كان إطلاق تلسكوب جيمس ويب عام 2021 محط اهتمام المجتمع العلمي وواجه العديد من الأسئلة المثيرة للاهتمام، وعندما أُطلق وضع العلماء قائمةً كبيرة من الأهداف التي تتطلب ملاحظات تفصيلية لا يؤديها إلا تلسكوب جيمس ويب الذي يعمل بتقنية الأشعة تحت الحمراء.

كان أحد الأهداف عبارة عن مجرة قديمة ضخمة ميتة لا تتشكل فيها نجوم جديدة، ويعرف الآن فريق دولي من علماء الفلك ما حدث لهذه المجرة بعد ظهور النتائج.

إن نمو المجرات وتطورها يُعد مجالًا رئيسيًا للدراسة في علم الفلك.

يبرز واحد من الأسئلة المطروحة لفهم كيفية وصول الحياة إلى مجرة درب التبانة بعد حدوث الانفجار العظيم.
يعلم علماء الفلك أن الثقوب السوداء الهائلة (SMBHs) توجد في قلب المجرات الضخمة، وقد أسهمت في تشكلها.

تخلق الثقوب السوداء الهائلة نوى مجرية نشطة وقوية (AGN) في مراكز المجرات، فعندما تجذب هذه الثقوب المواد نحوها، تتجمع المادة في قرص تراكمي.

تُسخن المادة إلى درجات حرارة عالية جدًا وتطلق طاقة عبر الطيف الكهرومغناطيسي، ما يؤدي إلى إنشاء نوى نشطة وقوية قد تتفوق على بقية المجرة.

وفقًا للنظرية، لهذه النوى القدرة على تعطيل إمدادات الغاز البارد لتكوين النجوم، وإبطاء معدل تكوين النجوم (SFR) على نحو كبير في المجرة المضيفة.

تطلق النوى المجرية النشطة رياحًا من الغاز المكون للنجوم خارج مجراتها، ما يؤدي إلى إبطاء معدل التكوين ذاك.

يسمي علماء الفلك هذه الظاهرة الإخماد، وتُلاحظ دائمًا في المجرات الضخمة التي تسمى المجرات الهادئة.

رصد تلسكوب جيمس ويب الفضائي الآن مجرةً ضخمة قديمة تُسمى GS-10578 عند انزياح أحمر z = 3.064. تُسمى مجرة بابلو، وتُعد مجرةً ضخمة بالنسبة إلى المرحلة المبكرة من تطور الكون، فهي تحتوي على نحو ملياري كتلة شمسية.

أُخمدت مجرة بابلو، ما يعني أن معظم تكوين النجوم حدث من 12.5 إلى 11.5 مليار سنة ماضية. تُخمد العديد من المجرات المحلية الضخمة، ما ساعد على تطوير نظرية إخماد المجرات النشطة.

قدم فريق من العلماء أبحاثهم عن مجرة بابلو في ورقة بحثية جديدة بعنوان: “مجرة سريعة الدوران بعد الانفجار النجمي أُخمدت بردود فعل ثقب أسود هائل عند z = 3”.

نُشرت هذه الورقة في مجلة ناتشر أسترونومي والمؤلف الرئيسي المشارك هو فرانشيسكو ديوجينيو من معهد كافلي لعلم الكونيات ومختبر كافنديش بجامعة كامبريدج في المملكة المتحدة.

كتب المؤلفون: «تُعد المجرات المحلية الضخمة والهادئة بمثابة بقايا هائلة لتاريخ تكوين النجوم المجيدة ولكن البعيدة (SFHs)، وإخماد قوي وسريع ليس له مثيل في الوقت الحاضر.

لقد مكننا تلسكوب جيمس ويب الفضائي لأول مرة من مشاهدة هذه المجرات الضخمة في أثناء الحقبة الطويلة الماضية عندما نشأت وسقطت».

قال الدكتور المشارك في الدراسة فرانشيسكو ديوجينيو من معهد كافلي لعلم الكونيات في كامبريدج:

«علمنا استنادًا إلى الملاحظات السابقة أن هذه المجرة كانت في حالة إخماد: فهي لا تكوّن العديد من النجوم نظرًا إلى حجمها، ونتوقع أن نجد رابطًا بين الثقب الأسود ونهاية تكوين النجوم.

لم نتمكن من دراسة هذه المجرة بتفاصيل كافية لتأكيد هذا الارتباط إلا بفضل تلسكوب ويب، ولم نعرف إذا كانت حالة الإخماد هذه مؤقتة أم دائمة».

قال المؤلف المشارك البروفيسور روبرتو مايولينو، وهو أيضًا من معهد كافلي لعلم الكونيات: «في بداية الكون، كانت معظم المجرات تكوّن الكثير من النجوم، لذلك من المثير للاهتمام رؤية مثل هذه المجرة الميتة الضخمة في هذه الفترة الزمنية. إذا كان لديها ما يكفي من الوقت للوصول إلى هذا الحجم الهائل، فإن أي عملية أوقفت تكوين النجوم من المرجح أن تحدث بسرعة نسبية».

يُطلق على مجرة بابلو أحيانًا اسم الكتلة الزرقاء، وهي فئة من المجرات يُظن أنها كانت موجودة فقط في بداية الكون.

تكون الشذرات الزرقاء ضخمة ومضغوطة جدًا، ويظن علماء الفلك أنها أسلاف للمجرات الهادئة الحديثة التي تسمى “الشذرات الحمراء”.

تخضع الشذرات الزرقاء إلى ضغط غني بالغاز، ويعني هذا أنه يوجد انفجار مركزي لتكوين النجوم مدفوع بعدم استقرار القرص أو عمليات الاندماج الكبرى الغنية بالغاز، ويتبع هذا الانفجار الإخماد مُخلفًا مجرة صلبة حمراء.

كتب المؤلفون:

«إن GS-10578 هو بالفعل شذرة صلبة حمراء في مرحلة متقدمة من التبريد».

يشرح المؤلفون أنها تندمج مع العديد من المجرات الفضائية منخفضة الكتلة، وتخضع إلى تغذية راجعة قوية وطاردة من ثقبها الأسود فائق الكتلة.

يقول الباحثون أن لديهم دليلًا مباشرًا على أن ردود الفعل للنوى المجرية النشطة، قد تخمد تكوين النجوم في المجرات المبكرة.

تظهر الملاحظات السابقة المأخوذة من التلسكوبات الأخرى أن المجرات لديها رياح غازية سريعة التدفق.

يُعد هذا الغاز ساخنًا ما يجعل رؤيته أسهل، لكنه لم يقدم دليلاً على أن الثقوب السوداء فائقة الكتلة والنوى المجرية النشطة قد تخمد عملية تكوين النجوم، وسبب ذلك أن الغاز ساخن والنجوم تتكون من غاز بارد وكثيف.

تطرد مجرة بابلو كميات كبيرة من الغاز الساخن بسرعات عالية بما يكفي للهروب من المجرة تمامًا، ويعمل كل من الثقب الأسود فائق الكتلة ونواته النشطة على دفع الغاز إلى الخارج.

أحدث تلسكوب جيمس ويب الفضائي فرقًا في هذه الملاحظات الجديدة، إذ أكد وجود مكون جديد من الرياح المتدفقة يتكون من الغاز البارد.

لا ينبعث الضوء من الغاز البارد، ولكن تلسكوب جيمس ويب الفضائي حساس جدًا ويتمكن من اكتشافه بالطريقة التي يحجب بها الضوء من المجرات البعيدة في الخلفية. تكافح المجرة لتكوين النجوم وتصبح في حالة إخماد عند عدم وجود الغاز البارد.

تُعد كمية الغاز التي تطردها الرياح والناتجة عن النوى المجرية النشطة أكبر من الكمية اللازمة لتكوين نجوم جديدة.

يقول ديوجينيو: «يقتل الثقب الأسود هذه المجرة ويبقيها في حالة خاملة، وذلك عبر قطع مصدر الوقود الذي تحتاجه المجرة لتكوين نجوم جديدة».

هذه النتائج مثيرة، لكن المؤلفين يحذّرون من أن هذه ليست سوى مجرة واحدة.

يوضح المؤلفون في بحثهم: «تمثل GS-10578 فرصةً فريدة لدراسة تكوين المجرات الأضخم في الكون وكيفية بقائها هادئة. مع أننا لا نستطيع استخلاص استنتاجات عامة من هدف واحد، ولكن نوضح أن ردود الفعل للنوى المجرية النشطة قادرة على دفع تدفقات الغاز المحايد بسرعة عالية وتحميل كتلة مرتفع، وهو ما يكفي لمنع تكوين النجوم بإزالة وقود الغاز البارد».

لا تزال بعض الأسئلة معلقة، وتُظهر المجرات الأخرى المشابهة لمجرة بابلو أيضًا أن الرياح المتدفقة من الغاز البارد قد تكون عنصرًا أساسيًا لإخماد المجرات.

كتب المؤلفون: «إن كيفية ارتباط هذه التدفقات مع النوى المجرية النشطة ليست واضحة بعد».

يوضح المؤلفون أن إحصاء المجرات المماثلة قد يخبرنا إذا كانت هذه الانبعاثات القوية للغاز المكون للنجوم هي الآلية الرئيسية التي تسبب الإخماد، أو إذا كان انبعاث الغاز مجرد حدث عرضي.

أجاب تلسكوب جيمس ويب الفضائي أيضًا عن سؤال آخر يتعلق بالمجرات المخمدة، وقد أظهرت النماذج النظرية أنه عندما يُخمد تكوين النجوم في المجرة يكون ذلك حدثًا مضطربًا يدمر المجرة بعنف، ولكن مجرة بابلو غير مضطربة وتتحرك نجومها بطريقة منتظمة وقابلة للتنبؤ.

قال مايولينو: «كنا نعلم أن الثقوب السوداء لها تأثير هائل في المجرات وكان من الشائع أنها توقف تكوين النجوم، لكن تلسكوب جيمس ويب ساعدنا على التأكد من ذلك، فهو يُمثل قفزةً نوعية في دراسة الكون في بداية نشأته وكيفية تطوره».

اقرأ أيضًا:

هل سيغير تلسكوب جيمس ويب الفضائي علم الكون؟

تلسكوب جيمس ويب الفضائي يكتشف كوكبًا خارجيًا أكبر من المشترى بست مرات

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: ميرڤت الضاهر

مراجعة: باسل حميدي

المصدر