لدى مراقبة ثقب أسود هائل يبعد عن الأرض مليار سنة ضوئية تقريبًا، كشفت وليمة التهمها سرعة دوران هذا الثقب الأسود حول محوره، وذلك بحسب ملاحظات فريق بقيادة ديراج باشام من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا.
طرأت تغيرات في توهج الضوء مع استيقاظ الثقب الأسود وتغذيته بقرص من المواد التي تتحرك وتهتز بشكل غير منتظم، وقد منَحَنا عدم الانتظام هذا معرفة سرعة دوران للثقب الأسود بمركزه، وهي المرة الأولى التي يتمكن فيها العلماء من حساب سرعة الدوران لثقب أسود استنادًا إلى قرصه التراكمي غير المستقر، ويعطينا هذا أداة جديدة لفهم أغرب الأجسام المعروفة في الكون وأكثفها.
كم تبلغ سرعة دورانه؟ هي أقل من سرعة الضوء بنسبة 25%، هذا الرقم بحد ذاته ليس مفيدًا بالحد الذي يثير الدهشة، لكن المدهش جدًا هو كيفية الوصول إلى هذا الرقم.
يقول باشام: «بدراسة عدة نُظم في السنوات القادمة بهذه الطريقة، سيتمكن علماء الفلك من تقدير التوزع الكتلي لدوران الثقوب السوداء، وفهم السؤال الأزلي عن كيفية تطورها بمرور الوقت».
الثقوب السوداء الهائلة هي الكائن الضخم الذي يكمن في قلب المجرات، كتلتها تفوق كتلة الشمس بملايين إلى مليارات المرات، هذه الأجسام الهائلة هي محاور الجاذبية التي تساعد على ربط المجرات ببعضها، وتؤدي دورًا مهمًا أيضًا في تطورها. ولديها أيضًا مجموعة من السلوكيات التي تتراوح بين الخمول والنشاط المفرط، والتوهج عبر نسيج الزمكان مع بعض أسطع توهجات الضوء التي أُنتجت في الكون.
لا يَنتُج هذا الضوء عن الثقوب السوداء ذاتها، ﻷن لها كثافة هائلة لدرجة أن السرعة المطلوبة للهرب من جاذبيتها أعلى من سرعة الضوء في الفراغ. ولكن الضوء يصدر من المادة التي تدور حوله قبل أن يبتلعها، الأمر أشبه بأنبوب غليظ يحيط بالقرص الذي يغذي قلب الثقب الأسود، مثل دوران الماء قبل وصوله إلى مركز ثقب التصريف.
في عام 2020، وقعت أعين العلماء على شيء مثير للاهتمام في مجرة تبعد عن الأرض مليار سنة ضوئية تقريبًا، وهو ثقب أسود خامل مستقر سابقًا أبدى فجأةً توهجًا عملاقًا من الضوء باسم (AT2020ocn).
كشفت البيانات المجموعة من التلسكوبات الراصدة لذلك الجزء من السماء أن السبب الأرجح هو حادث اضطراب النبذ والجذب، وهو الاصطلاح المعتمد للإشارة إلى الاضطرابات الثقالية العنيفة التي يحدثها الثقب الأسود في نجم عابر.
في أثناء تفكك النجم، تشكّل بنيته المتفككة قرصًا ساخنًا أبيض حول النجم، وقد ينجذب النجم إلى الثقب الأسود من أي اتجاه، وقد لا يتوافق هذا القرص مع دوران الثقب الأسود.
قد يخلق هذا تنازعات متباينة أو حركة مغزلية بينما يشد الثقب الأسود هذا القرص ليكون متمحورًا مع دورانه، ويشبه هذا نوعًا ما سقوط قرص أويلر في موقعه. وبسبب ارتباط التذبذب مع الدوران، من المفترض نظريًا أن يكون الأول وسيلة لقياس الثاني.
يقول يوشام: «لكن الأهم هو الحصول على ملاحظات صحيحة، الطريقة الوحيدة لفعل هذا هي أنه فور انفجار حدث اضطراب النبذ والجذب، ستحتاج إلى الحصول على تلسكوب لمراقبة هذا الحدث ورصده لوقت طويل جدًا حتى تتمكن من سبر جميع الجداول الزمنية، بدءًا من دقائق وصولًا إلى أشهر».
بحوزتنا أدوات لمسح السماء بحثًا عن أجسام تضيء فجأة، لهذا تمكنّا من التقاط الثقب الأسود (At2020ocn) بوقت مبكر كفاية. ثم واصل باشام وفريقه مراقبة المجرة حديثة الاشتعال ورصدها في وقت مبكر على نحوٍ كافٍ في أثناء انفجارها لالتقاط بداية القرص قبل ابتلاعه.
وجدوا أن المجرة تحترق بالأشعة السينية كل 15 يومًا تقريبًا ولفترة وجيزة، قبل الانخفاض الذي ربطوه بالحركة المغزلية للقرص. وعندما جمعوا هذا مع الكتلة المقدرة للثقب الأسود بنحو 2.5 ضعف كتلة الشمس، استطاعوا حساب سرعة دوران الثقب الأسود.
تقدم لنا هذه المعطيات ذاتها معلومات عن ثقب أسود واحد، لكن هذه التقنية هي الجزء المهم. إذ تقع أحداث اضطراب النبذ والجذب بما يكفي من الأحيان لنكون قادرين على التقاطها ورصدها، مثلًا بأجهزة مثل مرصد روبن القادم. قد نتمكن من تجميع خريطة توزيع لمختلف الدورانات التي ستمكننا من معرفة المزيد عن سلوك الثقوب السوداء وتغيرها وتشكلها مع مرور الوقت.
يقول باشام: «يخبرك دوران ثقب أسود هائل عن سلوكه التاريخي، وحتى لو كانت هذه الإشارات جزءًا صغيرًا مما يلتقطه مرصد روبن، فلدينا الآن طريقة لقياس الدورانات لمئات من حوادث اضطراب النبذ والجذب، وبعدها سنستطيع إصدار بيان كبير عن كيفية تطور الثقوب السوداء بالتزامن مع عمر الكون».
اقرأ أيضًا:
اكتشاف ثقب أسود يدور حول ثقب أسود آخر في مجرة تبعد عن الأرض 800 مليون سنة ضوئية
رسم أكبر خريطة على الإطلاق للثقوب السوداء الفائقة وتحتوي على 1.3 مليون ثقب أسود
ترجمة: سليمان عبد المنعم
تدقيق: محمد حسان عجك