كان يوليوس قيصر جنرالًا وسياسيًّا مشهورًا في روما القديمة، سيطر على مناطق شاسعة من بلاد الغال (شمال أوروبا ووسطها) وساعد على البدء في نهاية الجمهورية الرومانية عندما حكم الإمبراطورية الرومانية حكمًا مطلقًا. لم تستمر فترة حكمه طويلًا على الرغم من براعته العسكرية ومهاراته السياسية وشعبيته عند الطبقة الدنيا والمتوسطة في روما، إذ أحس معارضوه بالتهديد من قوته المتعاظمة، فأقدموا على اغتياله.
نشأة غايوس يوليوس قيصر
وُلِد غايوس يوليوس قيصر نحو عام 100 قبل الميلاد في الثالث عشر من يوليو. والده كان يُدعى أيضًا غايوس يوليوس قيصر وأمه أوريليا كوتا. يوليوس قيصر هو ابن أخ الجنرال الروماني المشهور غايوس ماريوس.
تتبّع قيصر سلالته ووجد أنها من أصول روما وزعم أنه منحدر من الإلهة فينوس عبر الأمير الطروادي إينياس وابنه إيولوس. على الرغم من الإرث النبيل المزعوم ليوليوس قيصر، لم تكن عائلته أسرةً ثريةً أو ذات تأثير فريد في سياسات روما.
أصبح يوليوس قيصر رب أسرته في سن السادسة عشر بعد وفاة والده فجأةً عام 85 قبل الميلاد في حرب أهلية بين عمه ماريوس والحاكم الروماني لوسيوس كورنيليوس سولا. في عام 84 قبل الميلاد تزوج يوليوس كورنيليا، ابنة أحد حلفاء ماريوس. أنجب قيصر وكورنيليا ابنةً واحدة، وأسموها جوليا.
فاز سولا بالحرب عام 82 قبل الميلاد وأمر قيصر أن يُطلِّق كورنيليا، فما كان من قيصر إلا أن رفض واختفى عن الأبصار. تدخلت عائلته وأقنعت سولا أن يعفو عن قيصر، لكن سولا حرم قيصر من ميراثه.
غادر قيصر روما مع أن سولا أعفاه من العقوبة، وانضم إلى الجيش وحاز على التاج المدني لشجاعته في حصار ميتيليني عام 80 قبل الميلاد. عاد قيصر إلى روما عام 78 قبل الميلاد -بعد وفاة سولا- وأصبح مدعيًا عامًّا ناجحًا ومشهورًا بمهاراته الخطابية.
قراصنة يأسرون قيصر
أسر قراصنة سفاحون قيصر في عام 75 قبل الميلاد بينما كان يعبر بحر إيجه في طريقه إلى جزيرة رودس لدراسة الفلسفة وفن الخطابة. قيل إن تصرف قيصر وسلوكه مع القراصنة كان تصرف قائد مهيمن أكثر منه كأسير.
أخلى القراصنة سبيل قيصر بعد دفع فديته، لكن قيصر وظّف أسطولًا خاصًّا ليلاحق القراصنة ويصلبهم بسبب ما اقترفوه من جرائم.
نهوض قيصر السياسي
بدأ قيصر بعد فترة قصيرة مهنته في السياسة بجدية، وأصبح خطيبًا عسكريًا ثم موظفًا ماليًّا لمقاطعة رومانية عام 69 قبل الميلاد. في العام نفسه توفيت زوجته كورنيليا، وتزوج بومبيا عام 67 قبل الميلاد وهي حفيدة سولا ومن أقارب غينيوس بومبيوس ماغنوس (بومبي العظيم) الذي شكَّل قيصر معه تحالفًا مهمًا.
في عام 65 قبل الميلاد أصبح قيصر محاميًا رومانيًّا مهمًّا وأطلق ألعابًا باذخةً في سيرك ماكسيموس حببت به عامة الشعب، لكنها أثقلت كاهله بدين كبير. بعد سنتين انتُخِب قيصر كاهنًا أعظم.
طلَّق قيصر بومبيا عام 62 قبل الميلاد إثر فضيحة كبرى أثارها سياسي تخفّى بزي امرأة ودخل حفلًا مقدَّسًا للنساء تستضيفه بومبيا.
الحكم الثلاثي الأول
في السنة اللاحقة أصبح قيصر حاكم إسبانيا. ساعدت سلسلة من المناورات السياسية والعسكرية الناجحة إضافةً إلى دعم بومبي وماركوس ليسينيوس كراسوس (المعروف بأنه أغنى رجل في روما) على انتخاب قيصر قنصلًا رومانيًّا رئيسًا عام 59 قبل الميلاد.
بعد فترة وجيزة شكّل قيصر وكراسوس وبومبي تحالفًا غير رسمي (عززه تزويج قيصر ابنته جوليا لبومبي) عُرِف بالحكم الثلاثي الأول. أرعب هذا الاتحاد مجلس الشيوخ الروماني الذي أدرك أن شراكة بين ثلاثة رجال بقوتهم ستثبت أنها لا تُقهَر، وكانوا محقين في ذلك؛ إذ سيطر هذا الحكم الثلاثي على روما بعد ذلك بفترة قصيرة.
قيصر في بلاد الغال
عُيِّن قيصر حاكمًا على إقليم واسع من بلاد الغال (أوروبا الوسطى وشمالها) عام 58 قبل الميلاد حيث قاد جيشًا كبيرًا. خلال الحروب الغالية المتلاحقة، نفذ قيصر سلسلةً من الحملات العسكرية البارزة ليهزم الإقليم ويستوطنه ويكسب سمعة القائد العسكري العظيم الذي لا يرحم.
بنى قيصر جسرًا عبر نهر الراين في الأراضي الجرمانية وعبَر القناة الإنجليزية ليصل بريطانيا، لكن نجاحاته الهائلة في الإقليم أثارت استياء بومبي وعقَّدت العلاقة المتأزمة أساسًا بين بومبي وكراسوس.
وبينما كان قيصر يغزو الغال، تحوَّل الموقف السياسي في روما ليصبح متقلبًا غير مستقر بصورة متزايدة، إذ أصبح بومبي قنصلها الوحيد. تحالف بومبي مع مناوئي قيصر بعد وفاة زوجته (ابنة قيصر) جوليا عام 54 قبل الميلاد ووفاة كراسوس عام 53 قبل الميلاد وأمره أن يترك جيشه ويعود إلى روما.
رفض قيصر، وفي مناورة حازمة وجريئة وجه جيشه ليعبر نهر روبيكون إلى إيطاليا بادئًا حربًا أهليةً بين أنصاره وأنصار بومبي. لاحق قيصر وجيوشه بومبي إلى إسبانيا واليونان ومصر أخيرًا.
يوليوس قيصر وكليوباترا
أمر الفرعون الصبي بطليموس الثالث عشر بقتل بومبي في الثامن والعشرين من سبتمبر عام 48 قبل الميلاد، وكان يأمل من تلك الخطوة أن تمنع قيصر من غزو مصر. عندما دخل قيصر مصر أهداه بطليموس رأس بومبي المقطوع.
لاحقًا وجد قيصر نفسه وسط حرب أهلية بين بطليموس والوصية عليه المشاركة في حكم مصر، كليوباترا. أصبح قيصر عشيق كليوباترا وتشارك معها للإطاحة ببطليموس وجعلها حاكمة على مصر. لم يتزوج الثنائي قط، لكن نتج عن علاقتهما الغرامية طويلة الأمد ابنًا، بطليموس قيصر الخامس عشر والمعروف بقيصرون.
الاستبدادية والحكم المطلق
أمضى قيصر السنوات اللاحقة في هزيمة أعدائه وما تبقى من داعمي بومبي في الشرق الأوسط وأفريقيا وإسبانيا.
في عام 46 قبل الميلاد، نُصِّب قيصر حاكمًا مطلقًا على روما مدة عشر سنوات، ما أغضب معارضيه ومهد الطريق لنهاية الجمهورية الرومانية أخيرًا. بدأ قيصر باتخاذ عدة إصلاحات جذرية لصالح الطبقات الوسطى والمتدنية في روما شملت على:
- تنظيم توزيع الحبوب المدعومة.
- زيادة استيعاب مجلس الشيوخ ليمثل أناسًا أكثر.
- تخفيض دين الحكومة.
- دعم المحاربين العسكريين.
- منح الجنسية الرومانية للناس في المقاطعات الرومانية البعيدة والخاضعة لروما.
- إصلاح قوانين الضرائب الرومانية.
- إنشاء التقويم اليوليوسي/اليولياني (الحساب الشرقي).
أقوال يوليوس قيصر
ما يزال كثير من الناس ينظرون إلى يوليوس قيصر نظرة المحارب العظيم صاحب الرؤية العميقة في الطبيعة الإنسانية. وعلى مدار القرون أصبحت الكثير من كلماته أقوالًا مشهورةً مثل:
- «جئت ورأيت وانتصرت».
- «لا بد لزوجة قيصر أن تكون فوق جميع الشبهات».
- «وصل الأمر لنهايته».
- «إذا فشلت، فهذا بسبب كبريائي وطموحي الكبيرين».
- «في النهاية، من المستحيل أن تصبح ما يعتقده الآخرون». (إرضاء الناس غاية لا تُدرَك).
- «يخاف الناس من الغموض والأمور المبهمة أكثر من خوفهم من الأمور الواضحة المرئية».
- «لا يكون أحد شجاعًا حتى يفزعه شيء ما مفاجئ».
- «الأعمال الشريرة تحيا وتعيش بعد موت أصحابها، أما الأعمال الخيّرة فتموت بموتهم».
- «عندما تكون مؤمنًا بسيطًا بحق، فليس هناك خداع وكذب».
- «أفضل أنواع الموت عند الجميع الموت الفجائي غير المتوقع».
الاغتيال:
أعلن قيصر نفسه حاكمًا مطلقًا مدى الحياة عام 44 قبل الميلاد لكن حملته نحو السلطة المطلقة لم تحظَ بقبول العديد من السياسيين؛ إذ تآمرت مجموعة من النواب في مجلس الشيوخ على إنهاء حياته خوفًا من تحوله ليصبح ملكًا.
في منتصف مارس عام 44 قبل الميلاد طعن أعضاء مجلس الشيوخ بقيادة غايوس كاسيوس لونجينوس وديسيموس جونيوس بروتوس ألبينوس وماركوس جونيوس بروتوس قيصر 23 طعنةً، أنهوا بذلك عهده وحياته بينما كان يسقط على أرض المجلس مضرجًا بدمائه عند أقدام تمثال بومبي.
اغتيال قيصر وهو في عمر الخامسة والخمسين جعله شهيدًا وأشعل حلقةً من الحروب الأهلية التي أدت إلى سقوط الجمهورية الرومانية وصعود حفيده ووريثه إلى السلطة -غايوس أوكتافيوس (أوكتافيان) ولاحقًا عُرِف بأغسطس قيصر- ليكون إمبراطورًا على الإمبراطورية الرومانية.
مسرحية مأساة يوليوس قيصر
كتب شكسبير مسرحية مأساة يوليوس قيصر عام 1599، وترتكز على حياة قيصر وتجري أحداثها عام 44 قبل الميلاد وتروي قصة سياسي روماني يُدعَى بروتوس تآمر مع آخرين لاغتيال قيصر. تُصوِّر المسرحية جريمة قتل قيصر الوحشية والنتائج المترتبة عليها.
يُعتقَد أن عرض المسرحية الأول كان على مسرح غلوب في لندن عام 1599 وهي تستمر بسحر الجمهور وأخذ ألبابهم حتى اليوم، وكانت الإلهام للعديد من الأغاني والروايات والأفلام والعروض التلفزيونية وحتى البرامج الكوميدية. احتوت المسرحية أيضًا على الكثير من الأقوال المشهورة التي تعود إلى شكسبير وليس قيصر، ومنها:
«حتى أنت يا بروتوس؟»
«أيها الأصدقاء والرومان والمواطنون! أعيروني مسامعكم».
«العيب، يا بروتوس العزيز، ليس في حظوظنا، بل في أنفسنا».
«كن حذرًا من منتصف مارس» (كنايةً عن يوم اغتيال قيصر، ووفقًا للمسرحية حُذِّر يوليوس من منتصف مارس، لكنه ضحك ولم يصدِّق).
«الموت نهايةٌ ضرورية سيأتي عندما تدق ساعته».
اقرأ أيضًا:
مجتمع ما بعد الجائحة: الآثار المجتمعية وعواقب الأوبئة الماضية
أصول اللغة البشرية تعود إلى 25 مليون سنة!
ترجمة: طارق العبد
تدقيق: رزوق النجار
مراجعة: رزان حميدة