يوجد فرق شاسع بين إرسال البشر إلى كوكب المريخ واستعمار عوالم خارج نظامنا الشمسي!
يخطط إيلون ماسك -المدير التنفيذي لشركة سبيس إكس– لامتلاك مدينة يسكنها مليون شخص على كوكب المريخ بحلول عام 2050. يبدو ذلك المشروع طموحًا، نظرًا إلى أن قدمًا بشرية لم تطأ كوكب المريخ مطلقًا حتى الآن. لكن هل هذا ممكن؟ كم من الوقت سيستغرق البشر لاستعمار كوكب آخر؟ وهل بوسع البشر استيطان عوالم خارج نظامنا الشمسي؟
تعتمد إجابات هذه الأسئلة بدرجة كبيرة على الكوكب الذي نقصده. في حالة كوكب المريخ، يرى سيركان سايدام -نائب مدير المركز الأسترالي لأبحاث الفضاء- أننا سنمتلك مستعمرة بشرية هناك بحلول عام 2050.
ستكون المياه على رأس الأولويات لإنشاء مستعمرة ناجحة على كوكب المريخ، ويمكن استخراجها من الجليد، أو من الصخور المعدنية المشبعة بالماء، أو بالطريقتين معًا. ستسهل المياه عمليات الزراعة، ومن ثم توفير الغذاء كما رأينا في فيلم «المريخي-2015»، ويمكن أيضًا توفير مصدر لوقود الصواريخ باستعمال الهيدروجين المُستخرَج من الجليد والمعادن.
في الواقع لا يوجد إجماع علمي على إمكانية استعمار المريخ بحلول 2050، إذ يمتلك فريق آخر من العلماء آراء أقل تفاؤلًا بهذا الشأن.
يرى لويس فريدمان -مهندس ملاحة فضائية، والشريك المؤسس لمنظمة The Planetary Society غير الربحية- أنه من غير المرجح استعمار كوكب المريخ في المستقبل القريب، وقالت راشيل سيدلر، عالمة أعصاب في جامعة فلوريدا، وعملت سابقًا مع ناسا: «إن الناس تحب التفاؤل بشأن استيطان كوكب المريخ، لكنها فكرة غير واقعية».
مع ذلك، فإن وصول البشر إلى كوكب المريخ في غضون عقود ليس أمرًا مُستبعدًا، إذ تخطط الصين لإرسال طاقم بشري إلى كوكب المريخ بحلول عام 2033، وتهدف وكالة ناسا إلى إرسال رواد فضاء إلى هناك بحلول أواخر ثلاثينيات القرن الحالي. فور وصول البشر إلى الكوكب، فإن الخطوة التالية هي إنشاء مستعمرة.
يقول سايدام: «يتطلب استيطان المريخ تحقيق مستوى من الاكتفاء الذاتي، لكن ليس بالضرورة الاستقلال التام عن الأرض. لو شبّهنا المريخ بجزيرة نائية، فإننا نحتاج -بين حين وآخر- إلى جلب بعض الأشياء، إذ سَتُرسَل معظم المعدات والأدوات من الأرض، فلا أظن أننا نستطيع تصنيع شاحنة على سطح المريخ».
من أجل مستعمرة مُستدامة على كوكب المريخ، يجب تحقيق نوع من الإنتاج لتمويل المستعمرة ماديًا. أحد الخيارات هو السياحة الفضائية، وإن استخراج المعادن من الوسائل المحتملة لإنجاح الاستيطان.
مثلًا: نستطيع إنشاء اقتصاديات فضائية جديدة بواسطة التنقيب عن المعادن النفيسة مثل البلاتين، ما يساعد على مزيد من الاستثمار والاستكشاف.
مع أن كوكب المريخ هو الخيار الأكثر واقعية لاستعمار الكواكب، فإن جارنا الأحمر ليس الأكثر ملاءمة لحياة البشر.
يتكون أكثر من 95% من الغلاف الجوي للمريخ من ثاني أكسيد الكربون، وهو قارس البرودة، إذ يبلغ متوسط درجة الحرارة على سطحه نحو -60 درجة مئوية، ويستغرق وصول المركبات الفضائية من كوكب الأرض إليه نحو 8 أشهر ونصف، تحت وابل من الإشعاعات الكونية الضارة.
من شبه المؤكد وجود كواكب صالحة للحياة لإقامة مستوطنات عليها خارج نظامنا الشمسي، تُسمى الكواكب الخارجية، لكن المشكلة أنها بعيدة جدًا، ونحن لم نرسل أي مركبة خارج نطاق مجموعتنا الشمسية، ما عدا المسبارين فوياجير 1 و2، إذ استغرق خروجهما من النظام الشمسي 35 و41 عامًا على الترتيب، فكيف بالكواكب الخارجية؟! إنها أبعد من ذلك بكثير!
قال الفيزيائي الفلكي فريدريك مارين: «بوسائلنا الحالية، سيستغرق الوصول إلى أقرب كوكب خارجي عشرات الآلاف من السنين، ما يجعل السفر إليها واستعمارها مستحيلًا».
مع ذلك، يتوقع مارين الذي أجرى عمليات محاكاة حاسوبية للسفر بين النجوم، أن تقل مدة السفر في المستقبل القريب، بفضل ظهور مركبات فضائية أسرع.
قال مارين: «نعرف أن تكنولوجيا زيادة سرعة وسائل دفع الصواريخ تزيد 10 أضعاف كل مئة عام، وبذلك تزداد قدرتنا على السفر أسرع في الفضاء؛ ما يقلّ زمن السفر إلى الكواكب الخارجية من عشرات آلاف السنين إلى آلاف، ثم إلى مئات السنين».
أضاف: «أفترض إمكانية الوصول إلى كوكب خارجي صالح لاستيطان البشر في غضون 500 عام، رحلة كهذه تستمر قرونًا ستتطلب مركبة فضائية تقودها أجيال متعاقبة من البشر، معظمهم لن يرى أبدًا هذا الكوكب الذي سنستعمره في النهاية». يفترض مارين أن مجموعة من 500 شخص تقريبًا تُعد مناسبة لسفينة استيطانية متعددة الأجيال.
يثير هذا الافتراض كثيرًا من الأسئلة الأخلاقية والشكوك بشأن تكيف البشر مع قضاء حياتهم على متن مركبة فضائية، وكيف سيتعامل أبناؤهم مع حقيقة أنهم وُلدوا في رحلة ستستغرق عمرهم كله مسافرين بين النجوم.
إن مشكلة تغير المناخ على كوكب الأرض والتحديات الأخرى التي تهدد وجود البشر، تدفعنا لمحاولة إيجاد حل لمعضلة السفر بين النجوم. مع ذلك، ليس لدينا حتى الآن ما يضمن أننا سنستطيع استيطان الكواكب الخارجية.
اقرأ أيضًا:
كيف ستتغير أجسام رواد الفضاء في أثناء الرحلة الفضائية إلى المريخ؟
اكتشاف كوكب مشابه للأرض يطفو حرًا في الفضاء الخارجي
ترجمة: عمرو أحمد
تدقيق: أكرم محيي الدين
مراجعة: عبد المنعم الحسين