من النادر اليوم أن تجد شخصًا لم يسمع بالتداول والعملات المشفرة. ببحث بسيط على الانترنت، ستجد كل ما تود معرفته عن تلك العملات، وخاصةً بيتكوين، التي ما زالت تسجل أرقامًا قياسية في ارتفاع سعرها، إذ وصلت بيتكوين للتو إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بأكثر من 72000 دولار أمريكي، متجاوزةً مستوى 69000 دولار أمريكي، إذ عادت مرة أخرى خلال مرحلة الصعود الأخيرة في أواخر عام 2021.
وصلت العملات المشفرة الأخرى مثل إيثيريوم وسولانا إلى أعلى أسعارها منذ ثلاثة أعوام، على خلفية الارتفاع المستمر منذ الخريف. ارتفعت قيمة سوق العملات المشفرة بالكامل إلى 2.6 تريليون دولار أمريكي، أي ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في بداية عام 2023، وليس بعيدًا عن ذروتها السابقة البالغة 3 تريليون دولار أمريكي.
حدث قسم كبير من هذا الارتفاع حين كان الدولار الأمريكي يرتفع في مقابل العملات الأخرى رغم انخفاضه في الأسبوعين الماضيين. غالبًا في هذا الوقت تصبح العملات المشفرة أضعف، ما يوضح مدى قوتها مؤخرًا.
فقدت العديد من العملات الورقية الأخرى حول العالم قيمتها مقابل الدولار الأمريكي خلال هذه الفترة، لذلك وصلت عملة بيتكوين إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في العديد من الدول الأخرى، قبل وقت طويل من وصولها أخيرًا إلى أعلى مستوياتها مقابل الدولار.
يطرح ما سبق تساؤلًا: ما الذي ساهم في هذا الجموح في الأسعار؟ وإلى أين يتجه السوق بقية عام 2024؟
صناديق الاستثمار المتداولة لعملة بيتكوين:
كان الدافع الرئيسي لهذا الارتفاع في الأسعار هو موافقة السلطات الأمريكية في شهر يناير على أداة استثمارية تُعرف باسم صندوق الاستثمار المتداول لسوق بيتكوين العام أو الفوري. تُعد صناديق الاستثمار المتداولة طريقة سهلة للمدخر العادي للتعرض للأصل، إذ يشترون أسهمًا في الآلية، عادةً من خلال مستشارهم المالي، بدلًا من الاضطرار إلى تحمل شراء الأصل الأساسي.
تمت الموافقة على إجمالي 11 صندوقًا متداولًا لعملة بيتكوين في الولايات المتحدة، وتجاوز حجم تداولها اليومي حتى الآن 10 مليارات دولار أمريكي، مدفوعًا بالشركتين الرائدتين «بلاكروك» و«فيديلتي إنفستمنت»، ما يدل على الاهتمام الكبير من جانب المشاركين التقليديين في السوق، ومع ازدياد نضج صناديق الاستثمار المتداولة الفورية، سيقدم مقدمو هذه الصناديق المزيد من المواد الترويجية والتعليم لجذب المزيد من العملاء.
يتكيف سوق العملات المشفرة باستمرار، ومن الابتكارات المستقبلية المحتملة عرض عقود الخيارات على صناديق الاستثمار المتداولة الفورية الجديدة. تتيح الخيارات للمتداولين التحوط على رهاناتهم بشأن هل سوق العملات المشفرة سيرتفع أم سينخفض؟ ومن المرجح أن يجذب المزيد من الأموال الجديدة إلى السوق.
مع ذلك، أجلت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية اتخاذ قرار بشأن هذا الابتكار حتى أواخر أبريل. يعتقد بعض الخبراء أن الموافقة قد تستغرق وقتًا أطول؛ لأنه من غير الواضح أي هيئة تنظيمية ستكون مسئولة عن مراقبة هذه الفئة الجديدة من العقود المشتقة.
بيتكوين وسياسة النصف:
إحدى ميزات نظام بيتكوين الأصلي أنه، كل أربعة أعوام تقريبًا، تنخفض المكافآت التي تحصل عليها الشركات التي تستخدم مصفوفات من أجهزة الكمبيوتر لإنشاء أو «تعدين» عملة بيتكوين إلى النصف.
حدث التنصيف الأخير في مايو 2020، إذ انتقل القائمون بالتعدين من تلقي 12.5 بيتكوين لكل وحدة إلى 6.25 بيتكوين. الحدث التالي من المخطط أن يكون في 19 أبريل، إذ ستُخفض المكافأة إلى 3.125 بيتكوين.
نظرًا إلى أن كل تنصيف يعني وصول عدد أقل من عملات بيتكوين الجديدة إلى السوق، فقد تزامن ذلك مع ارتفاع شديد في أسعار العملة المشفرة. لكن من غير الواضح هل التسعير قد تم بالفعل؟ وعلى هذا فقد لا يكون هو السبب الحقيقي لارتفاع السعر.
إحدى النظريات أن المؤسسات التي تقف وراء صناديق الاستثمار المتداولة الفورية تشتري بقوة الآن؛ لأنها تعلم أنه سيوجد عدد أقل من عملة بيتكوين في السوق المفتوحة فور حدوث التنصيف.
آفاق إيثريوم:
في الوقت عينه، يمكن أيضًا تعزيز سوق العملات المشفرة بواسطة صناديق الاستثمار المتداولة الفورية لنظام العملات المشفرة إيثريوم في الأشهر المقبلة. تقدمت ما لا يقل عن عشر شركات، متضمنةً بلاكروك وفيديليتي، بطلبات لإطلاقها، وأمام هيئة الأوراق المالية والبورصة حتى مايو لاتخاذ قرار.
في حين أن دفتر الموازنة عبر الإنترنت الذي يدعم عملة بيتكوين، المعروف باسم «بلوكتشين»، يُعد إلى حد بعيد مخزنًا للقيمة، فقد أصبح الإيثيريوم بمثابة بلوكتشين الرائد للمطورين، لكتابة التطبيقات باستخدام هذه التكنولوجيا.
يعتقد رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات، غاري جينسلر، أنه يجب التعامل مع معظم العملات المشفرة بشكل مختلف عن عملة بيتكوين، بوصفها أوراقًا مالية وليست سلعة. يزيد هذا من تعقيد عملية الموافقة على صناديق الاستثمار المتداولة لبيتكوين. إذا قررت السلطات الأمريكية أن الأمر كذلك، فهذا يعني أن صناديق الاستثمار المتداولة لن تتمكن من شراء الإيثيريوم من بورصات العملات المشفرة حتى تحصل تلك البورصات على الموافقة على تداولها بوصفها أوراقًا مالية.
في حين تستمر حالة عدم اليقين، يمكن تعزيز الإيثيريوم عبر ما يُسمى ترقية «دنكان». إذ يواجه إيثريوم منافسة من سلاسل الكتل الأخرى مثل «سولانا» و«أفالانش»، بسبب سرعة المعاملات البطيئة نسبيًا والتكاليف المرتفعة.
لقد أكملت بالفعل خطوتها الرئيسية الأولى في خطة طويلة المدى لتقليل التكاليف والتعامل مع العديد من المستخدمين -المعروفة باسم قابلية التوسع- عندما انتقلت عام 2023 إلى نظام مختلف للتحقق من المعاملات المعروف باسم إثبات الحصة. ستعمل ترقية دنكان على تحسين قابلية التوسع بجعل تخزين البيانات أكفأ على الشبكة، مع خفض رسوم المعاملات أيضًا.
ماذا ينتظرنا؟
إن التنبؤ بأسعار العملات المشفرة ليس أمرًا مناسبًا لضعاف القلوب. السوق متقلب للغاية، وغالبًا ما يتجاوز التوقعات عندما يرتفع أو ينخفض، ويحدد سلوك الأفراد أسعار السوق.
مع ذلك، يتوقع غالبية المعلقين أن تواصل أسعار العملات المشفرة الارتفاع خلال الأشهر المقبلة. تميل سنوات الانتخابات إلى أن تكون جيدة للاستثمارات عمومًا، في حين أن عهدًا ثانيًا لترامب قد يخلق بيئة تنظيمية أكثر ملاءمة للأصول المشفرة، كما هو الحال مع فوز ريشي سوناك في المملكة المتحدة، على الرغم من أن هذا يبدو غير مرجح في الوقت الحاضر.
مع تحول عملة بيتكوين إلى التيار السائد على نحو متزايد وتكاملها مع الأصول التقليدية، فليس من المستبعد أن تصل قيمتها إلى 100 ألف دولار أمريكي في عام 2024، وهو إنجاز استثنائي بالنسبة إلى اختراع لم يكن له أي قيمة حتى عام 2009.
اقرأ أيضًا:
دعوات لتطبيق ضريبة الثروة في أوروبا فهل ستنجح؟
الاقتصاد الروسي الآن مرتبط تمامًا بالحرب على أوكرانيا
ترجمة: دياب حوري
تدقيق: أكرم محيي الدين
مراجعة: هادية أحمد زكي