقة وعدم ارتكاب الأخطاء. يُتوقع أن يكون الذكاء الاصطناعي قادرًا على تشخيص كسور العظام في غضون العقد القادم. أيضًا سيكون للتكنولوجيا الذكية دور في التجارب السريرية. وليس من المُستبعد أن يحدث التشخيص في المنزل بناءً على البيانات المجموعة، دون الحاجة إلى الذهاب إلى عيادة الطبيب.
اقرأ أيضًا:
السياحة في كوكب المريخ: إليك ثمانية أماكن رائعة يُنصح بزيارتها في المستقبل
هل ستتدفق المياه على سطح المريخ مرة أخرى في المستقبل؟
ترجمة: محمد فواز السيد
تدقيق: أكرم محيي الدين