يبدو أن الجرم -الذي استنتج العلماء سابقًا أنه ثقب أسود يبعد عن الأرض 1120 سنة ضوئية فقط- هو في الحقيقة نظام نجمي ثنائي يمتص أحدهما الحياة من الآخر. بعيدًا عن الإحباط، يمنح هذا الاستنتاج علماء الفلك فرصةً مثيرة لاستكشاف كيفية تطور النجوم «مصاصة الدماء» تلك.
سابقًا، كان اقتراح أن النظام النجمي ربما احتضن ثقبًا أسود، مجرد تخمين اعتمادًا على بعض الافتراضات غير المؤكدة.
افتُرض أن الجسم الكوني (HR 6819) هو جسم وحيد يدور سريعًا، عُرف بالنجم (Be) عندما اكتُشف أول مرة في ثمانينيات القرن العشرين. كشفت نظرة أدق إلى ضوئه بعد عقود أنه حظي بمرافق قريب نسبيًا، يتم دورة كل 40 يومًا.
قال باحثون من المرصد الجنوبي الأوروبي قبل عامين أن حركة النجم Be يجب أن تكون أكثر تذبذبًا، في إشارة إلى وجود كتلة إضافية غير مرئية تضفي ثقلًا إلى النظام. شككت الدراسات التالية في فرضية الثقب الأسود، مشيرةً إلى أن كتلة الشريك قد تكون أقل بكثير من تلك المستخدمة في الحسابات. لن يكون المرافق الأخف وزنًا قادرًا على سحب النجم Be، ما يجعل افتراض وجود جسم ثالث غير مرجح.
مع ذلك، ظلت فكرة وجود ثقب أسود قريب من الأرض جديرة بالاستكشاف، إلى حين استبعادها على الأقل. ضم فريقان من الباحثين -من بينهم علماء من فريق المرصد الجنوبي الأوروبي- جهودهم لجمع المعلومات اللازمة بهدف ترجيح إحدى الفرضيتين على حساب الأُخرى.
كان الفرق الرئيسي بين السيناريوهين مسألة المسافة. حال وجود ثلاثة أجسام -ثقب أسود غير مرئي ونجم نسق رئيسي لامع ونجم Be مشع- فإن المسافة الفاصلة بين الجسمين المتوهجين هي فجوة كبيرة. يتطلب الأمر جزءًا من تلك المسافة لفصل الجسمين حال وجودهما دون جسم ثالث.
قالت عالمة الفيزياء الفلكية أبيغيل فروست، الباحثة الرئيسية من جامعة لوفان: «بلغنا الحدود القصوى من البيانات المتوفرة، لذا لجأنا إلى استراتيجية مراقبة مختلفة لنقرر مسألة الاختيار بين السيناريوهين المقترحين».
تضمن ذلك استخدام التلسكوب الضخم التابع للمرصد الجنوبي الأوروبي، وأداة لمقارنة الضوء موجودة على مقياس تداخل التلسكوب الضخم. وكالمتوقع، لم يُعثر على أي جسم لامع على مسافة 32.61 سنة ضوئية. بل أكد مقياس تداخل التلسكوب الضخم وجود النجوم متقاربة، في نطاق 0.3261 سنة ضوئية فقط.
أي إنه لا حاجة إلى وجود ثقب أسود. إنه فقط نظام نجم ثنائي عادي. ولا يعني ذلك أنه ممل، إذ إن زوجي النجوم في مرحلة قريبة من «التقاعد النجمي»، إذ يستنزف أحد الشريكين الغلاف الجوي للآخر، كأنه مصاص دماء كوني.
قالت فروست: «يُعد التقاط مرحلة ما بعد التفاعل أمرًا صعبًا، نظرًا إلى قصرها، ما يجعل النتائج التي توصلنا إليها مثيرة جدًا، إذ تقدم مرشحًا رائعًا لدراسة كيفية تأثير «امتصاص الدماء» في تطور النجوم العملاقة، وتشكل الظواهر المرتبطة بها، ومنها الأمواج الثقالية وانفجارات السوبرنوفا العنيفة».
اقرأ أيضًا:
اكتشاف جرم تمكن من الهرب من جاذبية ثقب أسود عملاق
ترجمة: ربيع شحود
تدقيق: باسل حميدي