توجد صورة نمطية مبتذلة تقول أن النساء يبكين أكثر من الرجال، ورغم أنها ليست صورة مفيدة، فإنها مستمرة، ولكن اتضح أنه قد يوجد سبب بيولوجي وراءها؛ إذ أشارت بعض الدراسات إلى أن المستويات المرتفعة من هرمون التستوستيرون قد تثبط البكاء!
يبدو البكاء عند المرور بمشاعر قوية ظاهرةً مقتصرة على البشر، وفي حين أن حتى حيواناتنا الأليفة قادرة على الشعور والتعبير عن عدة مشاعر، فإنها لا تذرف الدموع مثل البشر.
لطالما واجه العلماء صعوبةً في تحديد أسباب بكائنا، ووصفها بعضهم باللغز، لكن طُرحت مع ذلك بعض الفرضيات، ومن ضمنها أن البكاء الانفعالي يمثل شكلًا من التواصل غير اللفظي أو وسيلة للتخلص من الألم العاطفي. يبدو أن قدرتنا على البكاء ضرورية لضبط مشاعرنا، مثلما أظهرت البحوث لدى أشخاص يعانون اضطرابات طبية تمنعهم من إفراز الدموع.
في الحقيقة، معظم الأفكار التي ترسخت في أذهاننا عن البكاء ليست مبنية على أدلة علمية مقنعة، وعندما بدأ الباحثون بمحاولة حل اللغز البيولوجي وراء سلوك البكاء لدى البشر، لاحظوا مرارًا وتكرارًا أن الرجال يبكون على نحو أقل ومدة أقصر من النساء بالفعل.
لخصت مراجعة بحثية عام 2018 جميع البحوث التي أجريت في هذا الموضوع، ومن ضمنها فرضية قديمة تزعم أن ميل الإناث إلى البكاء ناجم عن هرمون البرولاكتين. استندت هذه الفرضية إلى دراسة على البط، وأجريت بحوث أخرى حديثًا لكنها لم تتوصل إلى أدلة لإثباتها، بيد أن هذا لا يعني أنها لا تستحق المزيد من الدراسة.
تضمنت المراجعة فرضية أخرى، رأى الباحثون القائمون عليها أنها أكثر إقناعًا من الفرضية السابقة، إذ ترجح أن المستويات العالية من التستوستيرون لدى الرجال هي التي تمنعهم من البكاء، عوضًا عن فرضية أن الهرمونات الأنثوية تجعل الإناث أكثر قابلية للبكاء.
لدعم هذه الفرضية، يشير الباحثون إلى تجارب سابقة على الحيوانات عن تأثير الإخصاء أو علاج التستوستيرون في صراخ الاستغاثة لديهم، إذ يمثل صراخ الاستغاثة البديل الأمثل للبكاء لدى الحيوانات، بما أنها لا تبكي.
اتضح أن بعض الملاحظات لدى البشر تدعم هذه الفرضية أيضًا، إذ لوحظ أن معدل البكاء يزيد نسبيًا لدى الرجال الذين يتناولون مضادات التستوستيرون لعلاج سرطان البروستاتا، والنساء المتحولات جنسيًا اللاتي يستخدمن علاجًا هرمونيًا لتقليل مستويات التستوستيرون لديهن.
يقول الباحث آد فينغرهويتس: «يثبط التستوستيرون البكاء، وعند انخفاض مستويات الهرمون، يصبح المرء عاطفيًا أكثر».
قد يبدو اللغز محلولًا بعد أن طرح العلماء هذه الفرضية، إلا أن المسألة ليست بهذه البساطة، على غرار معظم المواضيع في بيولوجيا الإنسان وعلم النفس. فما زال أمامنا الكثير من الأسئلة حول أسباب بكائنا عند شعورنا بالحزن.
ومع أن البحوث تشير إلى أن التستوستيرون قد يثبط البكاء، فلا يمكننا تجاهل العوامل الثقافية والاجتماعية التي ساهمت أيضًا في خلق فجوة بين الجنسين.
مثلًا، وجدت دراسة أن المجتمع أكثر ميلًا إلى تقبل بكاء الرجال الذين يبدون أكثر ذكورية حسب المفاهيم التقليدية، مثل لاعبي الرياضات التنافسية، مقارنةً بنظرائهم الذين يبدون أقل ذكورية.
ما تزال التوقعات الثقافية الذكورية تفرض على الرجال التعبير عن مشاعرهم بأشكال تفصلهم بوضوح عن النساء والأنوثة.
مشيرًا إلى جلسته مع محارب قديم مصاب بصدمة نفسية، يقول الطبيب النفسي مايك غروبر: «حتى عندما يبكي الرجال، قد تقودهم تلك الدلالات السلبية إلى الشعور بالعار والإحراج».
مع الاهتمام المتزايد بحماية الصحة النفسية لدى الأولاد والرجال نظرًا إلى معدلات الانتحار المرتفعة في هذه الفئة، يجب أن نراعي العوامل البيولوجية التي تؤثر في تعبير الرجال عن مشاعرهم، حتى عند سعينا إلى إفساح المجال لهم لفعل ذلك.
اقرأ أيضًا:
دور هرمون التستوستيرون لا يقتصر على العدوانية فقط بل يعزز السلوك الودي والاجتماعي
العلاقة المعقدة بين هرمون التستوستيرون والتفكير الأخلاقي
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: جعفر الجزيري