في دراسة جديدة واسعة النطاق، وجد العلماء علاقة بين جينين من الجينات المكتشفة حديثًا والفصام، ووُجدت علاقة بين جين معروف سابقًا بارتباطه بالفصام مع خطر الإصابة بالتوحد.
تزيد هذه النتائج من فهم العلماء لأمراض الدماغ ويمكن أن تكشف أهدافًا علاجية جديدة. الأهم من ذلك، تُعدّ هذه الدراسة الأولى التي تبحث في خطر الإصابة بالفصام لدى مجموعات مختلفة من الناس، خاصة أولئك الذين ينحدرون من أصول أفريقية. كشفت الدراسة أيضًا عن اختلافات نادرة وضارة في البروتينات الجينية تزيد من خطر الإصابة بالفصام لدى جميع المجموعات العرقية.
كما هو الحال مع العديد من الحالات العصبية، فإن الأسباب الدقيقة للفصام متنوعة ومعقدة، وغالبًا ما تكون غير معروفة، لكن يبدو أن مجموعة من التغيرات الجينية والبيئية والبيولوجية في الدماغ تؤدي دورًا في ذلك.
يقول عالم الطب النفسي الجيني ألكسندر تشارني من كلية إيكان للطب في ماونت سيناي في الولايات المتحدة:
«إن الدافع لإجراء هذه الدراسة هو فهم كيفية تأثير المتغيرات الجينية النادرة على خطر إصابة الشخص بمرض عقلي حاد، تحديدًا مرض الفصام».
أظهرت الأبحاث الحديثة أن المصابين بالفصام يملكون عددًا أكبر من متغيرات جينية نادرة تؤدي إلى طفرات في عملية اقتطاع البروتين (PTVs) ضمن مجموعة من 10 جينات مقارنة مع غير المصابين بالفصام. تعدّ PTVs تغيّيرات تطرأ على شيفرة الحمض النووي يمكن أن تجعل الجين ينتج بروتينًا فاقدً لأجزاء أساسية، ما يعطل وظيفته.
أُجريت الدراسة -مثل معظم الدراسات الجينية- على السكان الأوروبيين، على الرغم من أن الفصام مرض شائع في جميع أنحاء العالم.
في الدراسة الأخيرة، حدد العلماء جينين جديدين من الجينات التي ترفع خطر الإصابة بالفصام هما SRRM2 و AKAP11، من خلال مقارنة التسلسل الجيني للأشخاص المصابين بالفصام مع أشخاص أصحاء من مجموعات مختلفة، لا سيما من أصل أفريقي.
حددت الدراسة جينًا ثالثًا يدعى PCLO معروف سابقًا بعلاقته مع الفصام، لكن الجديد الآن هو أنه يزيد أيضًا من خطر الإصابة بالتوحد. هذا يؤكد ما نعرفه سابقًا عن التداخل الجيني بين بعض الأمراض العصبية.
يقول شارني: «من المعروف أن هناك مكونات وراثية مشتركة بين الأمراض. سريريًا، يمكن أن يكون النمط الظاهري للجينات مختلفًا في نفس العائلة. قد يتسبب الجين نفسه الموجود في العائلة في إصابة أحد الأفراد بالتوحد وإصابة الآخر بالفصام. فكرة أن يعطي الجين نفسه أنماطًا ظاهرية مختلفة مثيرة للاهتمام للغاية بالنسبة لنا، لأن الأمر قد يكون مفيدًا عندما يتعلق الأمر بالعلاج».
للتوصّل إلى هذه النتائج، أجرى الفريق تحليلًا تلويًا شمل 35828 حالة و 107877 حالة مرجعية حصلوا عليها من قواعد بيانات منشورة مسبقًا. جُمّعت البيانات من عدة دراسات عنيت بالظاهرة نفسها. يمكن أن يساعد التحليل التلوي meta-analysis الباحثين على تحديد الأنماط أو التناقضات في نتائج الدراسات المختلفة وتقديم تقدير أكثر دقة لمدى تأثير اختلاف الجينات بين الأفراد.
يعدّ تسلسل الجينوم بأكمله مكلفًا، لذلك استخدم الباحثون التسلسل الجيني المستهدف على جينات مختارة بعناية من هذه البيانات. أُجريت الدراسة على 11580 شخصًا مصابًا بالفصام أو الاضطرابات الفصامية العاطفية، وعلى 10555 شخصًا ليس لديهم تشخيص معروف لاضطراب نفسي. لم يكن الأشخاص الذين ضُمنت جيناتهم في الدراسة أقارب، وكان 40% منهم من غير الأوروبيين.
يقول المؤلف الرئيسي وعالم الوراثة ومحلل البيانات دونجينغ ليو من كلية الطب في إيكان في ماونت سيناي: «بالتركيز على مجموعة من الجينات، اكتشفنا متغيرات جينية ضارة نادرة يمكن أن تساعد في العثور على أدوية جديدة لمرض الفصام».
أضاف أيضًا: «عند دراسة جينات أشخاص من أصول متنوعة، وجدنا أن التغيرات النادرة في الجينات التي تحدُّ نسخها وتطورها بطريقة صحيحة تمنحها حجمًا معينًا يزيد من خطر الإصابة بالفصام بين تلك المجموعات السكانية المختلفة، وأن العوامل الجينية التي حددت سابقًا فقط في الأشخاص ذوي العرق الأبيض قد امتدت الآن وشملت أشخاصًا من مختلف الأعراق لهذا المرض المُهلك».
الفصام هو مرض عقلي حاد يؤثر على التفكير والشعور والسلوك. وفقًا للإحصاءات، عادةً ما يبدأ في نهاية مرحلة المراهقة أو بداية مرحلة البلوغ ويصيب حوالي 7 أشخاص من بين كل 1000 شخص، ويُنقص عمر الشخص حوالي 15 عامًا.
تشمل الأعراض سماع أو رؤية أشياء غير موجودة، والإيمان بأشياء غير حقيقية، والتفكير والسلوك غير المنظمين، والافتقار إلى الحافز. قد تكون الأعراض مزعجة للغاية بالنسبة للشخص الذي يعاني منها ولمن حوله.
بالنسبة إلى العديد من الأشخاص، يمكن التعامل مع مرض الفصام بالعلاج لكن الأدوية الحالية لا تناسب الجميع، إذ تختلف الأعراض والآثار الجانبية وهناك حاجة إلى مزيد من البحث.
يخطط الباحثون إلى المزيد من دراسة الآثار السريرية لهذه الجينات المكتشفة حديثًا على أعراض أو سلوكيات محددة للفصام والتعرف على الأدوية المحتملة لاستهدافها.
خلص ليو وزملاؤه إلى أن المساهمة الرئيسية لهذه الدراسة في مجال علم الوراثة هي إثبات أن المخاطر الجينية موحدة عبر الأعراق المختلفة، وكتبوا: «إن تحقيق التنوع في الأبحاث الجينية البشرية يجب أن يكون أولوية قصوى لمنع حدوث أي تفاوتات صحية أسوأ عند بدء تحويل النتائج البحثية إلى ممارسات سريرية».
تبدو هذه الدراسة خطوة واعدة في الاتجاه الصحيح.
اقرأ أيضًا:
الفصام: الأعراض والأسباب والعلاج
ترجمة: تيماء الخطيب
تدقيق: فاطمة جابر