كُشف مؤخرًا عن بنية جديدة كليًا للضوء، تحت مسمى (الدوامة الكيريلية). وفق وصف فريق العلماء العالمي القائم على هذا الكشف، فإنه قد يلعب دورًا حاسمًا في تطوير أدوية جديدة، فضلاً عن دوره في تشخيص الأمراض بدقة كبيرة.

كما يوحي الاسم (الدوامة الكيريلية)، فإن شعاع الضوء الجديد يأخذ شكل دوامة ضوئية قياسية، حيث يدور الضوء حلزونيًا في أثناء انتقاله، وهذا ما تُعبر عنه كلمة (دوامة).

أما (كيريلية) فهي تعبر عن خاصية يمكن أن تمتلكها الجزيئات والأيونات وتكون فيها في تكوين إما صورة مرآة يسارية أو يمينية (تمامًا مثل الأيدي البشرية).

وبجعل الضوء يمتلك هذه الخاصية الكيريلية في كل نقطة فهذا يُمكّن العلماء من قياس (كيريلية) الجزيئات الأخرى بحساسية عالية جدًا، فتغيّر تكوين الجزيئات (يمنى أو يسرى) يمكن أن يغيّر بشكل كبير من سلوكها والطريقة التي تتفاعل بها، مما قد يعني الفارق بين كون هذه الجزيئات ضارةً أو مفيدةً للجسم.

وتُوضح ذلك الفيزيائية أولغا سميرنوفا، من معهد ماكس بورن في ألمانيا: «تظهر الأبحاث المتطورة أن التركيز النسبي للجزيئات اليسرى مقابل اليمنى ربما يكون بمثابة علامة حيوية لسرطان ما أو أمراض الكلى والدماغ».

لا ينحصر دور الخاصية الكيريلية في تشخيص الأمراض وحسب، بل لها دور كبير في تطوير الأدوية أيضًا، فالأدوية التي يكون لها ترتيب ذرات مختلف قد تتسبب في تأثيرات غير مقصودة وغير مدروسة، التي بدورها قد تؤدي إلى تحريف البحث العلمي وتقودنا للوصول لعواقب صحية مدمرة.

لا داعي للقلق، فالتكنولوجيا الجديدة تسعى لتجنب هذه الأخطاء. فعندما تتفاعل الدوامة الكيرالية مع الجزيئات الكيرالية، تطلق هذه الجزيئات فوتونات. وعن طريق قياس نمط هذه الفوتونات، يمكن العلماء الحصول على قراءة دقيقة لعدد الجزيئات اليسرى واليمنى الموجودة.

مع وجود طرق أخرى لقياس كيريلية الجزيئات، يأمل الباحثون أن تكون الدوامة الكيريلية أكثر موثوقيّة ودقّة وأقل تكلفة مما لدينا بالفعل، مع مراعاة أنها تتطلب أحجام عينات أصغر للحصول على نتائج أفضل. ومع ذلك، لا تزال هذه الطريقة بحاجة إلى مزيد من التطوير والتوسّع.

يقول الفيزيائي نيكولا ماير، من معهد ماكس بورن: «لقد واجهت المقاييس التقليدية للكيرالية صعوبة في تحديد التركيز الدقيق للجزيئات اليمنى واليسرى في العينات التي تحتوي على كميات متساوية تقريبًا من كليهما».

وتابع قائلًا: «بفضل طريقتنا الجديدة، أصبح من الممكن اكتشاف الزيادة الطفيفة في تركيز أيّ من الجسيمين التوأمين على حساب الآخر، وهو ما قد يكون كافياً لإحداث فرق كبير في الحياة».

لسنا متأكدين من كيفية ظهور الخاصية الكيريلية لأول مرة، ولكنها ربما نشأت في الفضاء السحيق، قبل أن تلعب دورًا عميقًا في جوانب الحياة المختلفة على الأرض. وبذلك فإن امتلاك أجهزة يمكنها اكتشاف الجزيئات الكيريلية ورصدها بصورة أفضل، سيكون وبدون أدنى شك خطوة كبيرة إلى الأمام.

لا يمكن أن نغفل أيضًا دور هذه التقنية في المجالات الأخرى بتنوعها، فيمكن أن تكون مفيدة في فهم التفاعلات الأساسية بين الضوء والمادة، وصولًا إلى التحكم في التفاعلات الكيميائية باستخدام الضوء

ويختتم الفيزيائي نيكولا ماير قوله: «يمكن هذه الإشارات أيضًا أن توفر لنا لمحة عامّة عن كيفية تحرك الإلكترونات داخل الجزيئات بسرعتها الطبيعية، هذا الفهم قد يمهد الطريق لتشكيل سلوك الإلكترونات ونصل في نهاية المطاف إلى التأثير على التفاعلات الكيميائية باستخدام الضوء».

اقرأ أيضًا:

ما كتلة جزيء الضوء؟ دراسة جديدة تقربنا من معرفة ذلك

ما هو الضوء ؟

ترجمة: هشام جبور

تدقيق: بسام موسى

مراجعة: باسل حميدي

المصدر