من لم يسمع بوارن بافيت، أحد أثرى أثرياء العالم، الذي لم يتزحزح عن لائحة مجلة فوربس للأثرياء؟ إذ تجاوزت ثروته 100 مليار دولار عام 2021. يشتهر وارن بافيت بكونه رجل أعمال وفاعل خير، ولعل أكثر ما يشتهر به بافيت كونه أحد أنجح المستثمرين في العالم. لا شك أن استراتيجيته الاستثمارية أدت إلى ثروة خرافية. يتبع بافيت فلسفة استثمارية وعدة مبادئ مهمة يشاع اتباعها حول العالم، فما أسرار نجاحه؟ يوضح هذا المقال استراتيجية بافيت وطريقة جمعه هذه الثروة بواسطة استثماراته.
وارن بافيت: تاريخ موجز
ولد وارن بافيت في أوماها عام 1930. بدأ اهتمامه في عالم الأعمال والاستثمار وأسواق الأسهم في سن مبكرة، واشترى سهمه الأول عندما كان في الحادية عشرة من عمره. بدأ وارن بافيت تعليمه في كليّة وارتون لإدارة الأعمال في جامعة بنسلفانيا، قبل انتقاله إلى جامعة نبراسكا، حيث حصل على شهادة جامعية في إدارة الأعمال. ذهب لاحقًا إلى كلية كولومبيا للأعمال، حيث حصل على إجازة في الاقتصاد، ومن الجدير بالذكر إن جامعة هارفارد رفضته!
بدأ وارن بافت يعمل موظف مبيعات مطلع الخمسينيات، وأسس شركة بافيت أسوسيتس عام 1956، وبسط سيطرته على شركة بيركشاير هاثاواي عام 1965. أعلن بافيت في يونيو 2006 عن خططه للتبرع بكامل ثروته لصالح الأعمال الخيرية. عام 2010، أطلق وارن بافيت وبيل غيتس حملة التعهد بالعطاء لتشجيع أثرياء العالم على التبرع لصالح الأعمال الخيرية.
أعلن وارن بافيت تشخصيه بسرطان البروستات وشفاءه منه عام 2012. حديثًا، تعاون وارن بافيت مع جيف بيزوس وجيمي ديمون لتأسيس شركة رعاية صحية تعنى بصحة للموظفين، واتفقوا على تعيين الطبيب أتول غواندي، الطبيب في مستشفى بريغهام- مديرًا تنفيذيًا.
فلسفة بافيت
يتبع وارن بافيت مدرسة بنجامين غراهام للاستثمار بالقيمة، يبحث المستثمرون بالقيمة عن أوراق مالية أسعارها أقل من قيمتها الحقيقية. لا توجد طريقة مقبولة موحدة لتحديد القيمة الحقيقية، لكنها غالبًا تُحدد عبر تحليل أساسيات الشركة. مثل من يقتنص الأوراق المالية الرخيصة، يبحث مستثمرو القيمة مثل وارن بافيت عن أسهم يرون أن السوق يقلل من قيمتها، أو أسهم قيمة لا يلاحظها معظم المشترين.
طور وارن بافيت نهج الاستثمار بالقيمة إلى مستوى مختلف كليًّا. لا يتفق العديد من مستثمري القيمة مع فرضية كفاءة السوق، النظرية التي تنص على أن تداول الأسهم دائمًا ما يتم وفق قيمتها العادلة، ما يصعِّب على المستثمرين عملية شراء أسهم بأقل من قيمتها الحقيقية، أو بيعها بسعر أعلى من اللازم، لكنهم يؤمنون بأن السوق سيرفع لاحقًا قيمة الأسهم التي كان سعرها –فترةً مؤقتة- أقل من اللازم.
لا يهتم بافيت بتعقيدات العرض والطلب في سوق الأسهم، في الحقيقة، لا يهتم بأنشطة سوق الأسهم بتاتًا. ما يُعد تطبيقًا لمقولة بنجامين غراهام: »السوق آلة تصويت على المدى القصير، أما على المدى الطويل، فهو أداة وزن».
يراقب وارن بافيت كل شركة على حدة، ويختار الأسهم وفق مقدرات الشركة وإمكانية نجاحها. ويملك هذه الأسهم وفق سياسة طويلة الأمد، فهو لا يسعى خلف الأرباح الرأسمالية، بل خلف حصة من ملكية شركات قادرة على جني الأرباح. عندما يستثمر وارن بافيت في شركة، فلا يهم هل سيرفع السوق قيمتها أم لا، بل المهم قدرة الشركة على جني الأرباح وجودة إدارتها لأعمالها.
منهجية بافيت
يميز وارن بافيت الأسهم الرخيصة عبر الإجابة عن عدة أسئلة، عندما يقيم العلاقة بين سعر السهم وجودته. هذه الأسئلة ليست النقاط الوحيدة التي يحللها وارن بافيت، بل هي تلخيص لما يبحث عنه في استثماراته:
1- أداء الشركة
يُشار أحيانًا إلى العائد على حقوق الملكية بالعائد على الاستثمار لأصحاب الأسهم. ويعبر هذا المؤشر عن معدل ربح الحصة في ملكية الشركة.
يأخذ بافيت العائد على حقوق الملكية في الحسبان دائمًا، لمعرفة هل الشركة متفوقة على الشركات الأخرى ضمن مجال عملها؟ ويحسب العائد على حقوق الملكية بالعلاقة التالية:
العائد على حقوق الملكية = صافي الدخل ÷ الحصة من الشركة
لا يكفي حساب هذا المعدل لعام واحد فقط، بل يجب على المستثمر مراقبته آخر 5 أو 10 أعوام لتحليل الأداء التاريخي للشركة.
2- ديون الشركة
يعد معدل الديون على حقوق الملكية مفتاحًا مهمًا يأخذه وارن بافيت في الحسبان. يفضل وارن بافيت أن يكون حجم الديون قليلًا ليكون نمو الأرباح ناجمًا عن حقوق ملكية المساهمين، وليس عن الأموال المقترضة. يحسب معدل الديون على حقوق الملكية وفق التالي:
الديون على حقوق الملكية = إجمالي المطلوبات ÷ حقوق الملكية
يظهر هذا المعدل نسبة حقوق الملكية والديون التي تستخدمها الشركة لتمويل أصولها، وكلما كان هذا المعدل أعلى، زاد حجم الديون -على حساب حقوق الملكية- التي تمول الشركة. تؤدي الديون المرتفعة مقارنةً بحقوق الملكية إلى تقلب الإيرادات وارتفاع نفقات الفائدة. ولاختبار أدق، يستخدم المستثمرون أحيانًا الديون طويلة الأجل بدلًا من إجمالي المطلوبات في المعادلة السابقة.
3- هامش الربح
لا تعتمد ربحية الشركة على هامش ربح مرتفع فقط، بل على زيادته باستمرار. يحسب هذا الهامش بتقسيم صافي الدخل على صافي المبيعات، وللحصول على مؤشر مفيد لهوامش الربح التاريخية، يجب على المستثمر حساب هذا الهامش لخمس سنوات على الأقل. نستنتج من هامش الربح المرتفع أن الشركة تنفذ أعمالها جيدًا، وتشير الهوامش المتزايدة إلى أن إدارة الشركة بالغة الكفاءة وناجحة في إدارة التكاليف.
4- هل هي شركة عامة؟
عادةً، على الشركة أن يزيد عمرها على 10 سنوات لكي تجذب اهتمام وارن بافيت، لذلك تغيب معظم شركات التكنولوجيا التي أطلقت الاكتتاب العام الأولي العقد الماضي عن حسابات وارن بافيت. قال إنه لا يفهم آليات معظم شركات التكنولوجيا اليوم، وإنه لا يستثمر إلا في مجالات يفهمها تمامًا. يتطلب الاستثمار بالقيمة تمييز الشركات التي تغلبت على عامل الزمن، لكنها مقيمة بأقل مما تستحق حاليًّا.
لا يجب الاستخفاف أبدًا بالأداء التاريخي، فهو يوضح مقدرة -أو عدم مقدرة- الشركة على زيادة قيمة حقوق المساهمين (القيمة السهمية)، من المهم التذكر أن الأداء السابق للسهم لا يضمن الأداء المستقبلي. تكمن مهمة المستثمر بالقيمة في تحديد هل الشركة قادرة على الحفاظ على جودة أدائها السابق؟ لا شك أن بافيت يبرع في هذه المهمة.
فيما يخص الشركات العامة، فإن هيئة الأسواق والأوراق المالية تطلب منهم الإفصاح عن قوائمهم المالية دوريًّا، تساعد هذه الوثائق في تحليل بيانات مهمة للشركة -متضمنةً الأداء السابق والحالي- من أجل اتخاذ القرارات الاستثمارية.
5- الاعتماد على السلع
قد ترى أن هذا السؤال مجرد منهج لتصنيف الشركات، لكن يرى وارن بافيت أنه سؤال بالغ الأهمية. غالبًا، يميل بافيت إلى الابتعاد عن الشركات التي تنتج منتجات لا تختلف عن منافسيها، والتي تعتمد على السلع فقط، مثل النفط والغاز. حال كانت الشركة لا تقدم شيئًا مختلفًا عن الشركات الأخرى ضمن القطاع ذاته، لا يرى وارن بافيت ما يميز هذه الشركة عن منافسيها. ويسمي وارن بافيت أي خاصية يصعب تقليدها بالخندق الاقتصادي أو الميزة التنافسية. وكلما كان الخندق أوسع، يصعب على منافسيها اكتساب حصة سوقية.
6- هل هي رخيصة؟
هذا هو السؤال الأهم، فمن السهل إيجاد شركة تلائم المتطلبات السابقة، لكن تحديد كونها مقيمة بأقل من قيمتها المستحقة هو أصعب ما في الأمر، وهذه أفضل مهارة يمتلكها بافيت.
للإجابة عن هذا السؤال، يجب على المستثمر تحديد القيمة الجوهرية للشركة، عبر تحليل مجموعة من أساسيات الأعمال، مثل الإيرادات والأرباح والأصول. عادةً ما تكون قيمة الشركة الجوهرية أعلى وأعقد من قيمة التصفية، وهي قيمة الشركة حال تصفيتها وبيعها. لا تتضمن قيمة التصفية الأصول غير الملموسة مثل قيمة العلامة التجارية، التي لا يصرح عنها مباشرةً في القوائم المالية للشركة.
عندما يحدد وارن بافيت القيمة الجوهرية للشركة، يقارنها بقيمتها السوقية، وهي قيمة الشركة الحالية. قد يبدو هذا سهلًا، لكن يعتمد نجاح وارن بافيت على مهارته الاستثنائية في تحديد القيمة الجوهرية بدقة. يمكن تلخيص بعض معاييره، لكن لا يمكننا معرفة كيف أصبح محترفًا في احتساب القيمة بهذه الدقة.
الخلاصة
يشبه أسلوب وارن بافيت الاستثماري من يذهب للتبضع بهدف الحصول على بضاعة جيدة ورخيصة لم يلاحظها أحد. ما يعكس سلوكًا واقعيًّا وعمليًّا. يحافظ وارن بافيت على هذا السلوك في مختلف جوانب حياته، فهو لا يسكن في منزل ضخم ولا يجمع السيارات ولا يذهب إلى العمل في سيارة فاخرة. توجد انتقادات كثيرة لأسلوب الاستثمار بالقيمة، لكن سواء أعجبت بوارن بافيت أم لا، تكمن العبرة في النتيجة.
اقرأ أيضًا:
ما الفرق بين الأصول الثابتة والمتداولة؟
كل ما تود معرفته عن إعادة هيكلة الديون
ترجمة: كميت خطيب
تدقيق: لبنى حمزة