يتساءل القارئ: لقد علمت أن ثاني أكسيد الكربون يشكل 0.04% من الغلاف الجوي للأرض، ليس 0.4% أو 4% وإنما 0.04%، فكيف يمتلك تلك الأهمية في الاحتباس الحراري بالرغم من نسبته الضئيلة؟
غالبًا ما أتساءل عن تأثير ثاني أكسيد الكَربون الكبير على المناخ العالمي مع أن تركيزه قليل، فقط 0.041% من الغلاف الجوي للأرض، والأنشطة البشرية مسؤولة فقط عن 32% من الكمية السابقة.
أدرس مدى تأثير الغازات الجوية على تلوث الهواء والتغير المناخي، وتكمن قوة تأثير ثاني أكسيد الكربون على المناخ في قدرته على امتصاص الحرارة المنبعثة من سطح كوكبنا مانعًا إياها من الخروج إلى الفضاء.
بداية علم الاحتباس الحراري Early Greenhouse Science
تفاجأ العلماء الذين حددوا لأول مرة أهمية ثاني أكسيد الكَربون للمناخ في عام 1850 بمدى تأثيره، وبالعمل المنفصل وجد كلًا من جون تيندال في إنجلترا وأونيس فوتي في الولايات المتحدة أن كل من ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء والميثان يمتص الحرارة على عكس الكثير من الغازات.
وبالنظر لكمية الأشعة الشمسية الواصلة لسطح الأرض، وجد العلماء أن الأرض أكثر دفئًا بحوالي 33 درجة مئوية مما يجب أن تكون عليه، وأفضل تفسير لهذا التناقض هو احتفاظ الغلاف الجوي بالحرارة لتدفئة الكوكب.
أظهر تيندال وفوتي أن الأكسجين والنتروجين اللذان يشكلان سويًا 99% من الغلاف الجوي لا يمتلكان أي تأثير جوهري على حرارة الأرض وذلك لعدم امتصاصهم للحرارة.
وبدلًا من ذلك، وجدوا أن الغازات الموجودة بتراكيز أقل بكثير كانت مسؤولةً بشكل كلي عن الاحتفاظ بالحرارة، الأمر الذي جعل الأرض صالحةً للسكن، من خلال حجز الحرارة وخلق احتباس حراري طبيعي.
غطاء الغلاف الجوي A blanket in the atmosphere
تستقبل الأرض بشكل مستمر الطاقة من الشمس ثم تطلقها لتعود إلى الفضاء، ولبقاء حرارة الكوكب ثابتة يجب موازنة الحرارة الصافية التي تستقبلها من الشمس مع الحرارة المنبعثة التي تطلقها.
ولأن الشمس حارة فهي تطلق طاقة بهيئة إشعاع من الأمواج القصيرة، وبشكل أساسي الأشعة فوق البنفسجية والمرئية، وبالنظر للأرض – الأكثر برودةً- فإنها تنفث بدورها الحرارة على هيئة الأشعة تحت الحمراء التي تمتلك أطوال موجية أكبر.
يمتلك ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى الحاجزة للحرارة هياكل جزيئية تمكنها من امتصاص الأشعة تحت الحمراء، وتستطيع الروابط بين الذرات في الجزيئات الاهتزاز بطرق معينة مثل اهتزاز أسلاك البيانو.
وعندما تتوافق طاقة الفوتون مع تردد الجزيء يُمتَص وتنتقل طاقته للجزيء.
يمتلك ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى الحابسة للحرارة ثلاث ذرات أو أكثر وترددات متوافقة مع الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من الأرض، على خلاف الأكسجين والنتروجين اللذان لا يمتصان الأشعة تحت الحمراء مع ذرتين فقط في جزيئاتهما.
تعبر معظم إشعاعات الأمواج القصيرة القادمة من الشمس الغلاف الجوي دون امتصاصها، ولكن معظم الأشعة تحت الحمراء المنبعثة تُمتَص من الغازات الحابسة للحرارة في الغلاف الجوي، ويمكنهم بعد ذلك إطلاق أو إعادة نفث تلك الحرارة التي يعود بعض منها إلى سطح الأرض فتصبح أكثر دفئًا مما هي عليه.
الأبحاث حول الانبعاث الحراري Research on heat transmission
خلال الحرب الباردة، دُرس امتصاص الأشعة تحت الحمراء من قبل العديد من الغازات المختلفة بقيادة السلاح الجوي الأميركي الذي كان يطور الصواريخ الحرارية، إذ كانوا بحاجة ماسة لفهم طريقة كشف الحرارة العابرة خلال الهواء.
مكّن هذا البحث العلماء من فهم المناخ وتركيب الغلاف الجوي لجميع الكواكب في النظام الشمسي من خلال مراقبة دلائل الأشعة تحت الحمراء، فعلى سبيل المثال تبلغ حرارة كوكب الزهرة 470 درجة مئوية، بسبب غلافه الجوي السميك الذي يحتوي على ثاني أكسيد الكربون بنسبة 96.5%.
وأشار هذا البحث إلى توقعات الطقس وأشكال المناخ، ما سمح بتحديد كمية الأشعة تحت الحمراء التي يحتفظ بها الغلاف الجوي لتعود إلى سطح الأرض.
يسألني الناس في بعض الأحيان عن سبب أهمية ثاني أكسيد الكربون للمناخ، بالنظر إلى بخار الماء الذي يمتص الأشعة تحت الحمراء بشكل أكثر، ومع العلم أن كلاهما يمتص نفس الأطوال الموجية المتعددة.
يكمن السبب في تحكم الغلاف الجوي العلوي للأرض بكمية الإشعاع التي تنفذ إلى الفضاء. الغلاف الجوي العلوي للأرض أقل كثافةً ويحتوي على كميات أقل من بخار الماء على خلاف الموجود بالقرب من سطح الأرض، أي أن زيادة ثاني أكسيد الكَربون سيؤثر وبشكل واضح على كمية الأشعة تحت الحمراء التي ستنفذ إلى الفضاء.
فيديو يوضح التغيرات الموسمية لغاز ثاني أكسيد الكربون:
ملاحظة الاحتباس الحراري Observing the greenhouse effect
هل سبق لك ولاحظت أن الصحاري أثناء الليل تكون غالبًا أكثر برودةً من الغابات حتى وإن كان لهما نفس متوسط درجات الحرارة؟ إذ دون الكثير من بخار الماء فوق الصحاري ستنفذ الكثير من الإشعاعات التي تُطلق بسهولة إلى الفضاء.
في المناطق الأكثر رطوبةً سيحجز بخار الماء الإشعاع المنبعث من سطح الأرض في الهواء، ولهذا تكون الليالي الملبدة بالغيوم أكثر دفئًا من الليالي الصافية نظرًا لوجود المزيد من بخار الماء في الهواء.
يمكن رؤية تأثير ثاني أكسيد الكربون من خلال التغيرات السابقة في المناخ، إذ أوضحت النوى الجليدية منذ أكثر من مليون عام أن تركيز ثاني أكسيد الكربون كان أعلى خلال الفترات الدافئة بحوالي 0.028%.
خلال العصور الجليدية، عندما كانت الأرض أبرد بحوالي 4-7 درجة مئوية مقارنةً بالقرن العشرين، شكل ثاني أكسيد الكربون عندها حوالي 0.018% من الغلاف الجوي.
على الرغم من أن بخار الماء أكثر أهميةً من ناحية التأثير الطبيعي للاحتباس الحراري، فإن التغيرات في مستويات ثاني أكسيد الكربون أدت إلى تغيرات حرارية في الماضي، إذ تستجيب مستويات بخار الماء في الغلاف الجوي للحرارة.
كلما أصبحت الأرض أكثر دفئًا فإن غلافها الجوي سيحجز المزيد من بخار الماء، الأمر الذي يؤدي لتوسيع الاحتباس الأولي في عملية تدعى بالتغذية الاسترجاعية لبخار الماء (أو رد فعل بخار الماء).
ولذلك كانت التغيرات في ثاني أكسيد الكربون، هي التأثير المهيمن على التغيرات المناخية السابقة.
تغير طفيف، تأثير كبير Small change, big effects
لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن كميةً صغيرةً من ثاني أكسيد الكربون في الجو تمتلك ذاك التأثير الكبير، فنحن نأخذ تلك الحبوب التي تعتبر أجزاءً بالغة الصغر نسبةً لكتلة أجسامنا، ونتوقع أن تؤثر بنا.
اليوم، نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو أعلى من أي وقت مضى في تاريخ البشرية، ويتفق العلماء وبشكل واسع أن متوسط درجة حرارة سطح الأرض قد ارتفع بحوالي 1 درجة مئوية منذ عام 1880، ومن المحتمل أن تكون الزيادات التي يسببها الإنسان في ثاني أكسيد الكربون بالإضافة للغازات الحابسة للحرارة مسؤولةً عن ذلك.
دون اتخاذ الإجراءات المناسبة للتحكم بهذه الانبعاثات، قد يشكل ثاني أكسيد الكربون 0.1% من الغلاف الجوي بحلول 2100، أي أكثر من ثلاثة أضعاف المستوى قبل الثورة الصناعية، وهذا سيكون أكبر من التغيرات السابقة والتي كانت لها نتائج ضخمة.
إذن من دون فعل أي شيء فإن هذا الجزء الصغير من الغلاف الجوي سيسبب مشاكل كبيرة.
اقرأ أيضًا:
ما الفرق الذي يُحدِثه تغيّر درجة الحرارة بمقدار نصف درجة مئوية نتيجة الاحتباس الحراري؟
ترجمة: يزن باسل دبجن
تدقيق: حسام التهامي
مراجعة: آية فحماوي