التوقعات مبشرةٌ بالخير وليست بالقدر السيء الذي ظنناه سابقًا، وفقًا للذي أعدّ الدراسة.
حتّى وقتٍ قريب، اعتقد الأطباء أنّ قلّة قليلة فقط من مرضى الفصام يمكن أن يتعافوا من هذا المرض، لكن بحثًا نرويجيًا نُشِر مؤخرًا أشار إلى أن أكثر من نصف المشاركين في الدراسة من المرضى قد أبلوا بلاءً حسنًا.
وبعد أربع سنوات من العلاج الدوائي، شارف حوالي 55% من الشباب إلى الشفاء جزئيًا أو كليًا، وعشرة بالمئة منهم استغنوا تمامًا عن الأدوية.
تقول البروفيسورة آن كاري تورغالسبوين (Anne-Kari Torgalsbøen) من قِسم علم النفس بجامعة أوسلو: «إنّ وجود نسبة عالية من التماثل للشفاء عند هؤلاء قد أعطى بريقَ أملٍ للتحسن أكثر من أي وقت مضى»، لاسيما وأن هذا المرض ارتبط ارتباطًا وثيقًا بكثير من التشاؤم.
«نتائج هذه الدراسة تعطي الأمل ليس فقط للمرضى وذويهم، بل تعد أيضًا مصدر إلهام لكل من يتعامل مع شباب يعانون من اضطرابات نفسية أيًّا كانت ماهيتها» كما تقول تورغالسبوين.
ب
هلوسة وأوهام
تتخصص تورغالسبوين في علم النفس السريري وتتتبع حوالي 30 فردًا من البالغين الشباب لمدة عشر سنوات.
حيث تُظهر هذه الدراسة حتى الآن كيفية استجابتهم للعلاج خلال أربع سنوات مضت، وقد تمّ نشرها مؤخرًا في مجلة (European Psychiatry Journal).
اعتمدت الدراسة على تجنيد جميع المشاركين فيها في غضون خمسة أشهر من دخولهم المستشفى أو بدئهم العلاج في العيادات الخارجية في حالات الهجمة الأولى للاضطرابات النفسية.
وتذكر البروفيسورة تورغالسبوين إن الدراسة تطلّبت أن تكون الهجمة الأولى من الذهان من طيف الشيزوفرينيا.
تقول البروفيسورة تورغالسبوين: «مرض الفصام يعني أن المريض يعاني من أوهام أو هلوسات خطيرة، وانخفاض كبير في قدرته على العمل»، على سبيل المثال، يعتقد بعض المرضى أن جهازًا تمّ زرعه في ظهورهم أو أن والديهم قد خططوا لتسميمهم.
اعتقد آخرون أنهم كانوا في جحيم دانتي، أو شعروا جسديًا وكأنه يتم تقطيع أذرعهم وفقء أعينهم.
وتضيف تورغالسبوين: «هذه الأعراض تخلق الكثير من القلق ضغطًا عاطفيًا كبيرًا»، أفظع ما يواجهه هؤلاء المرضى شيء عند الإصابة بالذهان هو أنهم لا يستطيعون إخبار أحد لأنهم يكونون قلقين بشأن ردود الفعل التي ستواجههم.
إنهم يخشون أن يُنظر إليهم على أنهم أناس خاسرون ومنحرفون.
بالإضافة إلى أنّ التحيّزات المجتمعية لا تزال تمثل عبئًا كبيرًا، كما عبّر أحد المشاركين عن ذلك: «مدى كفاءة أدائك كشخص له علاقة كبيرة بكيفية معاملتك كشخص».
ب
متابعة عن كثب باستخدام عدة طرق العلاج
تلقى جميع المرضى عدة أشكال من العلاج على النحو الموصى به في المبادئ الصحيّة النرويجيّة.
كجزء مهم من العلاج هو أن يعرف المرضى معلومات عن التشخيص وما يمكن أن يفعلوه في أنفسهم وما يتوجّب على أسرهم فعله للتعامل مع هذا الاضطراب العقلي.
تقول تورغالسبوين: «هذا ما يسمى العلاج النفسي الاجتماعي (psychoeducational treatment)، والذي وفقًا للبحث حقق أفضل النتائج»، إذ شارك المرضى في مناقشات جماعية، وتلقى البعض منهم علاجًا معرفيًا، يتضمن هذا العلاج المعرفي حثّ المرضى على تغيير أوهامهم وكذلك طريقة تفكيرهم في تجاربهم الخاصّة وبمرض الذهان.
تقول تورغالسبوين: «إنهم يحظون بالتدريب على التفكير الناقد حول مدى واقعية أفكارهم».
ب
إعادة بناء المرونة وبناء ذواتهم
تلقى أغلبية المشاركين العلاج المنتظم على مدار عدة سنوات، معظمهم تناولوا مضادات الذهان خلال فترة المتابعة.
كما تلقوا مساعدة في العثور على وظيفة مناسبة، في البداية من خلال مساندتهم في العمل ومن ثم تركهم يعملون بشكل منتظم.
تقول تورغالسبوين أن تركيز البحث كان على دراسة شريحة المشاركين الذين تعافوا بشكل كلّي أو جزئي، وإنّ أحد معايير الشفاء التام هو إيجاد المشارك عملًا منتظمًا.
أجابت إحدى المشاركات التي سُئِلت عمّا وجدته من فعالية للعلاج: «حصلت على مساعدة في بناء نفسي مرة أخرى».
بالإضافة إلى ذلك، قامت تورغالسبوين باستكشاف السمات التي تميز أولئك الذين أصبحوا أصحاء على الرغم من التجارب المزعجة والصادمة التي يسببها الذهان.
تقول تورغالسبوين: «إن المشاركين الذين يتعافون يظهرون قدرًا أكبر من المرونة من أولئك الذين ما زالوا يعانون من أعراضهم الصعبة وقدرتهم على العمل».
المرونة هي سمة نفسية تتعامل مع قدرة الشخص على التكيّف بشكل إيجابي على الرغم من الشدائد، كالإصابة بمرض عقلي خطير، فيمكن للأشخاص ذوي المرونة الجيدة التعامل مع الأزمات والضغوط بطريقة أكثر إيجابية.
لقياس مرونة العمليات النفسية، رد المشاركون في استبيان إلى أي مدى اتفقوا مع عبارات مثل:
- «ليس من السهل تثبيطي بالهزيمة».
- «أنا أعمل للوصول إلى أهدافي، بغضّ النظر عن العقبات التي تجابهني على الطريق».
تقول تورغالسبوين: «لقد اكتسبنا نظرة ثاقبة على العمليات النفسية التي تؤثر على الصحة العقلية في هذه المجموعة، والتي تتعرض بشدة لخطر الفقدان الدائم لمهامها».
وتعتقد تورغالسبوين أن الدراسة تظهر أن الأفراد الذين ينجحون في تخطي المرض ويتطلعون إلى الأمام لديهم فرصة أكبر في استعادة صحتهم.
ب
علاج جديد مستقبلًا
«قد تشير هذه الدراسة إلى نهج جديد في علاج الفصام» كما يقول البروفيسور أستاذ علم النفس البيولوجي في جامعة بيرغن كينيث هوغدال (Kenneth Hugdahl).
ويضيف: «لقد أصابت تورغالسبوين لبّ المشكلة وطرحت أسئلة لم تطرح من قبل، مثل ما الذي يساعد الشخص على بقائه بصحة جيدة، وفي حين ركزت الأبحاث السابقة على سبب عدم تحسن بعض المرضى ولماذا لا يعمل العلاج، قد يكون من الأفضل التركيز على أولئك الذين يتحسنون».
ويقول: «يمكننا أن نتخيّل أن العلاج المستقبلي سيحاول تعزيز قدرة الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات منخفضة من المرونة»، ويضيف: «على أيّة حال، فإن إثبات أن مرض الفصام هو ليس مرضًا عضالًا هو رسالة مهمة جدًا».
العلاج المبكر مهم
لماذا تمكّن أكثر من نصف هؤلاء المشاركين في الدراسة من التعافي بشكل جيّد، على عكس ما أظهره البحث السابق؟
تقول تورغالسبوين: «من المهم التأكيد على أن هؤلاء المرضى تلقوا العلاج مبكرًا، على سبيل المثال، نحن نعلم أن العلاج المعرفي يعمل بشكل أفضل عندما يحصل المريض على المساعدة مبكرًا بحيث لا تجد الأفكار الشاذة طريقًا للوصول».
وتشدد على أننا لا ينبغي أن نقارن هؤلاء المرضى الشباب بأولئك المرضى كبار السن الذين لم يتلقوا نفس العلاج المبني على البحث بشكل مبكر.
عامل مهم آخر هو انخفاض معدل التسرب من الدراسة.
تشير تورغالسبوين إلى أن المتابعة الدقيقة للمشاركين تفسر سبب بقاء المرضى المتعافين ضمن الدراسة.
وتقول: «كنا نجري متابعة مرة كل عام لمدة عشر سنوات ونحصل على نسبة منخفضة من التسرب تبلغ 21% فقط».
تضيف: «لقد فقدت دراسات أخرى الاتصال بهؤلاء الأشخاص، وهو ما أدّى على الأرجح إلى عدم الإبلاغ عن عدد المشاركين الأصحاء تمامًا في الماضي».
هذا يمكن أن يشير إلى أن أساليب البحث السابقة ربما ساهمت أكثر في أخذ الانطباع عن الإنذار السيئ للمرض، خلافًا لسلوكيات وأعراض الفصام.
وتختم تورغالسبوين بالقول: «تظهر هذه الدراسة وغيرها من الدراسات الدولية الجديدة أن مرضى الفصام لديهم فرص أكبر بكثير للتحسن عما هو متوقع».
- ترجمة: د. محمد خالد الحورية
- تدقيق: صهيب الأغبري
- تحرير: كنان مرعي
- المصدر