كان هدف الهولنديين من بناء وول ستريت مواجهة الإنكليز ودرء خطرهم ثم تطور ليمثل صرحًا ذو دور مهم جدًا ويصبح أكثر من مجرد مكان في مانهاتن. يمتد وول ستريت لثمانية مجمعات صغيرة في جنوب منهاتن وهو المقر الرئيسي للأسواق المالية الأمريكية، ويُعَد أكثر من مجرد موقع، إذ اختير مصطلحًا يصف مؤسسات الولايات المتحدة المالية وقوتها الاقتصادية وكثيرًا ما صُوِّر بأنه مكان للأشخاص المتهورين والمندفعين والطموحين والمفرطين في كل شيء.
وول ستريت حائطًا خشبيًا:
1652:
في خضم الحروب الأنجلو-هولندية وصلت الأعمال العدوانية بين إنكلترا وهولندا إلى أمريكا الشمالية، خشي المستوطنون الهولنديون في جزيرة مانهاتن –سُميت آنذاك أمستردام الجديدة- من نية الإنكليز مهاجمتهم، ولذلك بنوا سورًا خشبيًا وسيلةً دفاعية.
كلف بناء السور 5000 غيلدار -عملة هولندا- وبُنِي بطول 15 قدمًا من الألواح الخشبية السميكة والرمل، امتد السور 2340 قدمًا بارتفاع تسعة أقدام، احتوى السور على ميزة إضافية وهي المدافع وامتدت بين بوابتين، تقع إحداهما على زاوية وول ستريت وشارع بيرل والأخرى على وول ستريت و برودواي المسماة دي وول ستريت. كان القسم الترابي من السور جزءًا من تحصينات سابقة أنشئَت بغرض صد الهجمات المحتملة للأمريكيين الأصليين والقراصنة، ويُظن أن العبيد هم مَن بنوا السور.
بعد نصف قرن وقع السور ضحية الإهمال وكان من المقرر هدمه إلا أنه رُمِم عام 1693 خوفًا من غزو فرنسي، ثم هُدم في النهاية عام 1699.
13 ديسمبر 1711:
أصبح وول ستريت موقعًا لسوق العبيد أقرته الحكومة في مدينة نيويورك، واستمر عمله حتى عام 1762 مكان إحدى البوابات الأصلية في شارع بيرل، وكان هذا السوق بناءًا خشبيًا وفر للمدينة أموالًا جنتها من الضرائب المفروضة على التجارة الداخلية النشطة.
تجار باتنوود:
17 مايو 1792:
وقَّع تجار الأوراق المالية -الذين كانوا يلتقون ويجرون الصفقات تحت شجرة باتنوود في وول ستريت- اتفاقية باتنوود. كان الهدف منها منع الحكومة والأجانب من الانضمام. كان يجب على أي شخص لم يكن ضمن المجموعة وأراد شراء أسهم أن يفعل ذلك بواسطة وسيط معتمد، أسس الموقعون على الاتفاقية مكاتب في مقهى تونتين على زاوية شارعي وول ستريت و«ووتر». استُخدِم البناء أيضًا مركزًا لتجارة العبيد، أما المجلس فقد انتقل إلى مبنى بورصة التجار في 55 وول ستريت بعد عشر سنوات.
في 16 ديسمبر 1835 اندلع حريق ضخم أتى على 700 بناء في مانهاتن الجنوبية وقُدّرت الأضرار بـ40 مليون دولار، مع أن الحريق لم يخلف سوى قتيلين، عانى وول ستريت خسائر ضخمة في العقارات تضمنت مقهى تونتين ومبنى البورصة.
عام 1837 افتتح سامويل مورس مكتبًا في وول ستريت لعرض اختراعه –التلغراف- وطلب 25 سنتًا رسمًا مقابل عرض الاختراع، بعد مدة قصيرة أقبل الوسطاء على هذا الاختراع وامتلأت المنطقة بأسلاك التلغراف التي تسمح بالتواصل من بُعد.
ظهور مؤشر الأسهم:
طرح إدوارد كلاهان -الذي عمل لدى شركة التلغراف الأمريكية- مؤشر الأسهم عام 1867 في وول ستريت. تميزت هذه الآلات الضخمة ببكرات ذات شرائط ورقية تفصّل المعاملات التجارية، إذ كانت التقارير تُوزَع على الموظفين الذين يرسلونها إلى الكتبة عبر أنابيب هوائية، ثم يرسل الكتبة المعلومات إلى السماسرة عبر التلغراف.
في 5 فبراير 1870 افتُتحَت في وول ستريت أول شركة سمسرة تديرها امرأة. إذ حصلت الأختان المولودتان في ولاية أوهايو فيكتوريا وودهول وتينيسي كلفلين على التمويل اللازم من كورنيليوس فاندربيلت، الذي كان أرملًا حزينًا، استهدفته الأختان عبر جلسات تحضير الأرواح، وكانت تينيسي هي من أوقعت كورنيليوس أخيرًا في حبالها.
قاست النساء كثيرًا حتى استطعن دخول سوق نيويورك للأوراق المالية مباشرة، إذ سُمِح لهن بالخروج من الغرف الخلفية في الأربعينيات من القرن العشرين للعمل في صالة المبادلات التجارية أو ساحة البورصة، وكانت ميوريل سيبرت أول امرأة تحصل على مقعد في بورصة نيويورك عام 1967.
افتتاح بورصة نيويورك:
افتُتِح مبنى سوق نيويورك للأوراق المالية عام 1903 بعد سنتين من البناء في شارع برود 18. صمم المبنى المهندس المعماري جورج .بي بوست الذي تميز بأعمدة وتماثيل مزخرفة على الطراز الكورنثي وتمثال لجون كوينسي آدمز وورد وصالة المبادلات التجارية الرخامية وسقفًا بارتفاع 70 قدمًا، كان مبنى بورصة نيويورك أول بناء بأمريكا يحظى بميزة تكييف الهواء الذي صمم نظامه المهندس ألفريد وولف. ويتضمن البناء مئات الغرف والخزائن المحصنة تحوي شهادات الأسهم والاكتتاب.
تفجير بنك جي. بي مورغان:
انفجرت عربة أمام مكتب الفحص الساعة 12 ظهرًا. كان الانفجار قويًا جدًا لدرجة أن سُمِع دويه في الشوارع وقذف بسيارة إلى الطابق 34 في بناء إيكوتيبل قبل أن تهوي وتتحطم في الشارع، قُتِل 30 شخصًا وأًصيب المئات وماتت العديد من الأحصنة ودُمرَت عدة أبنية، غصت المنطقة بالشرطة وتوقفت حركة التداول مباشرةً.
اعتقد المحققون أن الهدف كان بنك جي. بي. مورغان لأن غالبية الضحايا كانوا من موظفي البنك والطابعين على الآلات الكاتبة الذين يعملون هناك مع أن مورغان نفسه لم يكن في البنك، بل كان في عطلة.
ترك فوضويون مجهولون خطابات ونشرات في صناديق البريد وهددوا بتنفيذ تفجيرات أكبر وثبتت التهمة أخيرًا على جماعة فوضوية إيطالية تُسمى الغاليين، لم ينتج عن التحقيقات التي أجراها مكتب التحقيق واستغرقت ثلاث سنوات أي اعتقالات.
الانهيار المالي 1929:
في 24 أكتوبر ارتفع سوق الأسهم 50% منذ بداية عام 1928، رغم وجود إشارات إلى تراجع الاقتصاد، وتوقعات عالم الاقتصاد روجر بابسون بانهيار سوق الأسهم. وقعت الكارثة يوم الخميس الذي سُمي الخميس الأسود إذ انخفض السوق بنسبة 11%.
في 28 أكتوبر -الثلاثاء الأسود- نتجت حالة من الذعر مع تداول 16 مليون سهم، وفي اليوم التالي خسر السوق 30 مليار دولار، تلا ذلك تعافٍ سريع لكن الضرر كان قد لحق بسوق الأسهم الذي استمر بالتهاوي حتى عام 1932 مع بلوغه أقل مستوى له على الإطلاق.
تطلب تعافي سوق الأسهم فترة الثلاثينيات بالكامل، التي سُميَت الكساد العظيم واتسمت بانتشار الفقر والبطالة.
في 19 أكتوبر 1987 مر وول ستريت بواحدة من أكبر الانهيارات في يوم واحد، إذ بلغ مجموع الخسائر 500 مليار دولار مع تهاوي أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم، كانت الحواسيب في وول ستريت مبرمجة على بيع الأسهم بسعر محدد، نتج عن ذلك ما يُعرف بتأثير الدومينو، إذ صفت الحواسيب آلاف الأسهم ولم يتمكن الموظفون من إيقاف عقد الصفقات، ومنع البرنامج الذي يعمل آليًا عملية الشراء ما ألغى أي مزايدات أو عروض، تلا ذلك إقرار قوانين خاصة تسمح بتجاوز الأنظمة الآلية لتجنب كوارث مستقبلية ومنع حدوثها.
أدت هجمات 11 سبتمبر إلى مقتل 2996 شخصًا وأكثر من 6000 إصابة ودمار برجي التجارة العالمية. منع الدمار والأنقاض جزئيًا الوصول إلى المكاتب المالية التي نجت من الهجمات، وأدى تضرر شبكة الاتصالات إلى إغلاق سوق الأسهم سبعة أيام، تبع الكارثة حركة نشطة في تنمية المنطقة وتطويرها، إذ ظهرت العديد من مشاريع البناء التي كان أشهرها مركز التجارة العالمي.
أزمة الرهن العقاري:
سنة 2008 تعرض وول ستريت لأسوأ انهيار مالي منذ الكساد العظيم، كان سبب الأزمة سوء التعامل مع الرهون العقارية عالية المخاطر ونتج عنها استحواذ الحكومة على بنكي فريدي ماك وفاني ماي، وأشهر بنك ليمان برزرز إفلاسه.
مع التوقعات بأن تشهر بنوك أخرى إفلاسها، أعلن البنك الفيدرالي عن معونة بترليونات الدولارات، تبع ذلك انهيار أسعار المنازل في جميع أنحاء البلاد، وحملة كبيرة في مصادرة المنازل وعمليات حبس الرهن.
في سبتمبر 2011، في ردة فعل لتداعيات الانهيار المالي وكارثة سوق الإسكان، نزل محتجون من حركة «احتلوا وول ستريت» إلى متنزه زوكوتي وأقاموا معسكرًا للفت الانتباه إلى غياب العدالة الاقتصادية والدعوة إلى مقاضاة البنوك التي تسببت في الأزمة المالية، واندلعت احتجاجات أخرى في أنحاء البلاد.
كانت الحركة بلا قائد واعتمدت على مبدأ الفوضى، وبعد إجبارها على الخروج من حديقة زوكوتي في 15 نوفمبر 2011 نقلت الحركة نشاطاتها إلى مواقع أخرى ونظمت مجموعات ناشطة على المدى الطويل، عادت إلى الظهور في أثناء الانتخابات الرئاسية عام 2016.
اقرأ أيضًا:
أزمة الديون اليونانية: كيف انهار اقتصاد اليونان؟
لماذا تعد بورصة وول ستريت مؤثرًا رئيسيًا على الاقتصاد؟
ترجمة : طارق العبد
تدقيق : أحمد الحميّد