عندما تموت النجوم الضخمة فإنها لا تموت بهدوء وسلام. لقد توصّلنا لهذه النتيجة عن طريق فهمنا الحالي لما يحدث من ظواهر في كوننا الواسع.

حينما ينفد وقود النجوم الضخمة، تصبح بحالة عدم استقرار، وتتدمر نتيجة الانفجارات المستمرة والعنيفة التي تتعرض لها، قبل أن تصل في نهاية المطاف، إلى الانفجار النهائي والأعظم الذي نطلق عليه اسم المستعر الأعظم أو سوبرنوفا.

وجد العلماء، أن هناك بعض النجوم الضخمة التي اختفت بسهولة على نحو مفاجئ من دون أن تخلّف وراءها أثرًا. فالنجوم التي كانت مسجلةً في استطلاعات وبيانات قديمة، أصبحت على نحو غير مفهوم غائبةً عن الاستطلاعات الحديثة. لكن النجوم ليست مجموعةً من المفاتيح يمكن أن تفقدها خلف أريكتك. لذا يبقى السؤال، أين اختفت تلك النجوم؟

دراسة جديدة أجراها فريق دولي بقيادة عالم الفيزياء الفلكية أليخاندرو ڤيغنا غوميز من معهد نيلز بور في الدنمارك، ومعهد ماكس بلانك للفيزياء الفلكية في ألمانيا، تُشير إلى التفسير الأكثر إقناعاً لهذه الظاهرة. إذ اقترح الفريق أنَّ النجوم الضخمة لا تموت بالضرورة من خلال انفجار هائل، بل قد تموت بهدوء.

أمّا دليلهم على هذه النظرية فكان وجود نظام ثنائي يسمى VFTS 243 في سحابة ماجلان الكبرى؛ يوجد داخل هذا النظام ثقب أسود ونجم مرافق له. الغريب في الأمر أن هذا النظام لم يُظهر أية علامات تدل على حدوث انفجار المستعر الأعظم، الذي يجب أن يحدث عند تشكل الثقب الأسود وفقًا للدراسات الحديثة.

يوضح العالم ڤيغنا غوميز: «إذا نظر شخص ما إلى السماء في اللحظة التي يموت فيها أحد النجوم المرئية، فقد يبدو الأمر وكأن النجم قد انطفأ واختفى فجأةً من السماء».

ويتابع: «قد يكون انهيار النجوم كاملاً لدرجة عدم حدوث انفجار المستعر الأعظم، الذي يمكن رؤيته ساطعاً في السماء. وقد لاحظ العلماء مؤخراً اختفاءً مفاجئًا لعدة نجوم لامعة في السماء. لا يمكننا تأكيد وجود صلة مباشرة، إلّا أن تحليل النظام الثنائي VFTS 243 قد قرّبنا كثيراً من إيجاد تفسير معقول لهذه الظاهرة».

عندما ينفجر نجم تزيد كتلته عن ثمانية أضعاف كتلة الشمس إلى مستعر أعظم، تكون النتيجة فوضويةً للغاية. إذ تُقذف الطبقات الخارجية للنجم التي تشكل معظم كتلته إلى الفضاء المحيط به، ثم تشكل نواتج الانفجار سحابةً ضخمةً ومتوسعةً من الغاز والغبار، التي تبقى لمدة طويلة تتراوح بين مئات الآلاف إلى ملايين السنين.

في الوقت نفسه، تنهار نواة النجم تحت تأثير جاذبيتها الخاصة. يكمن السبب وراء ذلك في أنها لم تعد مدعومةً بالضغط الناتج عن الاندماج النووي. يشكل هذا الانهيار جسمًا شديد الكثافة، قد يكون نجماً نيوترونياً أو ثقباً أسود، إذ يعتمد ذلك على الكتلة الأصلية للنجم.

لا تبقى النوى المنهارة دائماً ثابتةً في مكانها، فإذا كان انفجار المستعر الأعظم غير متوازن فقد يقذف النواة إلى الفضاء فيما يُعرف باسم ركلة الولادة ويمكننا أحيانًا تتبع مسار النواة المقذوفة إلى سحابة المادة التي شكلتها في أثناء حدوث الانفجار، لكن إذا مرت فترة زمنية طويلة، يمكن للمادة أن تتلاشى، ومع ذلك يمكن أن تبقى علامات ركلة الولادة لفترة أطول بكثير.

يُعد نظام VFTS 243 مثيراً للاهتمام للغاية، إذ إنه يتكون من نجم ضخم يُقدر عمره بنحو 7.4 مليون سنة، وتبلغ كتلته 25 ضعف كتلة الشمس. إلى جانب هذا النجم يوجد ثقب أسود تبلغ كتلته تقريبا 10 أضعاف كتلة الشمس أيضاً.
مع أننا لا نستطيع رؤية الثقب الأسود مباشرةً، إلّا أننا يمكن تعقبه وقياسه بناءً على الحركة المدارية للنجم المرافق له، وعن طريق هذا يمكننا أيضاً أن نستنتج حقائق جديدةً عن هذا النظام.

يُعد شكل مدار هذا النظام أحد أهم الجوانب التي تميزه، فهو مدار شبه دائري. إلى جانب هذه الخصائص، تشير حركة النظام في الفضاء إلى أنه لم يتلقَ دفعةً قويةً عند حدوث انفجار المستعر الأعظم.

ظلّ الشكّ مرافقاً لِاستنتاجات الباحثين الذين اكتشفوا هذا الثقب الأسود عام 2022، ولكن سرعان ما تحول شكّهم إلى حقيقة بعد أبحاث العالم فيغنا غوميز وزملائه التي أكدت الاستنتاجات السابقة.

أصبح لدينا عدد متزايد من الأدلة التي تشير إلى أن النجوم الضخمة قد تنهار وتتحول إلى ثقب أسود من دون المرور بمرحلة حدوث انفجار المستعر الأعظم، ويمثل النظام VFTS 243 الدليل الأمثل لدعم صحة السيناريو المطروح لتفسير تلك الظاهرة.

صرّحت عالمة الفلك إيرين تامبورا من معهد نيلز بور: « إن النتائج التي حصلنا عليها من النظام السابق تمثل أفضل حالة رُصدت حتى الآن بشأن تكوّن الثقوب السوداء النجمية نتيجة الانهيار الكامل ومن دون حدوث انفجار المستعر الأعظم، هذا بالضبط ما أكدت نتائج نماذجِنا إمكانية حدوثه».

وتتابع:«يقدم النظام VFTS 243 أفضل النماذج المتعلقة بتطور النجوم وانهيارها، ومن المتوقع أن يشكل هذا النظام نقطةً مرجعيةً حاسمةً للبحث المستقبلي في هذه المجالات».

اقرأ أيضًا:

مستعر أعظم مُكتشف حديثًا قد يعيد كتابة نظريات أصل انفجار النجوم

اكتشاف ثقب أسود يدور حول ثقب أسود آخر في مجرة تبعد عن الأرض 800 مليون سنة ضوئية

ترجمة: آية شميّس

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: باسل حميدي

المصدر