يعد مرض ألزهايمر من الاضطرابات العصبية التي تسبب تدهورًا تدريجيًا في الذاكرة والمهارات السلوكية والاجتماعية، ويُعتقد أن للتقدم بالعمر دور مهم بالإصابة. فهل يمكن أن يساعد العلاج بالرذاذ الأنفي في تأخير ظهور ألزهايمر في المستقبل؟
من المتوقع أن يزداد عدد الأشخاص المصابين بالخرف بمقدار 3 أضعاف عددهم الحالي بحلول عام 2050 أي 152.8 مليون تقريبًا، وبوصفه أكثر أشكال الخرف شيوعًا، يسبب ألزهايمر 70% من هذه الحالات.
تستطيع العلاجات الحالية تخفيف بعض الأعراض، والعلاجات الجديدة المعدلة للمرض ليست متاحة على نطاق واسع. لكن الباحثين طوروا الآن رذاذًا أنفيًا لدى الفئران يبطئ الالتهاب ويزيل تراكم البروتينات في مرض ألزهايمر، ويتوقعون أنه قد يؤخر تقدم المرض مدة تصل إلى 15 عامًا لدى البشر.
تُعد العلاجات بالأجسام المضادة الأحادية، مثل ليكانيماب ودونانيماب، أول العلاجات المعدِّلة لمرض ألزهايمر، إذ تعمل هذه العلاجات على إزالة لويحات البيتا-أميلويد (بروتينات بيتا النشوانية) التي تُعد من السمات المميزة لهذا المرض، ما قد يؤخر الاضطرابات المعرفية. لكن هذه العلاجات باهظة الثمن، وبعض الخبراء قلقون من الآثار الجانبية الخطيرة التي قد تفوق الفوائد العلاجية.
في دراسة جديدة من كلية الطب بجامعة تيكساس، استخدم الباحثون رذاذًا أنفيًا لاستهداف الخلايا الدبقية الصغيرة (المايكروغليا) والخلايا النجمية (الأستروسايت) بوصفها خلايا تسبب الالتهاب العصبي (التهاب الدماغ)، ما أدى إلى تأخير تقدم ألزهايمر في نموذج الفئران. ويقترح الباحثون أنه بعد تأكيد آثار مماثلة لدى البشر، فقد يؤخر الرذاذ تقدم المرض مدة تصل إلى 15 عامًا.
وترى الدكتورة كورتني كلوسكي -بوصفها مديرة المشاركة العلمية في جمعية ألزهايمر- أن نتائج الدراسة مشجعة، ولكن ما زلنا بحاجة إلى مزيد من البحث لتأكيدها، وتقول:
«النماذج مهمة في مساعدتنا على فهم البيولوجيا الأساسية للمرض، لكننا بحاجة إلى دراسات بشرية في مجموعات تمثيلية لتأكيد الأفكار بالكامل. تُعد الخلايا الدبقية الصغيرة في الدماغ خلايا مناعية معقدة جدًا، ويعمل الباحثون لفهم طريقة استجابتها في نقاط مختلفة من المرض وسببها. ومع إن هذه النتائج مثيرة للاهتمام، فنحتاج إلى البحث أكثر وفهم تأثيرات هذا النوع من التدخل في الأشخاص الذين يعيشون مع ألزهايمر أو المعرضين لخطره».
يستهدف الرذاذ الأنفي الخلايا المناعية مفرطة النشاط في الدماغ
تؤدي المايكروغليا والأستروسايت دورًا رئيسيًا في الالتهاب العصبي في مرض ألزهايمر. ففي الأدمغة الصحية تحمي هذه الخلايا الأعصاب وتزيل الأنسجة التالفة، ولكن في حالة ألزهايمر وبعد إزالة لويحات البيتا-أميلويد، تصبح مفرطة النشاط وتدمر الأعصاب.
باستخدام نموذج فئران في المراحل المبكرة من مرض ألزهايمر، أعطى الباحثون رذاذًا أنفيًا يحتوي على علاج مضاد للالتهاب مشتق من خلايا جذعية في الحويصلات خارج الخلوية، وذلك بنية استهداف هذه الخلايا المناعية لتقليل الالتهاب وتقليل تراكم البروتينات الضارة في الدماغ.
تضمنت التجربة تقسيم الفئران بعمر 3 أشهر إلى نوعين، الأولى عادية والثانية متحولة (معدلة وراثيًا لتظهر أعراض مشابهة لمرض ألزهايمر)، وأعطى العلماء الفئران جرعتين من الرذاذ الأنفي المحتوي على العلاج أو رذاذًا وهميًا بفاصل أسبوع واحد. وبعد 72 ساعة من الجرعة الثانية، عملوا على تقييم نشاط المايكروغليا والأستروسايت وأعدادها لدى تشريح أدمغة خمسة فئران. وبعد ثلاثة أسابيع من العلاج الثاني، خضعت باقي الفئران لسلسلة من الاختبارات السلوكية.
كرر الباحثون هذه الاختبارات بانتظام على مدار الشهر التالي لمراقبة الوظيفة المعرفية للفئران بعد العلاج وعملوا على تحليل أدمغتها وتشريحها بعد موتها.
العلاج بالرذاذ يخفض الالتهاب ويحسن الوظائف الإدراكية
في هذا النموذج من الفئران، عادةً ما تُظهر الفئران المعدلة وراثيًا غير المعالجة علامات مميزة لمرض ألزهايمر بعمر الأربعة أشهر ونصف، وتتضمن العلامات لويحات البيتا-أميلويد، وزيادة نشاط المايكروغليا والالتهاب.
بالمقابل، قلت تجمعات المايكروغليا لدى الفئران التي تلقت علاج الرذاذ الأنفي في هذه الدراسة عند هذا العمر، وقلّ أيضًا نشاط الجينات المرتبطة بالالتهاب العصبي، وكان تجمّع اللويحات الأميلويدية لديها أقل من الفئران غير المعالجة.
كانت هذه التأثيرات الالتهابية المنخفضة أكثر وضوحًا في الحصين، وهي المنطقة التي تؤدي دورًا أساسيًا في التعلم والذاكرة وعادًة ما تتأثر بشدة بمرض ألزهايمر.
في الاختبارات السلوكية، أظهرت الفئران المعالجة من الذكور والإناث وظائف إدراكية ومزاجية أفضل من الفئران غير المعالجة. لكن مختص الأعصاب كليفورد سيغيل أكد أن هذه النتائج ما تزال في مراحلها الأولية بالنسبة لعلاجات إزالة اللويحات، وقال:
«لاحظ المشاركون في الدراسة أن الخلايا الجذعية التي تُعطى عبر الأنف قد تقلل من عدد اللويحات لدى مرضى الخرف المرتبط بمرض ألزهايمر، وتوجد أدوية تُستخدم حول العالم حاليًا لتحقيق نفس الهدف. ستحدد المراقبة بعد التسويق إن كانت هذه الأدوية التي تقلل اللويحات تسبب أي تحسينات ملحوظة في الإدراك».
تنظيم خلايا المناعة في الدماغ يزيل اللويحات السامة، لكن هل توجد آثار جانبية؟
قد يؤدي تقليل نشاط المايكروغليا إلى تقليل تأثيراتها المفيدة، لكن لم يُلاحظ ذلك بعلاج الفئران بالرذاذ الأنفي. وفي بيان صحفي، قال مؤلفو الدراسة:
«إعطاء الخلايا الجذعية المشتقة من الحويصلات خارج الخلوية غيّر تعبير الجينات للمايكروغليا كثيرًا، وقلل من البروتينات الالتهابية الضارة المتعددة، دون التأثير في قدرة المايكروغليا على الاستمرار بإزالة تراكم البروتينات المرتبطة بمرض ألزهايمر».
رحب ستيفن ألدر أيضًا بنتائج الدراسة، وبوصفه استشاري أعصاب أشار قائلًا:
«يبدو أن الرذاذ الأنفي ينظم نشاط المايكروغليا بفعالية، فبمنع الإفراط في تنشيط المايكروغليا يقلل الالتهاب الضار بينما يسمح لهذه الخلايا بالاستمرار في إزالة لويحات البيتا-أميلويد المرتبطة بتقدم مرض ألزهايمر. هذا التوازن مهم لأن الالتهاب المفرط قد يؤدي إلى تلف الأعصاب، بينما تُعد إزالة اللويحات ضرورية للحفاظ على صحة الدماغ».
التأثيرات الجانبية المحتملة لهذه العلاجات
قد تنشأ ردود فعل سلبية بسبب تغيير سلوك الخلايا المناعية أو التأثيرات غير المتوقعة في أنواع الخلايا الأخرى أو العواقب طويلة الأمد لتعديل استجابة المناعة في الدماغ. ستحتاج التجارب السريرية إلى مراقبة أي آثار جانبية مرتبطة بالمناعة أو التأثيرات غير المتوقعة في الإدراك.
من المهم أيضًا النظر في آليات مختلفة لتوصيل الأدوية كالتوصيل عبر الأنف كما هو مستخدم في هذه الدراسة البحثية. يجب استكشاف جميع الطرق القائمة على الأدلة لاستهداف العلاج وطرق توصيل الأدوية لمرض ألزهايمر وجميع أشكال الخرف الأخرى.
تتطلع جمعية ألزهايمر إلى مستقبل يتوفر فيه كثير من العلاجات التي تعالج هذه الأمراض بطرق متعددة، ويمكن دمجها في علاجات مركبة فعالة، بالتزامن مع إرشادات نمط حياة صحي للدماغ.
اقرأ أيضًا:
السيلدينافيل (الفياجرا) قد يساعد على تقليل خطر الإصابة بالزهايمر
ترجمة: رنيم قرعوني
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: لبنى حمزة