وضع دايسون Freeman Dyson تصورًا للكون، تُسخِّر فيه الكائنات الفضائية طاقات النجوم وتستخدمها.
وُلد دايسون في إنجلترا عام 1923، وانتقل للولايات المتحدة عام 1947، وقضى أكثر حياته أستاذًا، ثم أستاذًا فخريًّا بجامعة برينستون للدراسات المتقدمة.
أصبح دايسون معروفًا على نطاق واسع منذ أواخر الأربعينيات لأعماله المهمة في مجال التفاعلات بين الضوء والمادة، ثم توسعت أعماله توسعًا ملحوظًا.
ونشر أوراقًا بحثية تضمنت مستقبل الكون، والعمل على أفكار مُبتكرة للمركبات الفضائية العاملة بالطاقة النووية، وطوَّر أفكارًا أخرى عن الرياضيات والفلسفة، ووضع تصورًا لشكل البشر والكائنات الفضائية في المستقبل، وعن احتمالية العيش والحياة العملية في الفضاء.
جاء في نعي معهد الدراسات المتقدمة لدايسون: «أنتج دايسون رؤى علمية ثورية، تضمنت حسابات للربط بين العوالم البشرية وعالم فيزياء ميكانيكا الكم. وله أيضًا إسهامات في العديد من المجالات، مثل الهندسة النووية والفيزياء النظرية والمغناطيسية والفيزياء الفلكية والأحياء والرياضيات التطبيقية».
وقد وُصف نهجه في العلوم بالفضول واسع النطاق.
ذكر دايسون سابقًا في حديثه لجريدة نيويورك تايمز، عن لماذا لن يفوز بجائزة نوبل مثل صديقه ريتشارد فاينمان: «أنا دائمًا أستمتع بما أعمل، بعيدًا تمامًا عن كون العمل مهمًّا أم لا. إن قاعدة الفوز بجائزة نوبل تشترط أن تكرس الكثير من الاهتمام لفترات طويلة، وأن تعمل على بعض المشكلات العميقة والمهمة نحو 10 سنوات أو أكثر، وهذا لم يكن أسلوبي».
تُعَد أكثر أفكار دايسون شهرةً فكرة عُرفت باسم كرة دايسون Dyson sphere، وهي بنية افتراضية قد تبنيها حضارة فضائية متطورة حول نجم كي تحصل على مصدر للطاقة من النجوم.
يربط ذلك التصور بين الخيال العلمي وعلم الفلك؛ إذ توقع بعض علماء الفلك أن نجمًا يقع في مجرتنا، يُظهر سلوكًا معتمًا غريبًا، قد يكون سببه كرة دايسون غير مكتملة (هيكل فضائي ضخم)، ما أثار الجدل في السنوات الأخيرة. لكن تلك الفكرة ثبت خطؤها مقابل تفسير آخر.
عُرف دايسون أيضًا بآرائه الفريدة عن التغيرات المناخية، وهي مفاهيم صرح بها على نطاق واسع في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ومع أنه لم يشكك في أن الانبعاثات التي يسببها الإنسان أدت إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، فقد أبدى إحباطه بسبب كيفية تناول الموضوع، وفق تقرير نيويورك تايمز عام 2009.
أشار دايسون إلى وجود مشاكل أخرى أكثر أهمية، وأبدى شكوكه حول بعض التقنيات التي يستخدمها علماء المناخ لافتراض التأثير المستقبلي للاحتباس الحراري. واقترح فكرة غرس مليارات الأشجار المُعدلة وراثيًّا، لاستيعاب كميات الكربون التي لا تستوعبها الأشجار الموجودة حاليًا، ما يمثل حلًّا للمشكلة. لكن حتى 2020، لم يُزرع أي من تلك الأشجار الضخمة المُعدَّلة وراثيًّا، وما زال كوكبنا يتعرض للتأثيرات المتزايدة لظاهرة التغير المناخي.
كتب عالم الفيزياء روبرت ماكنيس، مشيرًا إلى إحدى أوراق دايسون المنشورة سنة 1979 بعنوان الوقت بلا نهاية Time Without End: «إنها محاورة حقيقية مع الليل الساكن وقد صيغت في ورقة».
في تلك الورقة، اقترح دايسون أنه إذا استمر الكون في التوسع والتمدد إلى الأبد دون أن يهدأ، فإن الحياة لن تنتهي مثلما افترض العديد من الفيزيائيين.
يرى دايسون أنه نظرًا إلى تاريخ الحياة القديم، فقد وجدنا أن الأمر قد استغرق مليون عام لتطور نوع جديد، و10 ملايين عام لتطور جنس جديد، و100 مليون عام لتطور شعبة جديدة، وأقل من 10 مليارات عام لتطور الكائنات البدائية إلى الإنسان العاقل. إذا استمرت الحياة على هذا النمط مستقبلًا، فمن المستحيل وضع حدود للمجموعات المتنوعة التي سوف تنتجها الحياة، فما هي التغيرات التي ستحدث في المليار سنة القادمة؟
يتابع دايسون: «أيُعقل أن تتطور الحياة في المليار سنة القادمة في مسار بعيد عن اللحم والدم؟ هل قد تنشأ سحب سوداء بين نجمية أو أجهزة كمبيوتر ذات شعور؟ تتطلب الحياة الدفء والماء السائل ومصدر طاقة مضمون في الكون البارد، لكن هذا فقط إذا ارتبط الوعي بالجسد. ولما كنت فيلسوفًا متفائلًا، فإني أفترض أن الحياة حرة، وسوف تتطور إلى أفضل تجسيد مادي يلائم أغراضها».
اقرأ أيضًا:
ترجمة: آية قاسم
تدقيق: أكرم محيي الدين