يحذر الخبراء بأن هذا قد يزيد الأزمة المناخية سوءًا، ولكن هل نستطيع تحمل ثمن التغاضي عن إدارة الإشعاعات الشمسية بوصفه نوعًا من هندسة المناخ للشمس؟
يفكر العلماء جديًا بإمكانية حجب إشعاع الشمس، وبدقة أكثر يريدون عكس نسبة ضئيلة من أشعة الشمس التي تصل الأرض إلى النظام الشمسي بطريقة تسمى إدارة الإشعاعات الشمسية، وهي نوع من هندسة المناخ لأشعة الشمس.
فوفقًا لتقرير نشرته لأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب بالولايات المتحدة (NASEM) في مارس 2021 يجب الاستثمار في مزيد من الأبحاث المتعلقة في جدوى إدارة الإشعاعات الشمسية بوصفها وسيلة لمكافحة المناخ، ولكن يُنصح أيضًا بالحذر، لأن هذه الطريقة قد تزيد سوء المشكلة التي تحاول تخفيفها.
مع أن الهندسة الجيولوجية الشمسية قد تقلل آثار الاحتباس الحراري فهي طريقة مثيرة للجدل، إذ يراها بعض العلماء عملية كارثية الاحتمالات قد تزيل السماء وتقودنا إلى واقع بائس، بينما يظن آخرون أن التقرير الأخير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) -الذي أطلق عليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الإنذار الأحمر للإنسانية- يدعو إلى اتخاذ إجراءات صارمة وحلول مبتكرة، وعلينا ببساطة استغلال جميع الأدوات المتاحة.
هل يمكننا تجاهل هندسة المناخ للإشعاعات الشمسية ؟
تتوقع أحدث النماذج أنه دون اتخاذ تدابير استثنائية، قد تتجاوز درجات الحرارة العالمية بحلول نهاية القرن 4 درجات مئوية على قياسات ما قبل الثورة الصناعية، ما يعني أن اتفاقية باريس عام 2015 -التي تهدف إلى الحفاظ على الارتفاع دون درجتين مئويتين- ستكون إخفاقًا لا جدال فيه.
وبحسب تعبير روبرت لاسويل المحرر بشركة سيمبريوس للطاقة المتجددة:
«يجب على أي شخص يقرأ أحدث تقرير عن تغير المناخ من (IPCC) أن يعترف بأننا إما قريبون جدًا أو تجاوزنا بالفعل نقطة لا عودة بخصوص الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى أقل من درجتين مئويتين مقارنةً بمستويات ما قبل الصناعة، ما قد يؤدي إلى أحداث كارثية… ما يعني أنه لا ينبغي استبعاد أي طرح من طاولة المناقشات… والبحث في هندسة المناخ للإشعاعات الشمسية، بدءًا من تحسين دورة كبريت في المحيط وحتى حقن الهباء الجوي في الستراتوسفير، يجب أن ينال تمويلًا كبيرًا الآن، قبل أن تصبح هذه الخيارات ملاذًا أخيرًا عندما يكون قد فات الأوان بالفعل».
ويتفق مع هذا الطرح تقرير (NASEM) الذي يسلط الضوء على أهمية البحث في الطريقة قبل كل شيء، وقد قال كريس فيلد -عالم البيئة في جامعة ستانفورد الذي ترأس لجنة NASEM- في مقابلة مع مجلة فيزيكس تودي:
«نحن في وقت حرج لمعالجة تغير المناخ، ونعلم أنه من الصعب إجراء تغييرات مجتمعية للوصول إلى صفر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتوفر هذه الصعوبة دافعًا مقنعًا لفهم كل الخيارات».
ويبدو أن كثيرًا من العلماء أجمعوا على أنه لا يمكننا ببساطة تجاهل الفوائد المحتملة للهندسة المناخية لإدارة الإشعاعات الشمسية.
قد تفوق مخاطر الهندسة الجيولوجية الشمسية ميزاتها بمراحل
تكمن المشكلة الكبيرة في وجود مخاطر محتملة كبيرة مرتبطة بحجب جزء من ضوء الشمس، فمثلًا، يسلط اتحاد العلماء المهتمين (UCS) الضوء على الخطر الأخلاقي، المتمثل في إمكانية استغلال هندسة المناخ للإشعاعات الشمسية ذريعة لإبطاء الجهود الرامية لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ما يعني أنها ستفشل في القضاء على السبب الجذري للتغير المناخي.
يقول جوشوا بيرس من جامعة ويسترن في مقابلة: «إن الدعوة إلى هندسة المناخ للإشعاعات الشمسية عذر ضعيف ويائس لدعم صناعة الوقود الأحفوري الفاشلة… فلسنا بحاجة إلى هندسة المناخ للإشعاعات الشمسية للحد من تغير المناخ، بل نحتاج ببساطة إلى الابتعاد عن الطريق والسماح للاقتصاد بأن يأخذ مجراه، إذ تعد تكنولوجيا الطاقة الشمسية الكهروضوئية اليوم الطريقة الأسرع نموًا والأقل تكلفة لإنتاج الكهرباء، أما بالنسبة للفحم فهو لم يعد قادرًا على المنافسة اقتصاديًا في إنتاج الكهرباء، وشهدنا إفلاس شركات الفحم واحدة تلو الأخرى».
قال بيرس، الذي نشر دراسة حديثًا تظهر أن استبدال التدفئة باستخدام الغاز الطبيعي بمزيج من أنظمة الطاقة الشمسية والمضخات الحرارية أرخص، وقال:
«إن اعتماد الكهرباء في النقل والتدفئة سيتخطى تحديات المناخ التي نواجهها دون اللجوء إلى الهندسة الجيولوجية الشمسية، خصوصًا مع استيلاء الطاقة المتجددة على أسواق الكهرباء، فقد حان الوقت للتوقف عن محاولة دعم تقنيات الوقود الأحفوري القديمة ويجب تسريع زوالها عوضًا عن ذلك».
ومن المهم أيضًا ملاحظة أن معرفتنا قاصرة كثيرًا في كيفية تأثير الهندسة المناخية للإشعاعات الشمسية في أنماط الطقس الإقليمية، إذ تقتصر معظم الأبحاث حتى الآن على الملاحظات حول تأثير الانفجارات البركانية على البيئة، وقد تُستثمر الملايين في اختبار الطريقة ليخلص العلماء إلى عدم قدرتهم استخدامها بأمان على نطاق واسع.
يوجد عدة طرق لحجب إشعاعات الشمس قيد التطوير
يوجد نهجان رئيسان للهندسة المناخية للتحكم في الإشعاعات الشمسية، أولهما حقن الهباء الجوي الستراتوسفير (SAI)، الذي يتضمن رش الجسيمات العاكسة والهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير من الغلاف الجوي، والثاني جعل السحب البحرية أكثر سطوعًا (MCB)، وفيه يُستخدم ملح البحر لحث تكوين سحب إضافية فوق المحيط.
في يناير 2021، رأينا بيل جيتس يدعم اقتراح علماء جامعة هارفارد لإجراء تجربة لاختبار صلاحية النهج الأول (SAI)، فسماها العلماء تجربة الاضطراب المتحكم فيه بالستراتوسفير (SCoPEx)، وأجّلوا رحلة تجريبية كانت مقررة في هذا العام بسبب احتجاج دعاة حماية البيئة، وإذا حدثت هذه الرحلة فستكلف التجربة نحو 20 مليون دولار، وتهدف إلى إطلاق ما يقرب من 2 كيلوجرام من المواد الكيميائية -سيما الكبريتات وكربونات الكالسيوم- في الستراتوسفير، وفي أغسطس 2021 أعلن باحثون من أستراليا أنهم سيختبرون نوعًا من السحب البحرية ذات السطوع للمساعدة على الحد من تبيض المرجان في الحاجز المرجاني العظيم الناتج عن زيادة الإجهاد الحراري في المنطقة بسبب تغير المناخ. ومع إن الجدل مستمر حول الهندسة المناخية لإشاعات الشمس ناهيك بتحذيرات الخبراء، فإن كثيرًا من العلماء والشركات يواصلون تقديم مقترحات بينما تستمر حرارة الأرض في الوصول إلى درجات قياسية.
اقرأ أيضًا:
العلماء يحذرون: الهندسة المناخية أو التدخل البشري بعمل المناخ ليس فكرة سديدة أبدًا
مخاطر الهندسة المناخية قد تكون اسوأ من تغيّر المناخ نفسه
ترجمة: مي مالك
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: مازن النفوري