حتى الآن، تعد هذه إحدى أفضل الأوقات لدينا؛ عندما يبدأ الأطفال بفهم بعض النكات والأفعال المضحكة. وقد سمح استطلاع آباء سريع وسهل لعلماء النفس بتتبع كيفية تطور حس الفكاهة لدى الأطفال أول مرة، وما يجدونه مضحكًا أكثر. يبدو أن بعض أشكال الدعابة تحدث في عمر بضعة أشهر فقط.
يُطلق على الاستبيان اسم مسح الفكاهة المبكر (EHS)، ويتضمن 20 استفسارًا فقط. أولًا، سُئل آباء الأطفال الذين تقل أعمارهم عن أربع سنوات: هل طفلهم يضحك؟ وهل يقدّر أو ينتج الفكاهة، سواءً كانت لفظية أو ملموسة؟.
بعد ذلك، تتعمق الأسئلة في أنواع معينة من الدعابة، مثل «هل سبق لطفلك أن رأى أي شخص يقوم بهذا النوع من النكات؟». تتضمن هذه الفئات الواسعة من الفكاهة موضوعات، مثل السخرية من الآخرين، مثلًا وصف شخص ما بأنه شخص غريب الأطوار، أو قول أشياء غريبة، أو خلط المفاهيم، أو الهراء، مثل قول، «القطط لها خمسة أرجل».
عندما أجرِي الاستطلاع على نحو 700 من الآباء في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، وجد الباحثون نمطًا لظهور الدعابة وهو نمط واضح ومتسق ومرتبط بالعمر، بصرف النظر عن جنسية الطفل أو مستوى تعليم والديه.
في السنة الأولى من الحياة، قال الآباء إنهم لاحظوا طرائق متعددة يفهم فيها أطفالهم الفكاهة، وأحيانًا ينتجونها بأنفسهم.
قال أكثر من 75 % من الآباء -مثلًا- إن أطفالهم كانوا يضحكون عندما كان عمرهم شهرين فقط. وبحلول سن عام واحد، أبلغ جميع الآباء تقريبًا عن الضحك عند أطفالهم.
عمومًا، وجد المؤلفون أن الأطفال يقدرون الفكاهة قبل أن يبدؤوا بإنتاجها بأنفسهم. بحلول 8 أشهر، مثلًا، قال 97.5٪ من الآباء إن أطفالهم كانوا يضحكون على النكات أو السلوكيات المضحكة، مثل لعب لعبة بيكابو (الاختباء وراء شيء ما ومعاودة الظهور فجأة وقول «بيكابوو»)، أو التعرض للدغدغة، أو رؤية وجه سخيف، أو سماع ضوضاء غريبة.
في وقت لاحق، يبدأ الأطفال بتجربة هذه النكات بأنفسهم. أظهر الاستطلاع أن نحو 50 بالمئة من الأطفال في عمر عام تقريبًا، يتصرفون بطريقة مضحكة، أو يقولون أشياء سخيفة، عادةً عن طريق إظهار أجزاء مخفية من الجسم، أو إساءة استخدام الأشياء، أو المطاردة، أو المضايقة، أو اختراع كلمات غريبة.
في (عمر السنتين الرهيب)، ينتج جميع الأطفال تقريبًا هذه النكات نفسها، متضمنةً أشكال الدعابة الأكثر عدوانية، مثل بصق الماء أو دفع الناس.
في سن الثالثة، يبدأ الأطفال بإنشاء نكاتهم التشبيهية، مثل تقليد أصوات مضحكة، أو تعمد تسمية شيء خاطئ.
تدعم النتائج إلى حد كبير الأبحاث السابقة، التي تشير إلى أن الفكاهة تتطور جنبًا إلى جنب مع مهاراتنا الحركية والاجتماعية واللغوية. ومع ذلك، مقارنةً بأشكال اللعب الأخرى، فإن الدراسات حول فكاهة الطفولة محدودة جدًا.
عندما تفكر في مدى أهمية الدعابة للتفاعلات الاجتماعية البشرية والإبداع والرفاهية، فهذه فجوة كبيرة. يرى الباحثون أن نظام EHS هو الطريقة الأكثر موثوقية حاليًا لقياس هذا المعنى الحاسم في السنوات الأربع الأولى من الحياة.
إذا كان من الممكن تكرار الأنماط المرتبطة بالعمر نفسها بين مجموعات أكبر في مناطق مختلفة من العالم، فقد يكشف الاستطلاع يومًا ما عن جدول زمني عالمي لتطوير الدعابة (إن كان بالفعل موجودًا).
ورغم أن الاستطلاع يبدو موثوقًا عبر الدول الناطقة باللغة الإنجليزية التي جرى اختبارها، فإنه لا يتضمن قائمة شاملة لجميع أنواع الفكاهة، ويأتي مع بعض القيود الرئيسية.
إذ يعتمد الاستبيان فقط على ملاحظات الوالدين حول فكاهة طفلهم، وبينما يعطينا هذا فكرة أفضل عن كيفية استخدام الأطفال للفكاهة بنحو يومي في المنزل، يبدو أنه يختلف عن النتائج في التجارب الأكثر رسمية.
كتب المؤلفون: «على الرغم من أن EHS موثوقة من جهة قابلية المراقبة بين الوالدين، فإن التجارب المخبرية لا تلتقط بالضرورة الفكاهة اليومية التي أبلغ عنها الآباء».
عندما اختبر الباحثون ذاتهم مستوى الفكاهة لدى 84 طفلًا مع خبير تجارب رسمي، لم يتمكنوا من تكرار الجدول الزمني نفسه لتطور الفكاهة كما رأينا في دراسة EHS.
في هذه التجارب، جرت نمذجة 21 نكتة للأطفال، يتخللها 21 (تصرفًا قياسيًا) غير مضحك. مثلًا، كان المجرب يمسك لعبة حصان، ويقول: «الحصان يذهب صهيل! صهيل!»، أو يقولون، «الحصان يذهب واك! واك!»، وهي مزحة.
بعد كل فعل، سواء كان فعلًا قياسيًا أو مزحة، سيطلب خبير التجارب من الطفل أن يجرب الشيء نفسه.
في النهاية، ضحك الأطفال في الدراسة على تجارب الدعابة أكثر من ضحكهم على تجارب القياس. ولكن عندما قام المؤلفون بالتحكم في العمر، لم تكشف النتائج عن جدول زمني واضح.
يمكن أن يتلخص التناقض في حقيقة أن خبير التجارب شخص غريب، وقد يشعر الأطفال بالخجل أو الخوف من الضحك أو المزاح معه، ولكن ستكون هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفصل هذه النتائج المختلطة.
في المستقبل، يأمل الفريق أن يُستخدم استطلاعهم على مستوى العالم لأبحاث الدعابة، ما يسمح لعلماء النفس برصد أنواع معينة من الدعابة، وكيفية استجابة الأطفال لها في مختلف الأعمار.
قد تكشف النتائج أيضًا كيف يمكن للآباء والمعلمين دمج أنواع معينة من الدعابة بنحو أفضل في الدروس والكتب والبرامج التلفزيونية واللعب اليومي.
اقرأ أيضًا:
لماذا يستمتع الكثير منا بالسخرية من الآخرين؟
ترجمة: عمار يوسف
تدقيق: محمد الأسطى
مراجعة: حسين جرود