نشأت صناعات عديدة في العقود المنصرمة، وتحسنت مجموعة منها بفضل الذكاء الاصطناعي، فهل شمل ذلك الهندسة المعمارية؟ قد لا يمتلك المهندسون المعماريون فكرةً كافيةً عن الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالعمارة. نعلم كيف يؤثر الذّكاء الاصطناعي في الصناعات مثل الأمن الإلكتروني والطب والتصنيع، لكن ماذا عن فن العمارة ؟
تدور الفكرة الرئيسة حول إبدال تصاميم المعماريين بروبوتات فائقة الذكاء تمتلك القدرة على تصميم المباني، إضافةً إلى إنشاء الأعمال الفنية أو تصميم المركبات.
إلى جانب تطور الذكاء الاصطناعي في الصناعات المرتبطة بالتصاميم، قد يثبت الذّكاء الاصطناعي فائدته بالخطوات الاعتيادية في إنشاء التصاميم، والسماح للمهندس المعماري بالإبداع في تصميمه وإكمال عمله باحترافية.
يقول مايك مينديلسون، مرشد ومصمم مناهج تعليمية من معهد نيفيديا للتعلم العميق: «لا تُعد الحواسيب مناسبةً لإجراء حلول إبداعية قابلة للتطوير، إذ يبقى أداء تلك الحلول مرتبطًا بالإنسان فقط، ولكن بفضل الأتمتة قد نوفر بعض الوقت لنعيد استثماره في إنشاء مجموعة من التصاميم».
ستغير كمية البيانات الهائلة طريقتنا في تصميم كل شيء
يُعد الذكاء الاصطناعي نظام حاسوب قادرًا على أداء مهمات تتطلب عقلًا بشريًا، مثل الإدراك البصري والتعرف على الصوت والقدرة على اتخاذ القرار والتنقل بين اللغات وفهمها بسلاسة. يمتلك الذّكاء الاصطناعي القدرة على أداء ما سبق بالاستفادة من كمية هائلة من البيانات، وهذا هو الجزء المثير في الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الهندسة المعمارية، فالمهندسون المعماريون يستفيدون من بيانات البناء والتصاميم السابقة للبدء بالمشاريع الحديثة، لكن لا تزال هذه العملية غير مألوفة لأغلب المصممين والمخططين في مجال الصناعة. وقدرتنا على الاستفادة من كمية البيانات الكبيرة السابقة في جزء من الثانية سيحسن التصاميم ويطورها، ما يرسم مستقبلًا مشرقًا لفن العمارة.
فيما يأتي خمس طرق سيغير بها الذكاء الاصطناعي فن العمارة:
1. سيغير الذكاء الاصطناعي قواعد فن العمارة وأساسياتها
لقدرة الذّكاء الاصطناعي على اتخاذ القرارات أو تقديم التوصيات ضرورة خاصة لعملية التصميم، خاصةً في الخطوات الأولى في أي مشروع معماري.
يقضي كل مهندس في بداية مشروعه ساعات كثيرةً في البحث عن الهدف من التصميم المراد للمشروع، إضافةً إلى دراسة المشاريع السابقة المشابهة، وهنا يتدخل الذكاء الاصطناعي ليوفر وقت المهندس وجهده. بفضل قدرة الذكاء الاصطناعي على دراسة كمية غير محدودة من البيانات، ما سيسهل عملية البحث، ويتمكن المهندس من اختبار مجموعة من الأفكار في الوقت ذاته بسلاسة، مثل عمل تصاميم مفاهيمية من دون الحاجة إلى استخدام الكثير من الورق والأقلام، أو من دون الحاجة إليها إطلاقًا.
تخيل أنك تريد تصميم منزل لعائلةٍ ما، ستفكر حينها في احتياجات العميل وتوقعاته، إضافةً إلى نمط التصميم وفهم طبيعة البيئة التي سيُبنى عليها المنزل، المهمة ليست سهلةً عند التفكير في مقدار الصعوبات التي ستضطر إلى مواجهتها.
ستمتلك مجموعةً من البيانات مثل عمر أفراد العائلة وجنسهم، إضافةً إلى عددهم وغيرها الكثير من البيانات التي تحتاج إلى الكثير من الوقت لدراستها وتحليلها. يستطيع المهندس بالاستفادة من نظام الذكاء الاصطناعي إضافة بيانات تقسيم المناطق ورموز البناء وبيانات التصميم، إضافةً إلى إجراء مجموعة من التصاميم المختلفة لبناء معين بخيارات غير محدودة.
2. الاستفادة من فن العمارة البارامتري
العمارة البارامترية مصطلح رنان ربما مررت به خلال دراستك لفن العمارة، فهي بمثابة مهارة خاصة للكثير من المهندسين المعماريين.
يسمح لك نظام التصميم البارامتري بالتحكم في إحداثيات معينة لإنشاء أنواع مختلفة من المخرجات، ما يتيح صنع نماذج وهياكل تقتصر على هذا التصميم البارامتري وحسب.
تتعدد لغات برمجة المهندسين، فتسمح الأداة للمهندس باختيار تصميم المخرجات، وتحديد القيود وإدخال البيانات، إلى جانب إنشاء عدد غير محدود من التكرارات للمنتج أو المبنى المراد تصميمه في غضون دقائق.
أصبح الأمر شائعًا بفضل برامج التصميم بمساعدة الحاسوب مثل برنامج غراسهوبر. يستفيد فن العمارة البارامتري من البرمجة الهندسية ذات الخوارزميات المعقدة التي تسمح للمهندسين بتصوّر المبنى وإعادة تشكيله وتحسينه ليتناسب مع احتياجهم ويحقق الهدف المراد منه، إذ تسمح هذه الأداة للمهندس بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي والعمل بحُرية وإنشاء التصميم بإبداع غير محدود.
3. ستصبح أعمال البناء أسهل وأسرع
لا تسير عملية البناء كما نخطط لها تمامًا، ويلزم المهندس الإنشائي في بعض الأحيان سنواتٍ من التخطيط لإحياء رؤية المهندس المعماري، لكن بالنظر إلى الجانب المشرق نجد أن الذكاء الاصطناعي سهل العمل على المهندس وعامل البناء معًا. سيسهل الذّكاء الاصطناعي عملية التخطيط بإنجاز كمية هائلة من البيانات وتخزينها، وإنشاء النماذج وفهم البيئة حول المبنى إلى جانب حساب كامل التكاليف اللازمة لإنهاء أعمال البناء. تُنقل كل هذه المعلومات إلى المهندس لتسهيل عملية البناء واختصار الوقت اللازم للتصميم والبناء. أما الجانب الإنشائي فقد يبني الذكاء الاصطناعي شيئًا بالاستفادة من موارد بشرية قليلة أو معدومة.
حاليًا يعمل مجموعة من الباحثين من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا على إنشاء طائرات من دون طيار تعمل بالذكاء الاصطناعي، وتمتلك القدرة على التواصل فيما بينها لبناء نماذج صغيرة.
4. ستجد المدن الذكية في كل مكان
ستختلف الطريقة التي تبدو بها المدن في المستقبل، لا شك أن تخطيطها من دون الاستفادة من الذكاء الاصطناعي عملية معقدة جدًا تتطلب سنوات عديدة.
يكمن دور المهندس الأساسي في فهم كيفية تدفق المدينة ونموها، إلى جانب فهم كيفية تعايشها مع النظام البيئي. فظهور المدن الذكية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي سيغير طريقة تفكير المهندسين المعماريين ويجبرهم على إعادة التفكير في طرقهم التقليدية.
ستصبح المدن الذكية ذاتية القيادة، وستُقاد استنادًا إلى تغذية راجعة مبنية على بيانات متجددة. ستُربط المباني والهواتف الذكية والسيارات والأماكن العامة ببعضها لتحسين ظروف المعيشة، إلى جانب تقليل المخلفات وزيادة الأمان وتقليل الحوادث وازدحام المرور، يمكنك رؤية ذلك في أحدث مدن العالم في وقتنا الحاضر.
5. سيغير الذكاء الاصطناعي منزلك نحو الأفضل
إلى جانب تصميم المنازل، سيفكر المهندسون المعماريون بكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة المستخدم. سيسمح الذكاء الاصطناعي ببناء منازل ذكية بمساحات معيشية أكبر ستغدو كائنات حيةً معقدةً بتعقيد أجسامنا البشرية، ولن يقتصر ذلك على تطوير المدن الذكية، بل سيمتد ليغطي كل جزء في حياتنا.
سيصبح التحدي أمام المهندس في كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي ليلائم لغة تصميم بيوتنا وطريقتها، لتطوير حياة السكان للأفضل.
اقرأ أيضًا:
ما الفرق بين الذكاء الاصطناعي ، تعلم الآلة و التعلم العميق ؟
ترجمة: حازم أبو العمرين
تدقيق: راما الهريسي
مراجعة: أكرم محيي الدين