وسائل التواصل تدمر علاقاتنا الاجتماعية – تمشي في الشارع وتصادف صديقًا. بعد تحية سريعة، يهديك الصديق مجاملة ما. ماذا تفعل ردًا على ذلك؟ ستقدم على الأرجح مجاملة ما في المقابل. أو على الأقل، ستقول شكرًا لك.
ترى شخصًا يسقط محفظة على بعد خطوات قليلة عنك في الشارع، تلتقطها بدورك وتسلمها له. سيقول: «شكرًا لك»، فتجيبه: «أهلًا بك».
تشكل المعاملة بالمثل بالنسبة لمعظمنا أغلب تفاعلاتنا الاجتماعية خلال اليوم. فالمعاملة بالمثل تحمل طبيعة لحظية وغريزية. وقد تبين كذلك أن الشمبانزي يستخدم هذه الأداة الاجتماعية، فهي اختراع جيد جدًا. لكن في السنوات الأخيرة، تحول الشرود الرقمي إلى مشكلة اجتماعية.
يوضح كاتب المقال في كتابه Lifescale، إن الكثير من مبدعي المنابر الرقمية درسوا علم النفس. وهدفهم الوحيد التهام المزيد والمزيد من أيامنا. تلاعب مبدعو المنابر الرقمية بالسلوك البشري من خلال تصاميم صنعت للإقناع، تمكنوا هكذا من السيطرة على انتباهنا والذي يُعتبر مصدرًا اقتصاديًا مربحًا للغاية.
انتباهنا هو العملة، فهو ما ندفعه لاستخدام هذه المنصات مجانًا. إنه أيضًا محدود، ما يعني أنه يوجد عرض محدود وطلب كبير. قال ريد هاستنجز Reed Hastings، الرئيس التنفيذي لشركة نتفليكس Netflix، إن المنافس الأول لشركته هو النوم، ويعلق: «ونحن نفوز!».
قضى المؤلف سنوات في وادي سيليكون Silicon Valley مستشارًا حول المستقبل الرقمي لكثير من شركات وسائل الإعلام الاجتماعية، ولاحظ الطرائق التي لا تُعد ولا تُحصى التي يستخدمها القائمون على هذه التقنيات ليزيدوا من إدمان المستخدمين. وقد نجحوا نجاحًا باهرًا لدرجة أنه يوجد مصطلح يعبر عن الخوف من فقدان الهاتف الخلوي، Nomophobia. إحدى الخدع التي تمر دون أن نعيرها انتباهًا هي الاختطاف النفسي للمعاملة بالمثل الاجتماعية.
تحدث التفاعلات في العالم الرقمي بوتيرة غير مسبوقة. يُعجب الأشخاص بمنشوراتك أو يشاركونها ويذكرونك tag you في منشوراتهم. يرسلون إليك طلبات التواصل أو يتابعونك، ويتوقعون منك في الغالب أن تفعل الشيء نفسه في المقابل. تُعرض الإشعارات للأشخاص عندما تقرأ رسائلهم، لذلك قد يعتبروا أنه من الوقاحة ألا ترد بشكل سريع نسبيًا. بعد أن ترد على أحدهم، سترى تلك النقاط المتذبذبة في أعلى المحادثة والتي تدل أن الآخر يكتب لك ردًا، وبذلك تعلم أن المحادثة مستمرة.
يبقيك كل هذا في انتظار وتوقع ويزيد توترك لتبقى منشغلًا، ومستجيبًا، ولتتابع التفاعل وتتفقد رسائلك بشكل متكرر. ذكرت مجلة vice في عام 2017 أن خطوط سناب شات الممتدة الحمراء التي تظهر «عدد الأيام منذ تفاعل مستخدمين معك» جعلت بعض المراهقين يطلبون من أصدقائهم «أن يراقبوا شريطهم» ليتفاعلوا نيابة عنهم عندما يكونون في إجازة.
هذا هو المعيار الجديد. لقد خُدعنا لنعتقد بأننا أكثر تواصلًا، ومعرفةً، وإنتاجيةً وإبداعًا وسعادةً. لكن في الواقع، فإن هذا النوع من المعاملة بالمثل يبتعد عن أعرافنا وقيمنا، ويعيد بناءها بطرائق ضارة. يصف مسؤول تنفيذي سابق في الفيس بوك، ويقول: «لقد أنشأنا حلقات تغذية راجعة قصيرة الأجل معتمدة على الدوبامين تدمر عمل المجتمع».
كلّنا مررنا بتجربة دفعنا فيها ثمن هذه الاستراتيجيات. إن كاتب هذا المقال عاش فترة كان فيها يكافح ضد هذه الاستراتيجيات. فلم يتمكن من التركيز على العمل، وشعر كثيرًا أنه غير موجود بالكامل مع عائلته.
كان مشتتًا تمامًا، وفي حالة انتباه دائم للإشعارات. حاول الكاتب أن يلزم نفسه بعدم حمل الهاتف. لكن في غضون دقائق (أو ثوان)، تراه يتحقق من الصورة التي نشرها صديق للتو على إنستغرام، ويؤلف جوابًا لإعلامه بأنه قد رآها واستمتع بها.
مر عام كامل قبل أن يدرك أنه يجب التوقف مؤقتًا عن كل ذلك. لم يكن يفقد الإنتاجية فقط، ولكن أيضًا شرارة الإبداع وحتى قدرته على الشعور بالسعادة. الأسوأ من ذلك كله، كانت علاقاته في تدهور.
يوصينا المؤلف بخطوتين أساسيتين لمعالجة شعور عقلنا الغريزي بأننا مدينون للأفراد بالمثل في العالم الرقمي:
1- احترم حقك في الابتعاد عن وسائل التواصل والعالم الرقمي:
في عام 2017، منحت فرنسا العمال بشكل رسمي (حق الإغلاق) للبريد الإلكتروني بعد ساعات العمل.
ماذا لو أخذنا هذه الفكرة ووسعناها؟ أي أنه لدينا جميعًا الحق في الانفصال عن قصف الإشعارات. يعني هذا أن لدينا الحق في عدم المعاملة بالمثل بشكل آني في التفاعلات عبر الإنترنت. قد يزيد هذا الحق بتأجيل الردود القوة النفسية للشخص.
2- التركيز على تعزيز العلاقات الواقعية:
الخطوة الأخرى هي التركيز على تقوية علاقاتك مع الأشخاص الأقرب إلى قلبك من خلال تخصيص وقت لهم.
في كتاب Lifescale، يشرح الكاتب الخطوات التي اتخذها للتغلب على الإدمان التقني. إحدى هذه الطرائق هي سرد القيم الأكثر أهمية بالنسبة لك والأفعال التي ستتخذها لتحقيق هذه القيم. فمثلًا تعهد الكاتب كتابيًا بتخصيص وقت للعائلة وليعزز علاقاته دون أية مقاطعات.
عن طريق الانتباه لأن التفاعل عبر الإنترنت يسرق الوقت المخصص للعمل أو للأسرة، سنتعلم التساهل وعدم ضرورة المعاملة بالمثل في الوسائط الرقمية. هكذا نستعيد السيطرة.
في الختام، نعم، قد لا نتفاعل مع بعض الناس بالسرعة التي اعتادوا عليها. وسينزعج منا البعض لتأخرنا بالتواصل معهم. لكن حياتنا الشخصية والمهنية ستصبح أفضل من أي وقت مضى.
ملاحظة من المترجم: إن المؤلف هنا لا يقترح ألّا نرد أبدًا على الأصدقاء في وسائل التواصل الاجتماعي، بل أن نتحكم ونؤجل تفاعلاتنا معهم عوضًا عن التفاعل الآني والمراقبة والتوتر الدائم حول الرسائل والإشعارات. فنستطيع أن نستثمر هذه الطاقات في علاقاتنا الواقعية.
ترجمة إياد الشاعر – تدقيق عون حداد – مراجعة نغم رابي