يعمل العلماء على تطوير الأسلحة النووية منذ أكثر من 80 عامًا، ومع أن الجوانب الأساسية لتكنولوجيا الأسلحة النووية لم تعد سرية، فإن إنتاج هذه الأسلحة ما يزال يمثل تحديًا علميًا وهندسيًا معقدًا، ولكن لماذا؟
نجح أول اختبار في نيو مكسيكو عام 1945 (مشروع ترينتي السري التابع لمشروع منهاتن)، تلاه قصف هوريشيما وناغازاكي في اليابان في أواخر الحرب العالمية الثانية. تسارعت بعد ذلك عملية تطوير الأسلحة النووية بسرعة، إذ بدأت كثير من الدول حول العالم ببناء ترساناتها الخاصة من الأسلحة النووية، وتمتلك الولايات المتحدة اليوم أكثر من 5,000 رأس نووي.
يعد الحصول على العناصر الكيميائية ومعالجتها لإنشاء الانفجار أحد الأسباب الرئيسية لصعوبة إنتاج الأسلحة النووية، وقد وضح هانز كريستنسن ذلك في رسائله لموقع Live Science بوصفه مدير مشروع المعلومات النووية في اتحاد العلماء الأمريكيين.
تتضمن الفكرة الأساسية للانفجار النووي تحفيز المواد الانشطارية لإطلاق طاقتها الهائلة. ذكر هانز كريستنسن أن إنتاج مادة انشطارية بالنقاء والكمية الكافية يُعد تحديًا كبيرًا، ويتطلب هذا الإنتاج قدرة صناعية كبيرة وموارد هائلة.
يُعرّف تفاعل الانشطار النووي بأنه الإطلاق الهائل للطاقة في الانفجار النووي، وخلال هذه العملية، تنقسم الذرات وتطلق طاقة، ما يؤدي إلى بدء تفاعل تسلسلي، ويُستخدم هذا النوع من التفاعل أيضًا لإنتاج الطاقة النووية في محطات الطاقة.
تخصيب اليورانيوم و البلوتونيوم
إنّ المواد الانشطارية الأساسية المستخدمة في القنبلة النووية هي نظائر اليورانيوم والبلوتونيوم، وهي عناصر مشعة. ذكر ماثيو زيرفي أستاذ الهندسة النووية في جامعة ولاية بنسلفانيا، أن اليورانيوم-238 هو الشكل الأكثر شيوعًا لليورانيوم في الطبيعة، لكن نظيره اليورانيوم-235 أكثر ملاءمة للتفاعلات النووية، فيتضمن العمل تعدين U-238 ثم تخصيبه لزيادة نسبة U-235.
من طرق تخصيب اليورانيوم تحويله إلى غاز وتدويره بسرعة كبيرة في أجهزة الطرد المركزي. ذكر ماثيو زيرفي أن الفرق في الكتلة بين النظيرين يسمح بفصل النظائر في أثناء الدوران، ما يسمح باستخراج اليورانيوم-235 الذي يُستخدم في التفاعلات النووية.
يجب تحويل 90% من عينة اليورانيوم-238 إلى اليورانيوم-235 ليمكن استخدامه في الأسلحة النووية، وذكر ماثيو زيرفي أن الجزء الأكثر تحديًا في هذه العملية هو التحول الكيميائي للعنصر نفسه، وهو ما قد يستغرق أسابيع أو حتى أشهر، وتتطلب هذه العملية الكثير من الطاقة والمعدات المتخصصة. من المخاطر الكيميائية الرئيسية خلال هذه العملية هو احتمال إطلاق سداسي فلوريد اليورانيوم (UF6)، وهي مادة شديدة السمية قد تسبب أضرارًا كبيرة للأعضاء مثل الكلى والكبد والرئتين والدماغ والجلد والعينين عند استنشاقها.
إن تخصيب البلوتونيوم إلى نفس درجة تخصيب اليورانيوم أكثر تعقيدًا لأنه لا يحدث طبيعيًا مثل اليورانيوم. إذ يعد البلوتونيوم ناتجًا جانبيًا للمفاعلات النووية، ولاستخدامه يجب على العلماء التعامل مع الوقود النووي المستهلك المشع ومعالجة المادة بترسيب كيميائي شديد. أشار زيرفي أيضًا إلى أن معالجة هذه المادة قد تُعد خطرًا على السلامة إذا جُمعت كمية حرجة من المادة عن غير قصد، وهي الحد الأدنى من المواد الانشطارية اللازمة للحفاظ على تفاعل انشطار ذاتي مستمر.
يجب على العلماء أن يكونوا حذرين جدًا في أثناء عملية صنع مكونات الأسلحة النووية لضمان عدم تجمع المواد الانشطارية عن غير قصد بطريقة قد تؤدي إلى حدوث حالات حرجة، تتمثل الحالة الحرجة بتجمع ما يكفي من المواد الانشطارية للحفاظ على تفاعل تسلسلي، ما قد يؤدي إلى انفجار غير مقصود.
مع أن المبادئ العلمية وراء جمع هذه المكونات لإحداث تفاعل نووي مفهومة جيدًا، فإن إنشاء هذا التفاعل والتحكم به في جزء من الثانية ما يزال يمثل مهمة صعبة، وتكمن الصعوبة في توقيت العملية الانفجارية وإدارتها بدقة لضمان حدوثها مثلما هو مقصود.
تُصمم الأسلحة النووية بطريقة تجعل تفجيرها ينشئ كتلة فوق حرجة من المادة الانشطارية بسرعة كبيرة في مساحة صغيرة جدًا. تعني الكتلة فوق الحرجة وجود كمية كافية من المادة الانشطارية مضغوطة في مساحة صغيرة لتسبب تفاعل تسلسلي انفجاري، ولهذا السبب تحدث زيادة أسية في عدد التفاعلات الانشطارية (انقسام الذرات) التي تنتشر عبر المادة على الفور تقريبًا، ما يؤدي إلى إطلاق هائل للطاقة.
يُعد الانتشار السريع للانشطار الذري عاملًا رئيسيًا يجعل التفاعل النووي قويًا ومدمرًا جدًا، إذ يؤدي تسارع عملية الانشطار في المادة إلى إطلاق كمية هائلة من الطاقة في فترة زمنية قصيرة جدًا، ما يسبب أضرارًا كبيرة.
طُورت الأسلحة النووية الحرارية بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تستخدم مزيجًا من كل من الانشطار النووي والاندماج النووي لإنتاج انفجار أقوى. يكون تحفيز تفاعل الانشطار هو البداية، وبدوره يثير تفاعل اندماج ثانوي وأقوى. الاندماج هو العملية التي تحدث في الشمس، وفيه تتحد النوى الذرية لإطلاق كميات هائلة من الطاقة، وتعد عملية الاندماج في الأسلحة النووية الحرارية مشابهة لهذه العملية، ويجري تحفيزها صناعيًا لحدوث انفجار.
تجربة الأسلحة النووية
من الضروري أن يتأكد العلماء والمهندسون أن الأسلحة النووية ستعمل مثلما هو مطلوب عند استخدامها. في الأيام الأولى لتطوير الأسلحة النووية، كان العلماء يختبرون الأسلحة في مواقع اختبار، ما تسبب في دمار بيئي كبير للمناطق المستهدفة والأشخاص والحيوانات القريبة.
أما اليوم فاختبار الأسلحة النووية الحديثة تحول إلى استخدام النماذج الحاسوبية بدلًا من الاختبارات الفعلية، وهذا جزء من المسؤوليات التي تُعنى بها الإدارة الوطنية للأمن النووي (NNSA)، وهي مسؤولة عن تطوير أدوات لاختبار الأسلحة النووية وتوثيقها، ما يضمن أنها ستظل تعمل بصورة صحيحة وتظل فعّالة في ظروف مختلفة.
يقول متحدث باسم NNSA إن هذه العملية تشمل محاكاة متقدمة باستخدام الحواسيب الفائقة وعلم المواد والهندسة الدقيقة، للتحقق من أن الأسلحة ستعمل مثلما هو مقصود في مختلف السيناريوهات.
إنّ تعقيد التحديات المرتبطة بصناعة هذه الأسلحة قد يكون السبب في قلة عدد القوى النووية العظمى في العالم اليوم، فالتحديات المتعلقة بالحصول على المواد اللازمة والتقنيات والخبرات تحد من عدد الدول القادرة على تطوير هذه الأسلحة وصيانتها.
اقرأ أيضًا:
هل يمكن للزمن أن يكون سلبيًا؟ فيزياء الكم قد تحمل الإجابة
ما هي معضلة الأجسام الثلاثة في الفيزياء؟ وهل بقيت فعلًا دون حل؟
ترجمة: آية شميّس
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: ميرڤت الضاهر