تم الكشف أخيرًا عن الثوران الملتوي لنجم يحتضر بمحاكاة ثلاثية الأبعاد، إذ أعاد فريق من العلماء، وعلى رأسهم خريج مدرسة ثانوية، تشكيل أحد السدم المعقدة والغامضة التي تعد من أشهر الأشباح النجمية في السماء (سديم عين القط).
كشف نموذجهم عن الآليات التي اقتطعت بعض الجوانب غير المفسرة سابقًا لتركيب السديم، ويمكن للنتائج أن تساعدنا في فهم سدم أخرى من ذات النوع، وتعطينا نظرة مستقبلية لما يمكن أن يحدث لشمسنا.
سديم عين القط، ويعرف ايضًا بـ 6543 NGC، هو ما يعرف بسديم الكواكب. في الواقع، السدم لا تمت للكواكب بأية صلة، وقد جاءت هذه التسمية نسبة إلى شكلها المستدير الشبيه بالكواكب. يُعد هذا السديم مخلفات نجم استنفد طاقة الحرق ووصل إلى نهاية حياته.
على الرغم من أن السدم الكوكبية تظهر خصائص مشتركة، فإن سديم عين القط يُعد أحد أكثر الأمثلة المعروفة تعقيدًا. رغم شكله المستدير عمومًا، إلا أن شكلًا معينًا يهيمن على باطنه، مثل بؤبؤ عين القطة المليء بالعقد، القذائف والخيوط، ويعد واحدًا من أكثر السدم دراسة في السماء، لكن بعض جوانب هيكله ما تزال غير مفهومة ولا يمكن تفسيرها بسهولة وفقًا للنموذج الحالي لتركيبة السدم الكوكبية، والذي يسمى نموذج الرياح النجمية المتفاعلة.
تحت هذا النموذج، ينتفخ النجم الى عملاق أحمر ويولد رياحًا نجمية بطيئة تدفع بدورها المواد النجمية إلى الفضاء. وفي نهاية هذه المرحلة، يُخرج النجم مادته الخارجية إلى الفضاء، وينهار اللب الذي لم يعد مدعومًا بالضغط الخارجي للاندماج النووي، تحت الجاذبية لتشكيل قزم أبيض.
يولّد القزم الأبيض شديد الحرارة رياحًا نجمية سريعة تتفاعل مع المادة الموجودة في الرياح البطيئة، ما يصدم الغاز ويخلق تدفقات.
لا يتناسب الشكل المتماثل ثنائي القطب لسديم عين القط مع هذا النموذج. يوضح راين كليرمونت، الذي يخطط للالتحاق بجامعة ستانفورد: «عندما رأيت سديم عين القط للمرة الأولى، كنت منبهرًا بتركيبه الجميل والمتماثل تمامًا، وتفاجأت أكثر عندما علمت أن تركيبه ثلاثي الأبعاد غير مفهوم تمامًا».
استعان كليرمونت بعالمي الفلك وولفغانغ ستيفن من الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك ونيكو كونينغ من جامعة كالغاري في كندا واستخدم برنامج النمذجة الفيزيائية الفلكية Shape لتفكيك ما يجري داخل المنطقة المركزية لسديم عين القط.
قدم تلسكوب هابل الفضائي، الذي رصد ملاحظات مفصلة للسديم في عام 2008، بعض البيانات المستخدمة. واستخدموا بيانات طيفية من مرصد سان بيدرو مارتير الوطني في المكسيك، التي تكشف عن حركة الغاز داخل السديم.
أظهر نموذجهم ثلاثي الأبعاد الذي بنوه أمرًا مثيرًا للاهتمام: حلقات متصاعدة من الغاز عالي الكثافة، ملفوفة جزئيًا حول الغلاف الخارجي للسديم، مرتبة بشكل متناظر حول فصيه. يشير هذا التماثل إلى أن الحلقات ناتجة عن السرعة العالية لتدفقات أُخرجت من قطبي النجم في مركز سديم عين القط.
نظرًا إلى أن النجم الذي أنتجها كان يتذبذب مثل المغزل، تسبب هذا في خروج التدفقات بشكل حلزوني، وعدم اكتمالها يعني أن التدفقات قد اندلعت لوقت قصير قبل أن تنطفئ. الشيء الوحيد الذي نعرفه عن ما يمكن أن ينتج تدفقات في سديم كوكبي هو نجم ثنائي. إذ يعتقد أن النجم الموجود في مركز عين القط هو من نوع وولف رايت، وليس قزمًا أبيض بعد، ولكنه ليس ببعيد عن ذلك، وما يزال يفقد من كتلته باحتراقه مستخدمًا آخر احتياطاته من الوقود.
عند اقتران نجوم كهذه بنجم آخر، يمكن أن تُنتج سدمًا مثيرة للدهشة. أشار بحث سابق لاحتمالية وجود رفيق ثنائي يكمن في قلب سديم عين القط، وتدعم النتيجة الجديدة هذا التفسير.
ستكون الملاحظات والتحليلات المستقبلية قادرة على أخذ هذا النموذج بعين الاعتبار، لتفسير الديناميكيات الغريبة لهذا السديم الرائع بشكل أفضل.
يقول كليرمونت: «كان من المجزي للغاية أن أكون قادرًا على إجراء أبحاثي في الفيزياء الفلكية التي لها بالفعل تأثير في هذا المجال. تُعد التدفقات في السدم الكوكبية أمرًا نادرًا نسبيًا، لذا من المهم فهم كيفية مساهمتها في تشكيل أنظمة أكثر تعقيدًا مثل عين القط. في نهاية المطاف، فهم كيفية تكوينها يقدم نظرة مستقبلية للمصير النهائي لشمسنا، وبدورها ستصبح سديمًا كوكبيًا في يوم ما».
اقرأ أيضًا:
صور مذهلة جديدة للمجرات التقطها تلسكوب جيمس ويب الفضائي
تلسكوب جيمس ويب ينتج صورة مذهلة لكوكب المشتري
ترجمة: يعقوب احمد
تدقيق: مهدي أعور