للبحث عن حياة فضائية، يبني العلماء لاقطات أكبر وأكثر حساسية على أمل التقاط إرسال لاسلكي من عالم بعيد. من الغريب أن عنكبوت الجسر أو العنكبوت الرمادي المتقاطع يستخدم خدعةً مماثلة! وفقًا لبحث جديد، يمكن العنكبوت أن يتناغم مع محيطه ويسمع عبر مسافات كبيرة، بتحويل شبكته المستديرة إلى لاقط صوتي عملاق.
يستخدم عنكبوت الجسر شبكته أذنًا خارجية هندسية، بحجم يصل إلى 10,000 ضعف حجم جسمه. مازالت الدراسة بحاجة إلى المراجعة، لكنها تتحدى الكثير من الفرضيات القديمة عن كيفية تنقل العناكب ومفصليات الأرجل الأخرى، وطرق تفاعلها مع العالم المحيط.
كتبت عالمة الأحياء بجامعة ولاية بنسلفانيا جيسيكا بيتكو: «من منظور التطور، فإن العناكب حيوانات غريبة جدًا. كان معروفًا منذ فترة طويلة أن العناكب تستشعر الاهتزازات الصوتية بواسطة شعيرات حسية على أرجلها، لكن هذا البحث هو أول دليل على استخدام شبكاتها لتضخيم الأصوات».
يمكن العناكب السمع من مسافات قريبة، بفضل الشعيرات الدقيقة على أرجلها، التي تستشعر اهتزازات الهواء حولها. وفقًا لعالم الأحياء العصبية في جامعة كورنيل رونالد هوي، فإن غالبية علماء البيولوجيا افترضوا أنها لا يمكنها سماع الأصوات إلا في محيطها المباشر.
أظهر مؤلف الدراسة الرئيس، المهندس بجامعة بينغهامتون رونالد مايلز، أن خيط العنكبوت حساس لمجال واسع من الموجات الصوتية.
استخدم مقياس الاهتزاز بالليزر لقياس درجة استجابة الشبكة الحريرية للموسيقى في غرفة ماصة للصدى، وهي غرفة مصممة لتقليل انعكاسات الموجات الصوتية. أظهرت القياسات أن الشبكة تحركت في انسجام تام تقريبًا مع الصوت، أي إن الصوت حُفظ ضمن الشبكة، وهذا ما يحدث للشعر على أرجل العناكب أيضًا. ما دفع مايلز وزملاؤه إلى محاولة معرفة: هل الاهتزازات في الشبكة تنتقل إلى العنكبوت ذاته؟
أولًا، كان على الباحثين التحقق من أن العناكب تسمع بالفعل بواسطة شبكتها وليس مباشرةً بواسطة الشعيرات الحسية. لتحقيق بذلك، أحضر العلماء عناكب إلى المختبر وتركوها تبني شبكتها. فور اكتمال البناء، وجه العلماء صوتًا مصممًا بعناية نحو الشبكة تحديدًا، بحيث لا يصل مباشرةً إلى العنكبوت في المركز.
قال مايلز: «صممنا مولدًا ينشر الصوت في الهواء عبر مسافة قصيرة جدًا، كي نثبت أنها لا تملك أذنًا صغيرة مخفية لم تُكتشف سابقًا. كان هذا من أصعب أجزاء البحث».
فور سماعها الإشارة الصوتية، استجابت العناكب بالانحناء أو حركات أخرى. ولأن الشبكة أكبر بكثير من العنكبوت، تقترح الدراسة أن هذه الآلية تسمح للعناكب بسماع الأصوات التي قد تفوتها، مثل صوت الطيور أو الصراصير من مسافة تزيد على عشرة أمتار.
أكدت عالمة علم العنكبوت، ليزا تشامبرلاند بجامعة كاليفورنيا، أهمية الاكتشاف. لأنه تغير مهم في رؤيتنا عن طرق السمع عند العنكبوت.
ترى ليزا أن هذا الاكتشاف سيفتح الأبواب أمام بعض الأبحاث المثيرة، إذ تأمل أن يبدأ العلماء بدراسة تطور الأنظمة الصوتية عند العناكب.
تبقى الكثير من الأسئلة المتعلقة بسبب تطور هذه الأنظمة الصوتية عند العناكب ، والغرض الفعلي منها.
قال جورج أوتز، أستاذ العلوم البيولوجية بجامعة سينسيناتي: «أنا متيقن أن المؤلفين قد استمتعوا بإجراء هذا البحث، وهو ليس بالبحث البسيط. إذ إن له تأثير كبير في المستقبل على علم العناكب وغيرها. مثلًا، طالما ظن الناس أن العناكب تستخدم الاهتزازات المنتقلة عبر الهواء لتحديد موقع الفريسة في الشبكة، وهذه الفرضية تتطلب إعادة النظر». وأضاف أننا بحاجة إلى بحث كيفية تأثير الاختلافات الهندسية للشبكات بين الأنواع على عمليات الاستشعار، والتقاط الفريسة والتواصل، لكي نعمق فهمنا لتطورها أكثر. إضافةً إلى أننا لا نعرف كيف تضبط العناكب الشبكات لتستشعر موجات صوتية معينة.
تختلف الطريقة التي تستجيب بها خيوط الحرير للموجات الصوتية عن طريقة عمل طبلة الأذن. يمتلك البشر ومعظم الفقاريات طبلة أذن تحول ضغط الموجة الصوتية إلى إشارات كهربية، تُفك شفرتها بعد ذلك في الدماغ. لكن الحشرات ومفصليات الأرجل –ومنها العناكب- لا تمتلك طبلة أذن، لذلك قد تكون الشبكة بديلًا منها.
يعتقد الباحثون أن العناكب تستخدم هذا النظام للمساعدة على تفادي المفترسات وتعقب الفرائس. استجابت العناكب في التجربة للصوت بقلق واضح وارتباك. يأمل مؤلفو الدراسة أن يواصل الباحثون ما بدؤوه، بدراسة: هل الصوت الصادر من طائر جائع أو حشرة مفضلة مثلًا يثير سلوكيات مختلفة؟ وسؤال آخر: هل تستخدم الأنواع الأخرى من العناكب التقنية ذاتها؟ يتساءل الدكتور أوتز: هل عناكب الذئب مثلًا، وهي لا تملك شبكات، تستخدم أشياء أخرى مثل الأوراق أذنًا خارجية لمساعدتها على اكتشاف الطيور المفترسة؟
كتب بيتكو: «من المثير للاهتمام معرفة: هل العناكب البناءة الأخرى -ذات الشبكة غير المنتظمة- تستخدم الشبكات لغرض مماثل؟ أم أن هذه الأعجوبة التطورية مقتصرة على العناكب ذات الشبكة الدائرية؟».
يفترض هوي وميلز أن سلوك الأذن الخارجية لا يقتصر على نوع معين من العناكب. إذ يتوقعان أننا نستكشف سطح عالم شعوري كامل لدى العناكب والحشرات، قد يغير فهمنا للصوتيات الحيوية.
قال ميلز: «العنكبوت دليل طبيعي على أن استشعار الصوت عبر الألياف الرقيقة ممكن وقابل للتطبيق. علينا أن نبحث أكثر في هذه الطرق وسبل تطبيقها في واقعنا».
اقرأ أيضًا:
لماذا لا تلتصق العناكب وتعلق في شباكها؟
مادة خارقة العزل للصوت مستوحاة من شبكات العنكبوت
ترجمة: محمد سامي القطوفي
تدقيق: جنى الغضبان
مراجعة: أكرم محيي الدين