قد يبدو العنوان غريبًا أو مخالفًا لقوانين الفيزياء، لكننا قد نصل إلى ذلك فعلًا! وفقًا لما أعلنته وزارة الطاقة الأميركية في أواخر عام 2022، نجح فريق من علماء الفيزياء في تحقيق تجربة اندماج نووي أنتجت كمية من الطاقة أكثر من الكمية المستخدمة في التجربة. يعد هذا الحدث إنجازًا علميًا ضخمًا، وأحدث ضجة كبيرة في الوسط العلمي، إذ يُمثل خلاصة عشرات السنوات من التجارب والأبحاث في مجال الاندماج النووي، ويضع حجر الأساس في مشروع إنتاج طاقة نظيفة صديقة للبيئة.
ما الاندماج النووي؟ وكيف استطاع العلماء محاكاة ما يحدث داخل الشمس؟
هل تعلم أن الاندماج النووي يحدث يوميًا أمامنا؟ تُسمى العملية التي تؤدي إلى توليد ضوء وحرارة الشمس والنجوم الأخرى اندماجًا نوويًا، وهي العملية التي تجتمع فيها نواتان ذريتان لتشكيل نواة واحدة أثقل وينتج عنها طاقة هائلة.
لكن هل نستطيع فعل ذلك بأنفسنا؟ الإجابة هي نعم، لكن ذلك يحتاج إلى هندسة معقدة، وقد استخدم العلماء تقنيات مختلفة لمحاكاة تلك الظروف، وكانت المشكلة في الحفاظ على الضغط والحرارة العالية فترةً كافية.
في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية، وتحديدًا في مختبر لورانس ليفرمور الوطني، سلّط علماء الفيزياء شعاعًا من 192 حزمة من الليزر على أسطوانة جوفاء مطلية بالذهب تسمى هولراوم «hohlraum».
تحتوي الأسطوانة على حبيبات صغيرة جدًا بحجم حبة الفلفل التي بدورها تحتوي على نظيريّ الهيدروجين: الديوتيريوم (Deuterium) والتريتيوم (Tritium).
تؤدي حزم أشعة الليزر إلى تسخين جدران الأسطوانة، من ثم ينفجر سطح الحبيبات إلى الخارج ما يجبر محتوياتها من الديوتيريوم والتريتيوم على الانهيار.
بعبارة أخرى، يُدفع الديوتيريوم والتريتيوم بسرعة تحت ضغط ودرجة حرارة عالية جدًا، تؤدي بدورها إلى اندماج نواة ذرة ديوتيريوم مع نواة ذرة تريتيوم وتشكيل نواة الهيليوم.
لكن كتلة نواة الهيليوم الناتجة هي أقل من مجموع كتلتي الديوتيريوم والتريتيوم، ويُطلق الفرق في الكتلة على شكل انفجار للطاقة. عند حدوث ذلك، يمكن إنتاج طاقة أكثر مما استُخدم في التجربة.
لماذا تُعد التجربة إنجازًا علميًا تاريخيًا؟
استخدم علماء الفيزياء في المختبر 2.05 ميجا جول من الطاقة لتسخين الوقود بالليزر، أدى ذلك إلى إنتاج 3.15 ميجا جول من الطاقة، أي بزيادة نحو 50%، وهو إنجاز علمي هائل بعد عشرات السنوات من التجارب السابقة.
أظهرت النتائج أيضًا إمكانية استخدام الاندماج النووي عبر الليزر لتوليد الطاقة، وهذا دليل هام لتطوير تكنولوجيا تعتمد على ذلك، خاصةً أن معظم تجارب الاندماج النووي تستخدم الهيدروجين الذي يسهل استخراجه ويُعد من أكثر العناصر وفرةً في كوكبنا.
هل سنتمكن من توليد الطاقة في منازلنا باستخدام الاندماج النووي؟
نحن بعيدون عن ذلك في المدى القريب، فكمية الطاقة الناتجة عن التجربة قليلة جدًا، إضافة إلى الكلفة العالية جدًا لتشغيل نظام الليزر، إذ استُخدم نحو 500 ميجا جول من الطاقة في سبيل ذلك فقط. للاستفادة من هذا النوع من التفاعلات نحتاج إلى تردد أكبر بنحو 10 مرات في الثانية وتخفيض تكلفة التشغيل.
تعقيبًا على ذلك، صرّح جيرمي تشيتندن أحد علماء الفيزياء في لندن: «يعلم العاملون في مجال الاندماج النووي أننا أمام طريق طويل للوصول إلى توليد طاقة باستخدام مفاعل اندماج نووي تتجاوز الطاقة اللازمة لتشغيله. أثبتت هذه التجربة كيفية اكتساب طاقة عالية في المختبر، لكننا بحاجة إلى تطوير وسائل أبسط للوصول إلى تلك النتائج أو تشكيل محطة طاقة نووية تعتمد على تفاعلات الاندماج للاستفادة منها».
اقرأ أيضًا:
الاندماج النووي لم يعد مجرد حلم
هل سيكون الاندماج النووي غير الحراري مستقبل الطاقة المستدامة النظيفة؟
إعداد: بيان علي عيزوقي
تدقيق: أكرم محيي الدين
مراجعة: محمد حسان عجك