يوشك العلماء على إطلاق بحث طموح عن “قوة مظلمة” في الطبيعة، إذا وجدت، ستفتح الباب أمام استكشاف ما يحجبه الكون عن الرؤية.
سيسعى البحث إلى الحصول على أدلة لقوة أساسية جديدة تشكل جسرًا بين المادة العادية في العالم من حولنا وبين “القطاع المظلم” غير المرئي الذي يقال إنه يُشكِّل الغالبية العظمى من الكون.
قد تكون فرص النجاح ضئيلة، ولكن إذا وُجدت هذه القوة، فستكون من بين أكثر الاكتشافات دراماتيكيّة في تاريخ الفيزياء. أفضل نظرية للواقع هي أن الفيزيائيين قد يفسرون فقط أن 4٪ من الكون يمكن ملاحظته.
والبقية عبارة عن لغز مكوّن من مادة مظلمة، وهي المادة الغريبة التي تتربص حول المجرات. والطاقة المظلمة المُحيِّرة، وهي مادة يُعتمد عليها في تفسير التوسع المتسارع للكون.
وقال ماورو راجي، باحث في جامعة سابينزا في روما: «في هذه اللحظة، لا نعرف مما يتشكّل أكثر من 90٪ من الكون، إذا وجدنا هذه القوة، فإن ذلك سيغير تمامًا النموذج الذي لدينا الآن.
إنه سيفتح عالمًا جديدًا ويساعدنا على فهم الجسيمات والقوى التي تُشكل القطاع المظلم».
علماء الفيزياء، حتى الآن، لا يعرفون سوى 4 قوى أساسية في الطبيعة.
القوة الكهرومغناطيسية التي تسمح بالرؤية ومكالمات الهاتف المحمول، ولكن أيضًا تمنعنا من الوقوع من كراسينا. من دون ما يسمى بالقوة النووية القوية، فإن الذرات من الداخل ستنهار.
وتعمل القوة النووية الضعيفة في الإشعاع. والجاذبية -الأكثر انتشارًا لقوى الطبيعة- تُبقي أقدامنا متجذرة على الأرض.
لكن قد تكون هناك قوى أخرى مرت دون أن يلاحظها أحد. من شأن ذلك أن يُشكل سلوك الجسيمات غير المعروفة حتى الآن والتي تُشكل المادة المظلمة، ويمكن أن يكون لها تأثير خفي على القوى التي نعرفها أكثر.
في هذا الشهر، سيشغّل راجي وزملاؤه أداةً في المعهد الوطني للفيزياء النووية بالقرب من روما، والتي صُمِّمت لتعقب قوة خامسة محتملة من الطبيعة. تعرف الآلة باسم Padme، من أجل Positron Annihilation في تجربة المواد المظلمة، وسوف تُسجِّل ما يحدث عندما يتم تفريق رقاقة من الماس قطرها 10 ملليمترات مع تيار من جسيمات المادة تدعى البوزيترونات.
عندما تغزو البوزيترونات رقاقة الماس، فإنها تندمج فورًا مع الإلكترونات وتختفي في انفجار طاقة ضعيف.
عادة، تكون الطاقة المنطلقة في شكل جسيمات من الضوء تسمى الفوتونات.
ولكن إذا وجدت قوة خامسة في الطبيعة، فسيحدث شيء مختلف؛ فبدلًا من إنتاج فوتونين ظاهرين، ستطلق التصادمات من حين لآخر فوتونًا واحدًا فقط، إلى جانب ما يسمى “الفوتون الغامق”. هذا الجسيم الافتراضي الفضولي هو الجزء المكافئ لجسيم من الضوء، إنها تحمل ما يعادل القوة الكهرومغناطيسية في الظلام.
على عكس الجسيمات العادية للضوء، فإن أي فوتونات مظلمة منتجة في Padme ستكون غير مرئية لكاشف الجهاز.
ولكن من خلال مقارنة الطاقة واتجاه البوزيترونات التي تطلقها، مع كل ما يخرج، يُمكن للعلماء معرفة ما إذا كان قد تم إنشاء جسيم غير مرئي وحشد كتلته. على الرغم من أن الفوتونات العادية لا تعد ولا تحصى، فإن الفوتونات المظلمة ليست كذلك، وسوف يبحث Padme عن تلك التي يصل وزنها إلى 50 مرة أثقل من الإلكترون.
الفوتون المظلم، إن وُجد، سيكون له تأثير غير محسوس على ما يُشكل العالم الذي نراه. لكن معرفة كتلته، وأنواع الجسيمات التي يمكن أن تنهار فيه، ستقدم لمحة أولية عما يشكل الجزء الأكبر من الكون الذي يتجاوز إدراكنا.
ستستمر تجربة Padme حتى نهاية العام على الأقل، لكن هناك خططًا مؤقتة لنقل الأداة إلى جامعة كورنيل في عام 2021. ومن ثم سيتم توصيلها إلى مُسرِّع جسيمات أقوى من إيطاليا لتوسيع نطاق البحث عن الفوتونات المظلمة.
كما تبحث مختبرات أخرى في جميع أنحاء العالم عن الفوتونات المظلمة.
يشارك بريان ماكينون، باحث في جامعة غلاسكو، في البحث عن الجسيم في منشأة تسريع توماس جيفرسون الوطنية في فرجينيا. «الفوتون المظلم، إن كان موجودًا، فهو في الواقع بوابة، تتيح لنا أن ننظر إلى القطاع المظلم لنرى ما يحدث. لن تفتح الأبواب المغلقة، لكنها ستسمح لنا بإلقاء نظرة بسيطة».
ليس لدى الفيزيائيين فكرة تُذكر عن مدى تعقيد القطاع المظلم، قد لا تكون هناك قوى جديدة لاكتشافها، وقد تكون المادة المظلمة نفسها قد تشكلت بواسطة الجاذبية وحدها وتتكون من نوع واحد فقط من الجسيمات. لكنه قد يكون عالمًا أكثر ثراءً، إذ تنتظر أنواع جديدة من الجسيمات غير المرئية والقوى أن يتم إيجادها.
وفقًا لماكينون، فإن حقيقة أن النظريات الحديثة تترك مجالًا للجسيمات الغريبة مثل الفوتونات المظلمة يعني أن الفيزيائيين يشعرون بأنهم مجبرون على البحث عنها. وقال: «سيكون من المؤكد أنه شيء ضخم في الفيزياء إذا تم العثور على دليل على وجود قطاع مظلم.
في الوقت الحالي، تتم تسميتها على هذا النحو لأنها أشياء لا نفهمها. إذا كان الباب يُمكن فتحه، ما الذي سيخرج؟ هذا هو التخمين في الوقت الحالي».
منذ اكتشاف بوزون هيغز في مصادم هادرون الكبير بالقرب من جنيف عام 2012، لم يكن لدى علماء فيزياء الجسيمات إلّا القليل من الإثارة. لكن ندرة النتائج الجديدة من المرافق الرئيسية عززت الجهود المبذولة في المختبرات الصغيرة لإجراء تجارب طويلة المدى مع دفعات ضخمة محتملة.
ما هي احتمالات أن يجد Padme قوة طبيعية خامسة؟ قال راجي: «نحن نطلق النار في الظلام بكل معنى الكلمة، لكن لدينا على الأقل فرصة».
- ترجمة: مولود مدي
- تدقيق: براءة ذويب
- تحرير: صهيب الأغبري
- المصدر