تدرس سنغافورة مقترحات لتغيير سوق الأسهم المتعثر مع اتساع الفجوة بين أداء المركز المالي والبورصات الإقليمية الأخرى، وفقًا لثلاثة أشخاص مطلعين على وثيقة المناقشات لتراجع بورصة سنغافورة (SGX) من الجمعية الوطنية لرأس المال الاستثماري والخاص (SVCA).

تضم هذه الجمعية الصناديق الحكومية GIC وTemasek، وشركات المشاريع المحلية والعالمية، ومجموعات الاستحواذ مثل General Atlantic وWarburg Pincus وKKR. وقيل أن المناقشات مستمرة منذ بداية 2024، وينظر في مقترحات SVCA كل من مجلس التنمية الاقتصادية الحكومي والسلطة النقدية لسنغافورة ووزارة التجارة والصناعة.

لم تُكلَّف الحكومة بإعداد هذه الوثيقة لكنها ظهرت في أثناء مناقشة تغييرات السياسة مع بورصة سنغافورة لتعزيز سوق الأسهم، إذ تستجيب المؤسستان للموجة التالية من شركات جنوب شرق آسيا، فشركة كارو لسوق السيارات في سنغافورة مثلًا تختار إدراج الولايات المتحدة بدلًا من سنغافورة.

قال مسؤول تنفيذي شارك في المناقشات: «شهدنا تحولًا في تفكير الحكومة بأن هذه ليست مسألة بورصة سنغافورة فحسب، بل هي مهمة لجدول الأعمال الوطني لسنغافورة. فهل من الممكن أن تكون مركزًا ماليًا دوليًا جيدًا ومناسبًا مع سوق أوراق مالية ضعيفة؟ ربما لا».

وقال أحد المشاركين في إنشاء الوثيقة دون كشف اسمه: «لم نرَ نهجًا حكوميًا وصناعيًا بالكامل مثل هذا منذ أن قررت سنغافورة لأول مرة أنها تريد تعزيز صناعة التكنولوجيا ورأس المال الاستثماري في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. إنها المرة الأولى التي يبدو أنهم أكثر استعدادًا للنظر في المزيد من التحركات الجريئة والخارجة عن المألوف، كاستثمار أموال المعاشات التقاعدية الذي يُعد طبيعيًا في مكان آخر ولكنه جديد بالنسبة لسنغافورة».

قيل أيضًا إن رئيس بورصة سنغافورة كون بون هوي -الذي استلم منصبه في 2023- شارك بفعالية، وأبدى استعدادًا واضحًا لسماع وجهات نظر جديدة. وقد ترأس رجل أعمال مخضرم اسمه كوه مجموعة الاتصالات Singtel، وأكبر بنك في المدينة DBS والخطوط الجوية السنغافورية.

قالت سلطة النقد في سنغافورة إنها تلقت المقترحات وتراجعها، بينما رفضت بورصة سنغافورة و EDB و MTI التعليق.

صعدت سنغافورة بوصفها مركزًا ماليًا في السنوات الأخيرة، وتعزز ذلك بفضل حملة قمع مارسها الرئيس الصيني شي جين بينغ على مركز الأعمال المنافس في هونغ كونغ، وتدفقت كميات قياسية من الثروة الخاصة ورأس المال إذ شكلت سنغافورة ملاذًا لاستقرارها بفضل البيئة الملائمة للأعمال وسوق الضرائب المنخفضة. لكن نجاح الحكومة في الأسواق الخاصة لم يتدفق أبدًا إلى بورصتها، حتى مع إنشاء مقرات رئيسية للمزيد من شركات الاقتصاد والتكنولوجيا الجديدة في سنغافورة.

واجهت بورصة سنغافورة أحجامًا منخفضة وأسئلة حول ممارسات الإفصاح عن الشركات، وغالبًا ما فاق عدد عمليات الشطب عدد عمليات التسجيل. وتمتاز هذه البورصة بوجود عدد كبير من الشركات التي يمتلك فيها المستثمر الحكومي Temasek حصة كبيرة، إضافةً إلى الشركات كثيرة الاعتماد على الأصول، مثل صناديق الاستثمار العقاري التي ضعفت في السنوات الأخيرة وسط ارتفاع أسعار الفائدة.

وفقًا لأبحاث برايس ووترهاوس كوبرز، كانت هذه البورصة من الأهدأ على مستوى العالم في 2023 بالنظر إلى الصفقات (7 مليون دولار) والتمويل المجموع (300 مليون دولار)، وأصبح أداؤها الضعيف أوضح مع استعداد البورصات الإقليمية لإحياء الطرح العام الأولي عند تحسن ظروف الاقتصاد الكلي العالمي.

كانت البورصة الإندونيسية من بين أكبر خمس بورصات على مستوى العالم من حيث العدد الإجمالي للاكتتابات العامة في 2023، وسجلت الهند أعلى عدد من الاكتتابات الأولية منذ 2017 بزيادة قدرها 56% عن 2022، بينما يحول مستثمرو القطاع الخاص المزيد من رأس المال إليها بدل الصين.

وفي أبريل 2024 حطمت الأسهم اليابانية رقمًا قياسيًا مقارنةً بفقاعة أواخر الثمانينيات. بينما عينت بورصة هونج كونج قيادة جديدة لأنها تعاني للحفاظ على مكانتها مركزًا ماليًا رئيسيًا.

قال أحد الشركاء الإداريين لرأس المال الاستثماري في سنغافورة بعد أن استشارته الحكومة وبورصة سنغافورة: «يزداد القول حول ترك بعض رأس المال الخاص حتى لسنغافورة بغية الاقتراب من تلك الأسواق الأسرع نموًا، وخاصة الهند».

من المقترحات أيضًا فرض مشاركة سوق الأسهم من المبالغ القياسية لرأس المال الخاص المتدفق في السنوات الأخيرة، مثل المكاتب العائلية وغيرها من أعمال إدارة الثروات.

وقيل أيضًا إن اقتراحات أكثر حساسية من الناحية السياسية مطروحة أيضًا، مثل الآليات التي تسمح باستثمار المعاشات التقاعدية والأموال السيادية في سوق الأسهم مثلما يحدث في أستراليا أو تايلاند، فبينما تستثمر Temasek في الشركات المحلية، فإن GIC التي تدير الاحتياطيات الأجنبية للحكومة تستثمر فقط دوليًا.

يُقال إن الحكومة تراقب من كثب سياسات الدول الأخرى، مثل ضغط المملكة المتحدة على أنظمة التقاعد لمساعدة الشركات على النمو. ويتمتع صندوق الادخار المركزي في سنغافورة برأس مال وفير كما الحال في GIC، وعليه بوسع المستثمرين بالتجزئة استخدام أموالهم عند CPF للاستثمار في أسهم مختارة، لأن هذا لا يُحدث فرقًا يُذكر من حيث الأحجام، ولا توجد سياسة حكومية تفرض أو تشجع الاستثمار في الأسهم على مستوى أوسع.

يتضمن اقتراح آخر المزيد من التعاون مع أسواق الأسهم في جنوب شرق آسيا، مثل إمكانية استضافة سنغافورة لبورصة إقليمية على المسار الصحيح ودعم أي قضايا مثل مخاطر العملة.

تعان سنغافورة أنها اقتصاد ابتكار، لكن نظام التقاعد لديها يتجنب المخاطرة، وفي ذلك قال أحد المطلعين على المحادثات إن بناء هذه السيولة قد يبدأ بتحفيز مديري الصناديق. لكن آخرين يتساءلون عن إمكانية أن تكون المحاولة الأخيرة كافية لتغيير مسار بورصة سنغافورة.

قال أحد المديرين التنفيذيين في صندوق التحوط في سنغافورة: «خلق العرض والطلب أمر صعب. إنهم بحاجة حقًا إلى التحدث إلى صانعي السوق مثل الصناديق المحلية ومديري الأصول وما زلت لا أرى ذلك».

فشلت الجهود السابقة في تحقيق النتائج، وقد تضمنت العلاقات مع بورصات ناسداك وتل أبيب لجذب القوائم الثانوية، ونظام سباك منذ 2021.

أضاف المدير التنفيذي لصندوق التحوط: «من الجيد أن يكون لديك أفكار وأن تجعلها جزءًا من الأجندة الوطنية لسنغافورة. لكن إصلاح ممارسات الإفصاح السيئة، أو تعزيز حوكمة الشركات لمنح المستثمرين مزيدًا من الضمانات، يظل القضايا الأهم بالنسبة لنا».

اقرأ أيضًا:

كيف أصبحت سنغافورة رائدة التجارة العالمية؟

اقتصاد سنغافورة: هل كانت نهضة سنغافورة معجزة حقًا؟

ترجمة: رهام الأشمر

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر