شهد منتصف عام 2022 حدث ضخم ومثير مع إطلاق الصور الملتقطة للكون من تلسكوب جيمس ويب الفضائي، تُظهر المجرات البعيدة كما كانت منذ أكثر من 13 مليار سنة فهي تسمح لنا بالرجوع إلى الوراء عبر الزمن والنظر إلى أعماق الكون، وتثير الاهتمام حول كيفية تأثير توسع الكون في الطريقة التي نحسب بها المسافات بالمقياس الكوني.
السفر الحديث عبر الزمن
يرتبط كوننا مع واحدة من أشهر قواعد الفيزياء وهي سرعة الضوء، عندما نتحدث عن الضوء؛ فإننا نشير إلى جميع الأطوال الموجية للطيف الكهرومغناطيسي التي تنتقل بسرعة هائلة تصل إلى 300000 كيلومتر في الثانية، حتى في هذه السرعات الفائقة ما يزال السفر إلى أي مكان في الكون يستغرق وقتًا.
عندما ننظر إلى القمر نراه كما كان قبل 1.3 ثانية، إنها مجرد نظرة خاطفة إلى الوراء، يحدث الشيء نفسه مع ضوء الشمس باستثناء الفوتونات (جزيئات الضوء) المنبعثة من سطح الشمس، إذ تسافر ما يزيد عن 8 دقائق قبل أن تصل إلى الأرض.
في أي وقت ننظر بعيدًا عن الأرض، ننظر إلى الوراء عبر الزمن إلى الأشياء كيف كانت، هذه القوة عظيمة لعلماء الفلك؛ لأننا نستطيع استخدام الضوء لمحاولة حل لغز الكون.
ما الذي يجعل تلسكوب جيمس ويب الفضائي مذهل؟
تسمح لنا التلسكوبات الفضائية برؤية حزم معينة من الضوء غير القادرة على المرور عبر الغلاف الجوي الكثيف للأرض، صُمم تلسكوب هابل الفضائي لاستخدام كل من الأشعة فوق البنفسجية والأجزاء المرئية من الطيف الكهرومغناطيسي، لكن تلسكوب جيمس صُمم لاستخدام نطاق واسع من ضوء الأشعة تحت الحمراء، ما يجعل تلسكوب جيمس يرى في الزمن إلى الوراء أبعد من هابل.
تصدر المجرات مجموعة من الأطوال الموجية على الطيف الكهرومغناطيسي-من أشعة غاما إلى موجات الراديو وكل شيء بينهما- التي تعطينا معلومات مهمة حول الفيزياء المختلفة التي تحدث في المجرة، عندما تكون المجرات قريبة منّا؛ فإن ضوءها لم يتغير كثيرًا منذ انبعاثه، ويمكننا استكشاف نطاق واسع من هذه الأطوال الموجية لفهم ما يحدث بداخلها، وهذا يختلف عندما تكون المجرات بعيدة جدًا؛ فإن الضوء القادم من المجرات الأبعد يمتد إلى أطوال موجية أطول وأكثر احمرارًا بسبب تمدد الكون، ما يعني أن بعض الضوء الذي كان يمكن أن يكون مرئيًا لأعيننا عندما انبعث لأول مرة قد فقد الطاقة منذ ذلك الحين، هذه ظاهرة تسمى الانزياح الأحمر الكوني، وفي هذه المنطقة المختلفة تمامًا من الطيف الكهرومغناطيسي يستطيع تلسكوب جيمس رؤية تلك المجرات التي لم يستطع هابل رؤيتها بسبب النطاق الواسع لأطوال موجات الأشعة تحت الحمراء التي يمكنه اكتشافها.
عمر الضوء لا يساوي المسافة
باستخدام تلسكوب جيمس سنقدر على استكشاف مجرات بعيدة جدًا التي تشكلت بعد 100 مليون سنة فقط من الانفجار العظيم الذي حدث منذ نحو 13.8 مليار سنة، لذلك نستطيع رؤية الضوء منذ 13.7 مليار سنة، لكن تلك المجرات ليست على بعد 13.7 مليار سنة ضوئية؛ لأن المسافة الفعلية ستكون 46 مليار سنة ضوئية اليوم، هذا التناقض نتيجة للكون المتوسع.
يتوسع الكون بسبب الطاقة المظلمة التي تُعرف بالثابت الكوني فهي متساوية في جميع مناطق نسيج الزمكان، وكلما زاد توسع الكون زاد تأثير الطاقة المظلمة في تمدده. لذا رغم أن عمر الكون13.8 مليار سنة، لكن يبلغ قطره نحو 93 مليار سنة ضوئية. لا يمكننا رؤية تأثير الطاقة المظلمة في نطاق المجرة (داخل مجرة درب التبانة)، ويمكننا رؤيتها على مسافات كونية أكبر بكثير.
نحن نعيش في فترة ذهبية من ازدهار وتطور التكنولوجيا، فمنذ 100 عام لم يعرف أجدادنا بوجود مجرات أخرى غير تلك التي نعيش فيها، أما اليوم فقد اكتشفنا مليارات المجرات ونشعر بحيرة في اختيار أي منها لدراستها واستكشافها، وفي المستقبل سيأخذنا تلسكوب جيمس أيضًا في رحلة عبر المكان والزمان كل أسبوع.
اقرأ أيضًا:
نشرت طالبة دكتوراه ورقة بحثية تصف كيف يمكن أن يصبح السفر عبر الزمن ممكن
فريق تلسكوب جيمس ويب على وشك نشر أعمق رؤية للكون في تاريخ البشرية
ترجمة: تسنيم فندقلي
تدقيق: تسبيح علي
مراجعة: لبنى حمزة