إذا استخدمنا محرك التواء (اعوجاج) بحجم سفينة فضائية وأرسلناه إلى ثقب أسود، ماذا يتوقع العلماء؟ يدرس باحثان الإمكانيات لهذه المحاولة، وكانت النتيجة تجربة فكرية مثيرة للاهتمام. قد لا تؤدي هذه التجربة الفكرية إلى إنتاج محركات التواء بحجم سفينة فضاء، ولكنها قد تسمح للعلماء بإنشاء نسخ أصغر حجمًا يومًا ما.
لا توجد محركات الالتواء في الحقيقة وما يزال الباحثون في يحاولون إيجاد حل لهذه المسألة النظرية، لكنها انتشرت كثيرًا في الخيال العلمي كما في رواية (جزر الفضاء) التي أطلقت المصطلح أو مسلسل ستار تريك الذي جعله مألوفًا كثيرًا وطريقة أساسية للسفر عبر الفضاء الفائق.
افترض الباحثان (ريمو جاراتيني وكيريل زاتريمايلوف) أن مثل هذا المحرك قد يظل سليمًا داخل ما يسمى بالثقب الأسود شوارزشيلد، ولكن بشرط أن تعبر السفينة أفق الحدث بسرعة أقل من سرعة الضوء. فنظريًا، سيقلل مجال جاذبية الثقب الأسود من كمية الطاقة التي تعاكسه والمطلوبة للحفاظ على استمرار القيادة. وإذا حدث ذلك، فتستطيع السفينة أن تمر وتستخدمها بطريقة أخرى لتصل إلى مكان آخر دون أن تتأذى. وأكثر من ذلك، تشير الرياضيات التي تستند إليها هذه الفكرة إلى طريقة لإنشاء محركات التواء صغيرة في المختبرات.
ما هو محرك الالتواء؟
الفكرة هنا مستوحاة من حقيقة مفادها أنه لا يمكن لأي شيء أن يتحرك بسرعة تفوق سرعة الضوء، ونظرًا للمسافات في الفضاء، فإن السفر إلى أقرب نجم سيستغرق سنوات (إذا كان بوسعنا السفر بسرعة الضوء)، أما السفر عبر مجرة أو إلى مجرات أبعد فسوف يستغرق سنوات طويلة جدًا. وكي نقول أننا نسافر في الفضاء يجب أن نسافر بسرعة تفوق سرعة الضوء، فكيف يمكن ذلك؟
هنا يأتي دور محركات الالتواء، فمن الناحية النظرية، تسمح لك هذه المحركات بوضع مركبتك الفضائية داخل فقاعة يمكنها الانزلاق عبر الفضاء بسرعات أسرع من الضوء، وهكذا تقطع سفن الفضاء في ستار تريك (وقصص الخيال العلمي الأخرى) مسافات هائلة بسرعة كبيرة. وتستخدم سفن ستار تريك مصدرًا للطاقة في نواة الالتواء لتشغيل مولدات مجال الالتواء، وهذا لأنها تخلق فقاعة الالتواء في الفضاء الفرعي. وتستخدم السفينة ذلك للذهاب إلى أي مكان يحتاج إليه الطاقم.
هل يستسيغ علماء الفيزياء فكرة محركات الالتواء؟
إن مثل هذه المحركات الالتوائية فكرة مثيرة للاهتمام ولكن بها العديد من المحاذير، فمثلًا، يتطلب توليد مجال الالتواء كمية هائلة من الطاقة، ويشير بعض علماء الفيزياء إلى أن ذلك يتطلب كمية من الطاقة أكبر مما يمكن توليدها، وسوف يتطلب توليد هذه الطاقة كميات هائلة من مادة غريبة ما.
ويقول آخرون إن خلق مثل هذا المحرك يتعارض مع فهمنا الحالي لفيزياء الزمكان، ولكن هذا لم يمنع أحدًا من التكهن بالطرق التي قد تجعله يحدث، فقد توصل الفيزيائي المكسيكي ميغيل ألكوبيير مثلًا إلى فكرة لمثل هذا المحرك عام 1994، واقترح أن هذا المحرك من الممكن أن يخلق فقاعة تعمل على تحريك الفضاء حول جسم ما، وقد واصل أبحاثه حول سفينة تستطيع الوصول إلى مكان ما بسرعة أكبر من الضوء.
ومع ذلك، ما يزال هو وآخرون يشيرون إلى مشكلات مختلفة في كل من إنشاء محرك الالتواء والحفاظ عليه، ويشمل ذلك فكرة أن مثل هذا المحرك يعزل نفسه فعليًا عن بقية الكون. ومن بين أمور أخرى، يعني هذا أن السفينة لا تستطيع التحكم في المحرك الذي يجعلها تتحرك، لذا، ما زال أمامنا بعض الأخطاء التي يجب حلها.
حديث حول الثقوب السوداء
نعرف الثقوب السوداء من حيث كتلتها النجمية وكتلتها الهائلة، وتحتوي هذه الثقوب على أقراص تراكمية تنقل المواد إلى الثقب الأسود. فالثقب الأسود هو تركيز للكتلة ذات جاذبية قوية لدرجة أن لا شيء، حتى الضوء، يستطيع الإفلات منه.
فمثلًا، يبتلع الثقب الأسود الهائل المركزي في مجرتنا درب التبانة المواد دوريًا ثم تصدر عنه إشعاعات. وترسل مجرات أخرى أكثر نشاطًا نفثات من المواد المنبعثة، بينما يتغذى الثقب الأسود الهائل المركزي باستمرار.
وفي دراستهم عن الثقوب السوداء ومحركات الالتواء، استخدم المؤلفون ثقوب شوارزشيلد السوداء، لأن هذه الثقوب السوداء (الثابتة) البسيطة لا تحمل أي شحنة كهربائية، وتسبب انحناء الزمكان وهي غير دوارة، وهي في الأساس تقريبات جيدة للاستكشافات الرياضية لخصائص الأجسام التي تدور ببطء في الفضاء.
لذا فعندما تعبر سفينة ذات محرك التواء إلى ثقب أسود، يُعد ثقب شوارزشيلد الأسود مثاليًا ليُستخدم في هذا الاستكشاف النظري لمحرك التواء يعبر أفق الحدث.
ولتحديد السيناريو، قرر جاراتيني و زاتريمايلوف الجمع رياضيًا بين المعادلات التي تصف الثقب الأسود والمعادلات التي تصف محرك الالتواء. ومن بين أمور أخرى، وجد الباحثون أنه من الممكن تضمين محرك الالتواء في المنطقة الخارجية للثقب الأسود.
إن فقاعة الانحناء نفسها أصغر بكثير من الثقب الأسود ويجب أن تتحرك باتجاهه، وتؤثر جاذبية الثقب الأسود في ظروف الطاقة اللازمة لإنشاء محرك الالتواء والحفاظ عليه، وهذا يعني أنه من الناحية النظرية يمكنك تقليل كمية الطاقة السلبية المطلوبة للحفاظ على فقاعة الانحناء.
بالإضافة إلى ذلك، يقترح الباحثون أنه إذا كانت فقاعة الانحناء تتحرك بسرعة أقل من سرعة الضوء، فإنها تمحو أفق الثقب الأسود بطريقة فعالة. ويصف فريق البحث أيضا فكرة مفادها أن مثل هذا الحدث قد يؤدي إلى تحويل الجسيمات الافتراضية إلى جسيمات حقيقية في مجال كهربائي. وإذا كان الأمر كذلك، فقد يؤدي ذلك إلى إنشاء محركات التواء صغيرة في المختبر.
من المثير للاهتمام أن الفريق يقترح أيضًا أنه إذا كانت فقاعة الانحناء تتحرك ببطء وكانت أصغر كثيرًا من أفق الثقب الأسود، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة إنتروبيا الثقب الأسود.
لكن البراهين الختامية للبحث أوردت:
«توجد قضايا إشكالية محتملة في مواقف فيزيائية أخرى؛ وعلى وجه التحديد، عندما يمتص الثقب الأسود محرك الالتواء بالكامل، فقد يقلل من كتلته ومن ثم من إنتروبيته.
وعلى نحو مماثل، عندما تمر فقاعة انحناء أكبر عبر ثقب أسود، فإنها تنتج تأثير حجب وتقضي بحكم الأمر الواقع على الأفق، ما يجعل من المستحيل تعريف إنتروبيا الثقب الأسود بالمعنى الذي وضعه هوكينج.
وإذا كانت محركات الالتواء ممكنة في الطبيعة، فإن هذه القضايا تشير إلى أننا ما زلنا لا نفهمها من وجهة نظر الديناميكا الحرارية».
ومع إن هذا البحث قد يثبت جدارته من الناحية النظرية، وقد يؤدي إلى إنتاج ثقوب سوداء صغيرة في المختبرات، فإن كثيرًا من التساؤلات ستبقى دون إجابة. ربما في المستقبل، حين نفهم ميكانيكا الكم لهذين الجسمين، فقد نجد أن تقنية الالتواء هي الحل الأمثل، وإذا كان كذلك بالفعل، فستكون فترة مريبة وغامضة عند سفر السفن عبر الثقوب السوداء.
فمثلًا، قد تنتقل الإشارات من داخل الثقب الأسود عن طريق فقاعة التواء تندمج مع التفرد، وهذا سيسمح لنا بإرسال صور أو تسجيلات لما يحدث داخل أفق الحدث، وهو أمر لا يعرفه أحد اليوم.
توجد فرصة أيضًا بأن تتمكن تلك الثقوب السوداء المخيفة من جعل محرك الالتواء أقل صعوبة في تحقيقه لأنها لن تحتاج إلى الكثير من المواد المصدرية للطاقة السلبية الغريبة.
اقرأ أيضًا:
ما الذي سيحدث إذا دخل ثقب أسود إلى مجموعتنا الشمسية؟
علماء فلك يحسبون سرعة دوران ثقب أسود هائل
ترجمة: شهد حسن
تدقيق: جلال المصري
مراجعة: محمد حسان عجك