يُعد الكولسترول مادة شحمية أساسية في الأغشية الخلوية، يصنعه الجسم وتحديدًا في الكبد، لكن قد يوجد في الغذاء أيضًا.

توصلت مراجعة جديدة إلى أربعة آليات جزيئية يحدث بها اختلال الكولسترول في الجسم، خاصةً في الدماغ، ما قد يؤدي إلى الإصابة بأمراض التنكس العصبي مثل ألزهايمر وباركنسون.

تشير المراجعة إلى أن ضبط مستويات الكولسترول قد يقلل من خطر هذه الأمراض.

يُعد الكولسترول جزيئة شحمية أو شمعية تؤدي وظائف عدة في جسم الإنسان، بصفته جزءًا أساسيًا من بنية الأغشية الخلوية، وضروريًا لتشكيل الهرمونات الستيروئيدية والأحماض الصفراوية وفيتامين د.

للكوليسترول أهمية خاصة في الدماغ لتكوين الخلايا العصبية وعملها.

النوعان الرئيسيان من الكولسترول هما البروتينات الشحمية منخفضة الكثافة (LDLs، أو الكولسترول الضار)، الذي يتجمع في جدران الأوعية الدموية، والبروتينات الشحمية عالية الكثافة (HDLs، أو الكولسترول الجيد)، الذي ينقل البروتينات الشحمية منخفضة الكثافة إلى خارج مجرى الدم.

تقترح الدراسات أن ارتفاع مستوى البروتين الشحمي عالي الكثافة قد يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، في حين يزيد ارتفاع البروتين الشحمي منخفض الكثافة من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية.

كشفت المراجعة الجديدة للأبحاث الحالية الستار عن الآليات الجزيئية التي قد تربط اختلال الكولسترول بالأمراض العصبية التنكسية. يشير الباحثون إلى أن التحكم في مستويات الكولسترول في الدم، قد يقلل من خطر إصابة الأشخاص بأمراض مثل ألزهايمر وباركنسون.

تحدث الطبيب ديفيد غيل الأستاذ المساعد في قسم الباطنة العصبية في المركز الطبي بجامعة روشستر وقسم طب الأعصاب الإدراكي والسلوكي، معلقًا على المراجعة التي أجراها الباحثون: «تصف المقالة عددًا من الطرق التي يشارك بها الكولسترول في كيفية عمل الدماغ، بما في ذلك مساعدة خلايا الدماغ على التواصل وتثبيت غشائها وتنظيم إنتاج بروتين بيتا أميلويد، ويؤدي دورًا في كيفية تكتل بروتين تاو».

الكولسترول: عامل خطر رئيسي في التنكس العصبي:

أدرجت مراجعة لجنة مجلة لانسيت الأخيرة ارتفاع الكولسترول البروتين الشحمي منخفض الكثافة بعد سن الأربعين واحدًا من الأربعة عشر عاملًا القابل للتعديل الذي قد يزيد من خطر الإصابة بالخرف، الذي يعد أكثر الأمراض العصبية التنكسية شيوعًا.

أضافت المراجعة الأخيرة إلى هذه الدراسة الآليات الجزيئية الأربعة للتنكس العصبي المرتبطة باختلال الكولسترول.

أولها هو الخلل الوظيفي المشبكي. والمشابك هي اتصالات بين العصبونات، وتعتمد وظيفتها على وجود الكولسترول في الغشاء البلازمي.

قد يؤدي نقص الكولسترول في الغشاء البلازمي إلى إعاقة مرور السيالات بين العصبونات، ما يؤدي إلى تدني الوظائف الإدراكية والحركية التي تظهر في الأمراض العصبية التنكسية.

ترتبط الآلية الثانية ببنية غشاء الخلية وتجمع البروتين. يتسبب نقص الكولسترول في العصبونات بحدوث عيوب في أغشية الخلايا التي قد تؤدي إلى التنكس العصبي.

تتعلق الآلية الثالثة بقليلات بروتين الأميلويد بيتا. يؤثر اختلال الكولسترول في تكتل البروتينات وسوء طيها، مثل طليعة بروتين الأميلويد (APP). يؤدي ارتفاع مستويات الكولسترول إلى تسريع عملية تكوين بروتين أميلويد بيتا من طليعة البروتين الأميلويدية، ما يؤدي إلى تكوين لويحات أميلويد بيتا التي تميز مرض ألزهايمر.

تتعلق الأخيرة بتجمع بروتينات سينوكلين ألفا. يسرع الكولسترول من تراكم بروتينات سينونكلين ألفا وتكوين أجسام ليوي، التي تمثل الأسباب الرئيسية للتنكس العصبي في مرض باركنسون.

كيف يؤدي الكولسترول إلى التنكس العصبي؟

شرح ذلك البروفيسور يونغسو بارك، أحد مؤلفي هذه المراجعة، من مركز أبحاث الأمراض العصبية في معهد قطر للأبحاث الطبية الحيوية QBRI بجامعة حمد بن خليفة HBKU، يقول: «لا يستطيع الكولسترول عبور الحاجز الدماغي الدموي BBB مباشرةً، ويُصنّع معظم كولسترول الدماغ محليًا داخله. مع ذلك، يوجد علاقة معقدة بين الكولسترول المحيطي (الكولسترول في مجرى الدم) وكولسترول الدماغ الذي قد يحرض التنكس العصبي».

يتابع: «أولاً، قد تساهم المستويات المرتفعة من الكولسترول في مجرى الدم في تكوين لويحات التصلب الشرياني في الأوعية الدموية، لا سيما التي تغذي الدماغ. ما قد يؤدي إلى إعاقة تدفق الدم وتقليل وصول الأكسجين والمواد المغذية إلى أنسجة المخ، الذي يؤدي بدوره إلى التنكس العصبي. ثانيًا، قد يؤدي ارتفاع مستويات الكولسترول في مجرى الدم إلى الإضرار بسلامة الحاجز الدماغي الدموي. إذ يسمح الحاجز الدماغي الدموي الضعيف بنفوذ الجزيئات المحيطية التي عادةً ما تُستبعد بالدخول إلى الدماغ، ما قد يساهم في الالتهاب العصبي والتنكس العصبي. في نهاية المطاف، تُرجح هذه الآليات الجزيئية أساسًا إلى مشاكل في استحداث الكولسترول ضمن الدماغ واختلال تنظيمه في العصبونات».

هل يساعد ضبط الكولسترول في الدم على إحداث فرق؟

تتمثل النصيحة العامة بالحفاظ على الصحة عبر تقليل البروتين الشحمي منخفض الكثافة وزيادة البروتين الشحمي عالي الكثافة في الدم، وتشير هذه المراجعة إلى أن ذلك قد يساعد أيضًا على الحفاظ على صحة العصبونات في الدماغ.

يقول جيل: «يوجد مبادئ عدة لنمط الحياة الصحي للدماغ، تشمل عدم التدخين والسيطرة على ضغط الدم والحفاظ على وزن صحي إضافةً إلى زيادة النشاط الذهني والبدني والاجتماعي واتباع نظام غذائي صحي للقلب».

يمكن للأشخاص التحكم في مستويات الكولسترول لديهم عن طريق تناول الأدوية، مثل الستاتينات، وتعديل نظامهم الغذائي ونمط حياتهم.

يوصي مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها CDC باتباع توصيات تساعد على خفض مستويات كولسترول البروتين الشحمي عالي الكثافة المرتفعة ومنها:

  •  اتباع نظام غذائي صحي، مثل الحد من تناول الدهون المشبعة والدهون المحوّلة والملح والسكريات المضافة، واختيار الأطعمة الطبيعية الغنية بالألياف والدهون غير المشبعة.
  •  الحفاظ على وزن صحي.
  •  ممارسة النشاط الجسدي بانتظام.
  •  تجنب التدخين أو الإقلاع عنه.
  •  تقليل تناول الكحول، لأن الكثير منه قد يرفع مستويات الكولسترول.

يشرح بارك قائلًا: «يقلل خفض مستويات الكولسترول من خطر الإصابة بتصلب الشرايين، من ثم الحفاظ على تدفق الدم على نحو أفضل إلى الدماغ والحفاظ على سلامة الحاجز الدماغي الدموي BBB، وتقليل الالتهاب المزمن، إذ يرتبط ارتفاع الكولسترول بإفراز السيتوكينات الالتهابية».

يجب على الأشخاص الذين لديهم خطر جيني للإصابة بألزهايمر مراقبة كولسترولهم:

يقول جيل: «نعلم أيضًا أن الجين الذي يؤدي دورًا في كولسترول الدماغ وهو APOE، يؤدي أيضًا دورًا في خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. بسبب أن الكولسترول له دور في تراكم تلك البروتينات وفي بنية غشاء الخلية العصبية وفي تشابك خلايا الدماغ، فمن المنطقي أن الكولسترول قد يؤدي دورًا في الإصابة بمرض ألزهايمر».

لذا، من المهم التحكم في نسبة الكولسترول في الدم لا سيما للأشخاص الذين لديهم أليل APOEε4 (نمط جيني) الذي يزيد من خطر الإصابة بمرض ألزهايمر.

يقول بارك: « يُعد البروتين الشحمي ل APOEε4 عامل الخطر الأكثر أهمية للإصابة بمرض ألزهايمر، وقد يؤدي ارتفاع مستويات الكولسترول في مجرى الدم إلى انتقال بروتين APOEε4 في الدماغ وتراكمه، وثم قد يؤدي إلى حدوث التنكس العصبي».

اقرأ أيضًا:

نتائج مفاجئة لدراسة تربط بين الكولسترول الجيد وخطر الإصابة بالخرف

أخطاء تؤثر في مستوى الكولسترول في جسمك حاول تجنبها

ترجمة: حيان الحكيم

تدقيق: باسل حميدي

مراجعة: ميرڤت الضاهر

المصدر