بالنسبة لمئات الملايين من الناس الذين يعيشون جانب كافة سواحل العالم، يكون السيناريو الأكثر رعبًا لارتفاع منسوب سطح البحر هو إمكانية انهيار الصفائح الجليدية.
البحار في ارتفاعٍ بشكلٍ سريع وتهدّد بغمر مدنٍ كـ ميامي وحياة سكانها اليوم، إذا انهارت الصفائح الجليدية المتموضعة في القطب الجنوبي وجزيرة غرينلاند، فيمكن أن يرتفع معدّل سطح البحر بشكلٍ مفاجئ، جاعلًا المدن الساحلية خاليةً من السكان، ومدمّرًا تريليونات الدولارات من الأملاك والبُنى التحتية.
لمنع أو إبطاء هذه التدفّقات من إزالة مدننا، ربما يحتاج الجنس البشريّ إلى أن يباشر بأكبر مشاريع الهندسة المدنية في تاريخ البشرية، استنادًا لدراسةٍ نُشرت في صحيفة الاتحاد الأوروبي للعلوم الأرضية ( The Cryosphere- الغلاف الجليديّ).
المشروع هو بناء جدران هائلة تحت الصفائح الجليدية لمنعها من الانهيار.
من الممكن أن يكون محاولةً للهندسة الجيولوجية كوسيلةٍ لتجديد كوكبنا، والتي من الممكن أن توفّر الوقت للمناطق الساحلية لتتهيّأ، وللإنسانية من أجل أن تواجه بعض الاحتباس الحراريّ الذي سبّبناه بحرق الوقود الأحفوري وتغييرنا المناخ.
قال جون موري، أحد مؤلفي الدراسة الجديدة، وعالم مناخٍ في كلٍّ من جامعة بكين الطبيعية وجامعة فنلندا في مركز إبلاند القطبي في تصريحٍ له: «يعني عملُ الهندسة الجيولوجية غالبًا أخذَ الأمور غير المتوقّعة بعين الاعتبار».
كتب المؤلفون في الدراسة: «لا يزال هذا المشروع غير عمليّ، هذا النوع من (اعتراض الصفائح الجليدية) من الممكن أن يكون اليوم قد تخطّى القدرات البشرية».
ولكن من المحتمل أن يحصل الانهيار الكارثيّ للصفائح الجليدية في المستقبل المتوقّع، والعمليات التي يمكن أن تثير الانهيار موجودةٌ في نهر الجليد ذاويتس -أحد أكثر الأنهار الجليدية تأثّرًا- في غرب القطب الجنوبيّ، ويمكن أن تحدث بالفعل.
قال مايكل وولفيك، باحثٌ في علم الأرض في براينستون والمؤلف الآخر للدراسة في تصريح: «من الممكن أن يؤدي النهر الجليدي ذاويتس إلى انهيارٍ جليديٍّ هائل، ما سيرفع في النهاية مستوى البحر العالميّ إلى ثلاثة أمتار».
توقّع الانهيار
هناك ما يكفي من الجليد المكدّس في أعلى القطب الجنوبيّ لرفع مستوى البحر حول العالم بما يقارب 60 مترًا.
وبينما يأخذ هذا الوقت ليُحدث تغيّراتٍ مهمة في تلك الكميات من الجليد، يذوب القطب الجنوبي بشكلٍ أسرع ممّا توقّعنا، استنادًا للدراسة المنشورة في حزيران في دورية Nature.
وفي حين يمكن أن يأخذ ارتفاعُ البحار مئات الأمتار آلافَ السنين، فقد تسبَّب الناس سابقًا ببدء ارتفاع مستوى البحار.
ارتفع مستوى البحار حول العالم في القرن العشرين بما يقارب 15 سم بشكلٍ متوسط، كما قال مايكل أوبنهايمر، بروفيسورٌ في علم الجيولوجيا في برينستون، في بيانٍ صحفيٍّ في وقتٍ سابق من العام عن ارتفاع مستوى البحر، وكان ذلك كافيًا لتضييق شاطئ الساحل الشرقي بما يقارب 15 مترًا.
منذ منتصف التسعينيات، شهدت مدنٌ كـ ميامي ارتفاع مستوى البحر 12 سنتيمترًا إضافيًا.
ترتفع البحار في بعض الأماكن بشكلٍ أسرع مقارنةً مع أماكن أخرى، وذلك وفقًا لتيارات المحيطات وتأثير الجاذبية.
تساهم عدة عوامل في ارتفاع مستوى البحر العالمي، عندما يصبح العالم أكثر دفئًا بسبب حرق الوقود الأحفوريّ، تمتصُّ المحيطات غالبية الحرارة، يتمدد الماء الدافئ، ويحتلُّ بدوره فراغًا أكبر.
تذوب الأنهار الجليدية أيضًا مضيفةً المزيد من الماء إلى المنظومة، والعامل الأخير هو ذوبان الصفائح الجليدية في القطب الجنوبيّ وغرينلاند والتي لا تزال محصنةً من الأنهار الجليدية.
تدعيم الجليد
وفقًا لدراسةٍ مؤخرًا، من الممكن أن نحاول بناء هياكل داعمة أو حتى جدران أسفل الصفائح الجليدية لمنعها من التفكّك وحمايتها من أن تتأثّر من تدفّق المياه الساخنة أسفلها.
بحث ولفيك وموري عن هذه الفكرة من عدة سنواتٍ إلى الآن، ودرسوا في بحثهم الجديد إلى أي مدىً يمكن أن تنجح هندسة الصفائح الجليدية في تجنّب انهيار النهر الجليدي ذاويتس.
إنه -بصورةٍ خاصة- نهرٌ جليديٌّ صعب بسبب عرضه الواسع، ما يعني أنَّه يحتاج إلى هياكل داعمة كبيرة.
الطريقة الأولى لدعم الأنهار الجليدية التي صاغها مؤلفو الدراسة هي تثبيت سلسلةٍ بطول مئات الأمتار من المتاريس تحتها.
لن يعيق هذا تدفّق المياه الدافئة تحت الثلج، ويمكن أن تساعد المتاريس في دعم الأنهار الجليدية، جاعلةً حدوث الانهيار أقل احتمالًا ومانحة النهر فرصةً لينمو.
حتى هذه الطريقة البسيطة يمكن أن تكون مشروعًا هائلًا، كتب المؤلفون: «يمكن مقارنته مع أكبر مشاريع الهندسة المدنية والتي لم تصل إليها البشرية أبدًا»، كحفر قناة السويس ولكن في بيئةٍ أكثر قساوة.
درس المؤلفون هذا الإجراء على أنه يملك فرصة 30% لمنع انهيار النهر الجليديّ (ذاويتس)، والذي يمكن أن يؤدي إلى خسارة الصفائح الجليدية في غرب القطب الجنوبي خلال الألفية القادمة.
يقول المؤلفون، سيكون بناء جدارٍ حقيقيّ تحت النهر الجليديّ الإجراء الأكثر صعوبةً، والذي من المحتمل أن يوقف تدفّق نصف المياه الدافئة المتدفقة. يحقّق مثل هذا المشروع نسبة %70 من النجاح لألف سنةٍ قادمة، ولكن من الصعب جدًا أن يُنجز.
ليس حلًا كاملًا
إلى جانب الصعوبات التقنية المتعلقة بإجراء أكبر مشاريع الهندسة التي لم يرها العالم من قبل، هناك مخاوف أخرى في محاولة الوصول لهذا الإجراء.
يقلق مؤلفو الدراسة من أنَّ مصالح الوقود الأحفوري من الممكن أن تستخدم فكرة وجود حلٍّ هندسيّ لارتفاع منسوب البحر كبرهانٍ مؤيد لصالح استمرار إطلاق الغازات الدفيئة في الجو.
ولكن، وعلى عكس حلول الهندسة الجيولوجية الأخرى المقترحة (كفكرة أننا نستطيع حجز بعض أشعة الشمس لنتجنّب الاحتباس الحراري)، يركّز هذا الحل فقط على إحدى نتائج التغيّر المناخيّ.
بعبارةٍ أخرى، ربما يساعد هذا الحل في خفض بعض التأثيرات السلبية لارتفاع منسوب سطح البحر، ولكن ستستمر التأثيرات الأخرى للتغير المناخي دون توقّف، وسيشمل هذا الجفاف، تحمّض المحيطات، الأعاصير الشديدة، وموجات الحرّ الحارقة.
بالإضافة إلى أنه كلما سخن العالم، استمرّت هذه الأنهار الجليدية بالذوبان وذهبت باتجاه الانهيار، حتى ولو كانت مدعمةً من الأسفل.
قال ولفيك: «كلما ازداد الكربون الذي نطلقه، قل احتمال نجاة الصفائح الجليدية على المدى لطويل بحجمٍ قريبٍ من حجمها الحاليّ».
- ترجمة: يزن باسل دبجن
- تدقيق: تسنيم المنجّد
- تحرير: صهيب الأغبري
- المصدر