يواجه الاقتصاد الأمريكي في ظل التغيرات الاقتصادية المتسارعة، مرحلة مفصلية قد تكون بداية مرحلة ركودٍ جديد. ومع التباطؤ الملحوظ في معدلات النمو والتضخم، يتزايد القلق على مستقبل الأسواق والتحديات التي قد يواجهها المستثمرون والاستثمارات على حدٍ سواء.
يظهر هذا التباطؤ في النمو الاقتصادي بصورة واضحة في الانخفاض الملحوظ لمعدلات التضخم والنمو في الأجور. ومع أن الاقتصاد لم “يتجمد” بعد، إلا أن استمرار هذا الاتجاه قد يدفع به نحو حالة من الركود المتزايد، فهل نحن على أعتاب ركود اقتصادي جديد يغير معالم المشهد الاقتصادي العالمي؟
كان سوق العمل الأمريكي في مطلع عام 2022 نشطاً لدرجة توافر وظيفتين لكل باحث عن العمل. وكان بإمكان الموظف إذا خسر وظيفته إيجاد وظيفة أخرى بكل سهولة، وهو ما منع ارتفاع معدلات البطالة. لكن الأمور تغيرت الآن، إذ انخفضت نسبة الوظائف المتاحة إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا، وأصبح من الصعب على من يفقد وظيفته إيجاد عمل جديد، ما يزيد من احتمالية الدخول في ركود اقتصادي.
إن تراجع قوة سوق العمل سينعكس سلبًا على الإنفاق الاستهلاكي، وهو محرك رئيسي للنمو الاقتصادي. فانخفض معدل الادخار الشخصي إلى 2.9% في يوليو، وهو أقل من نصف ما كان عليه في عام 2019. كما تراجعت المدخرات الزائدة التي تراكمت في فترة الجائحة، وزادت معدلات التخلف عن سداد القروض الاستهلاكية إلى مستويات لم نشهدها منذ عام 2010، مما يعزز من احتمالية حدوث ركود في السوق الاستهلاكي.
كما يواجه سوق العقارات السكنية أيضًا ضغوطًا متزايدة. فقد تراجعت ثقة شركات البناء في أغسطس إلى أدنى مستوى لها هذا العام وانخفضت مبيعات المنازل، وانخفض عدد مشاريع وتصاريح البناء، إذ انخفض عدد الوحدات السكنية قيد الإنشاء بنسبة تفوق 8% منذ بداية هذا العام. ومع أن توظيف العمال في قطاع البناء لم يشهد انخفاضاً بعد، فإن استمرار ضعف نشاط البناء قد يؤدي إلى ركود في هذا القطاع.
ويبقى سوق العقارات التجارية تحت ضغط كبير، إذ بلغت معدلات الشغور في المكاتب إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق وهي في زيادة مستمرة. وارتفعت معدلات التخلف عن السداد في قطاعات المكاتب والشقق السكنية والمراكز التجارية والفنادق، ما يزيد من ورود احتمالات الركود في هذا القطاع الحيوي. ومن المتوقع أن تتكبد البنوك الإقليمية التي تعد أحد أهم مصادر تمويل القطاع الاقتصادي المزيد من الخسائر.
النشاط الصناعي يتباطأ أيضًا. فقد انخفض في أغسطس الماضي مؤشر الطلبات الجديدة في قطاع التصنيع إلى أدنى مستوياته منذ مايو 2023، بينما شهدت الطلبات الأساسية على السلع الرأسمالية تراجعًا مستمرًا على مدى العامين الماضيين. ومع أن الإنفاق على البناء تلقى دعماً من الحوافز التي قدمها قانون (تشيبس) وقانون (خفض التضخم)، فإن هذا الإنفاق بلغ ذروته ومن المتوقع أن ينخفض في الفترات القادمة.
لا يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي سيقدم الكثير من الحلول في الأمد القريب. فتاريخياً، دخل الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود بعد أشهر قليلة من بدء الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة، كما حدث في يناير 2001 وسبتمبر 2007. وتشير توقعات السوق إلى أن الفيدرالي الأمريكي سيخفض أسعار الفائدة بمقدار نقطتين مئويتين (2%) في الاثني عشر شهرًا المقبلة. ولكن إذا لم يحدث الركود، فمن غير المرجح أن تنخفض عوائد السندات طويلة الأجل بصورة كبيرة.
حتى وإن قرر الفيدرالي الأمريكي تقديم المزيد من التسهيلات النقدية، فإن تأثيرها لن يكون فورياً، بل سيستغرق بعض الوقت. ومن المتوقع أن ترتفع معدلات الرهن العقاري في العام المقبل مع انتهاء صلاحية الديون العقارية منخفضة الفائدة وأن تُستَبدل بديون ذات فوائد أعلى، ما يزيد من احتمالية حدوث ركود في قطاع العقارات.
إذا دخل الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود، فإننا نتوقع انخفاض معدل السعر إلى الأرباح لمؤشر “إس آند بي 500” من 21 إلى 16 مرة، وأن تتراجع تقديرات الأرباح بنسبة 10% عن المستويات الحالية. ما سيؤدي إلى انخفاض المؤشر إلى 3800 نقطة، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة الثلث تقريباً عن مستوياته الحالية. وعلى الجانب الآخر، فقد تحقق السندات أداءً جيداً، إذ يُتوقع أن ينخفض عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى 3% بحلول عام 2025.
اقرأ أيضًا:
كيف تؤثر الأزمات السياسية في مديري الشركات؟
نحتاج أكثر من عبارة نحن آسفون، كيف يمكن للشركات أن تقدم اعتذارات نصدقها بالفعل!
ترجمة: دياب حوري
تدقيق: وسام صايفي
مراجعة: وئام سليمان