أين توجد معظم البراكين على سطح كوكبنا؟ هل في حزام النار، أم في مكانٍ آخر؟
وفقًا لوزارة الداخلية الأمريكية يوجد حوالي 1350 بركانًا نشطًا مُحتملًا حول العالم. ومعروفٌ ثورانُ أكثر من ثلثهم في لحظةٍ ما ضمن التاريخ المُسجل.
لكن أين تقع معظم البراكين؟ وإذا أردت رؤية بركانٍ نشطٍ أين ستكون فرصتك الكبرى بإيجاده؟
أوضح إِد ليويلين (Ed Llewellin) الأستاذ في علم البراكين في جامعة دورهام في المملكة المتحدة، في رسالته لموقع Live Science عبر البريد الإلكتروني: «تقع معظم البراكين تحت الماء، ممتدةً على طول نظام سلاسل تلالٍ وسطَ المحيط؛ والبالغ طوله 65000 كم».
وأضاف ليويلين: «تنبع 80% من ناتج الصهارة الأرضية من براكين سلسلة التلال المحيطية؛ التي تكون عادةً على عمق 3-4 كم تحت سطح المحيط. حيث يمرّ بعض من نظام سلاسل التلال تلك بحوالي 9000 كم شرقَ المحيط الهادي، ولكنّه يمرّ أيضًا بجميع المحيطات الرئيسية؛ بما في ذلك 16000 كم على طول وسط المحيط الأطلسي».
أشار ليويلين بأنه: «قد يكون من السهل نسيان هذه البراكين لأنها مخفيةٌ بعيدًا تحت سطح المحيط، وبالتالي نادرًا ما نتأثر بثورانها».
لكن ماذا عن البراكين الموجودة فوق سطح المحيط؟
يقول ليويلين: «العديد من البراكين الموجودة على اليابسة تقع حول المحيط الهادئ»، «وذلك لأن المحيط الهادئ مُحاط بنطاقات التداخل؛ وهي مناطق موجودةٌ على أطراف الصفائح التكتونية، حيث تنزلق صفيحةٌ تحت الأخرى».
نتيجةً لهذا النشاط التكتوني، يُعد المحيط الهادئ موطنًا لحزام النار؛ الذي يمتد على طول 40 ألف كم ويأخذ شكل حدوة الحصان، وهو حزامٌ نشطٌ زلزاليًا، يُعد بؤرةً لحوالي 90% من زلازل العالم، و 75% من براكين اليابسة النشطة الموجودة في العالم.
نجد على أطراف المحيط الهادئ صفائح محيطيةً قديمةً كثيفةً وباردةً، تنزلق تحت الصفائح القاريّة المتاخمة لها. وعندما تعود هذه الصفائح إلى الغطاء، فإن الماء الموجود في فلزّاتها المتشكّلة في قاع المحيط يتحرّر مسببًا ذوبانَ الغطاء فوقه، مُنتجًا الصهارة.
يشرح ليويلين: «ترتفع الصهارة من الغطاء فوق الصفيحة المُنزلقة، وتجد طريقها عبر الصفيحة القاريّة التي تعلوها. لهذا نجد سلاسل من البراكين حول المحيط الهادئ، مثل جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية، والشلالات في أمريكا الشمالية، وجزر الأليوشان الواقعة بين ألاسكا وسيبيريا وما إلى ذلك».
يقول ليويلين عن غرب المحيط الهادئ: «تتميّز نطاقات التداخل بشكلٍ أساسي بانزلاق صفيحة محيطية تحت صفيحة محيطية أخرى»؛ لذا من الممكن أن يُشكّل هذا سلاسل من الجزر البركانية مثل الأرخبيل الياباني، وجزر ميلانيزيا، ومنطقة أوقيانوسيا في جنوب الهادئ؛ التي تحوي جزر فيجي، وفانواتو، وجزر سليمان، وبابوا غينيا الجديدة.
بسبب طبيعة الحركة التكتونية، لم يكن المحيط الهادئ دومًا بقعةً ساخنةً لثوران البراكين. في الواقع، قبل 250 مليون سنةٍ، ومع التحوّل من العصر البرمي إلى العصر الترياسي، كان من الممكن أن تكون الأرض غير قابلةٍ للحياة نظرًا لمعدّل النشاط البركاني فيها.
في ذلك الوقت حدث ما يُعتقد أنه أكبر انقراض جماعي بتقديرات انقراض نحو 96% من الحياة البحرية، ونحو 70% من الحياة البرية، نتيجة الثورانات البركانية الشديدة آنذاك. ذلك بحسب المقال المنشور في مجلة “الطبيعة” عام 2017.
من حسن حظ الإنسان -والكائنات الحالية الأخرى- أنّ الثورانات البركانية لم تعد كثيرةً هذه الأيام كما كانت سابقًا.
بحسب قول ليويلين: «إذا شملنا البراكين البحرية على طول سلاسل التلال وسط المحيط، نجد أن أغلبية النشاط البركاني على كوكب الأرض يقع خارج منطقة الهادئ. انخفضت وتيرة النشاط البركاني على الأرض ببطءٍ عبر تاريخها. إذ كانت الأرض في مراحلها العمرية المبكرة أكثر حرارةً ممّا هي عليه اليوم، لدرجة أننا نعتقد بوجود فتراتٍ كان سطح الأرض فيها مغمورًا بمحيطٍ من الصهارة.
دليل هذا المحيط الأحمر الحار محفوظٌ في التركيب الكيميائي للصخور القديمة في غرينلاند؛ الذي يشير إلى أن بحرًا عميقًا من الصهارة المشتعلة كان قد غمر الأرض قبل 3.6 مليار سنة، وفقًا لدراسة نُشرت عام 2021 في مجلة Science Advances.
يقول ليويلين واصفًا النظرية المعروفة باسم Big Splash أو تأثير “ثيا”: «حدث هذا للمرة الأخيرة بعد التأثير العملاق الناتج عن اصطدام كوكبٍ أولي بحجم المريخ بالأرض، ما أدى إلى تكوين القمر بعد حوالي 100 مليون سنة من تشكّل الأرض، خلال فترات محيط الصهارة تلك، ويمكن القول بأن الكوكب بأكمله كان بركانًا عملاقًا».
بالإضافة إلى تأثير “ثيا”، اقترح العلماء عدّة نظرياتٍ عن كيفية تشكّل القمر، إحداها نظرية التأثير العملاق؛ التي تنصّ على أن الأرض كانت كوكبًا يافعًا في بداية تشكّله. ضُرِب بكوكبٍ بحجم كوكب المريخ يُسمّى”ثيا”، تسبّب هذا الاصطدام في تناثر كِلا الكوكبَين مؤقتًا، في كراتٍ من الغاز والصهارة، والعناصر الكيميائية قبل إعادة تشكّل الأجسام التي نعرفها اليوم لتكون الأرضَ والقمر.
أصبحتِ الأرض حاليًا أكثر برودةً وقابليةً للحياة عمّا كانت عليه سابقًا، حين كانت في طور بحور الصهارة. وبحسب ليويلين فإن البراكين في نهاية الأمر ستصبح شيئًا من الماضي على كوكبنا، نظرًا لأنه من المرجح أن تستمرَ الأرض في التبرّد بمرور الوقت.
يقول ليويلين: «حدث ذلك فعلًا على سطح القمر؛ لكونهِ أصغر حجمًا من الأرض بكثير، وبالتالي تبرّد بسرعة أكبر».
كان النشاط البركاني على سطح القمر قبل مليارات السنين كثيفًا، فالبقع الكبيرة الداكنة التي نراها ما هي إلّا بحورٌ عملاقةٌ من الصهارة المتصلّبة، لكنّ القمر أصبح خامدًا بركانيًا منذ ما يُقارب المليار عام.
من غير المرجح أن تختفي البراكين في أيّ وقتٍ قريبٍ. فقد أشار بعض الخبراء إلى أن نواة الأرض قد تحتاج إلى 91 مليار عامٍ لتفقد كل حرارتها، ما يعني أن البراكين ستكون موجودةً لفترةٍ أكثر بكثير من وجود البشر. حتى أنه من الممكن أن تبقى أكثرَ من الشمس؛ التي من المُرجح أن تموت خلال خمسة ملياراتِ عامٍ.
إذا كنت عالم براكين مبتدئًا، أو كنت مجرد شخص لديه الفضول لمعرفة كيف يبدو شكل الثوران البركاني في الحياة الواقعية، فأين يوجد أفضل مكان للذهاب إليه في العالم؟
يقول ليويلين: «إذا كنت تريد رؤية ثورانٍ حقيقيٍّ فإن أفضل مكان بالنسبة لك هو سترومبولي؛ وهي جزيرةٌ صغيرةٌ قبالة جنوب إيطاليا؛ التي كانت وماتزال براكينها تثور دون توقفٍ على مدى ما يُقارب 1500 سنةٍ».
إذا قمت بجولةٍ برفقة مرشدٍ إلى قمّة البركان، فلا بدّ أن ترى أحد الانفجارات البركانية الصغيرة التي تحصل كل بضع دقائق، من إحدى الفتحات الكثيرةِ الموجودة بالقرب من القمة».
اقرأ أيضًا:
ماذا يحدث إذا انفجر بركان تحت سطح البحر ؟
ترجمة: سارة الحمصي
تدقيق: منال توفيق الضللي