هل يمكن اعتبار الإدمان مرضًا من أمراض الدماغ؟
هناكَ العديدُ من الأسبابِ الوجيهةِ الّتي تُؤكدُ الأُسُسَ الحيويّةَ لاضطراباتِ تعاطي المخدّرات؛ أهمّها، الأساسُ الحيويّ لهذا المرضِ المُزمن، والّذي يتضمّنُ علاجَ الإدمانِ وتمويلَه، وذلك بالتوازي مع الأمراض “الحيويّة” الأخرى.
وصمةُ العارِ المرتبطةِ بالإدمان تتعلّقُ بشكلٍ مباشر بالمفهوم الذي يُشير إلى أنّ الأشخاصَ الذين يُعانون من اضطرابات تعاطي المخدّرات هم ضُعفاءُ وعديمو الأخلاق، أو أنّهم ببساطةٍ يسعون إلى قضاء وقتٍ مُمتع على حساب المجتمع. يُمكن تخفيضُ نِسبةِ هذا العار عندما نُدركُ أنّ الإدمان يُسبِّب تلفَ الدّماغ بطرقٍ عديدة.
إضافةً إلى ذلك، فإنّ حدوثَ نوعٍ مُعيّنٍ من أنواعِ الإختلالاتِ الوظيفيّةِ للدماغ يمكن أن يُساعدَ في تحديدِ مدى التدخّلاتِ وأساليبِ الحمايةِ الفعّالة. على سبيل المثال، يكونُ الدِّماغُ على درجةٍ عاليةٍ من الحساسيةِ في فترةِ المُراهقة، بالتالي فإنّ التدخُّلَ أثناءَ هذهِ الفترة سيكونُ فعالًا بدرجةٍ كبيرة. ففي حالِ تعرّضَ الدماغُ للمخدراتِ في فترةٍ مُبكّرةٍ من العمر، سيزداد الضّرر الذي يلحقُ به.
نَشرت مجلّة (نيو إنجلاند) الطبيّة مقالةً استعرضت فيها علومَ الدّماغ المُتعلقةِ بالإدمان، من إعدادِ الدّكتورة (نورا فولكاو) وزملائها. سنستعرض أهمِّ النّقاطِ في هذه المقالةِ في ما يلي:
إلقاءُ نظرةٍ على علمِ الإدمان
«مقدّمةٌ في علمِ السَّلوك» من أكثرِ المُقرّرات الكئيبةِ الّتي درستُها عندما كنتُ في الكليّة. اعتقدتُ وقتها أنّ الإرادةَ الحرّة غيرُ موجودةٍ على الإطلاق، لكنّني توصّلتُ لاحقًا إلى أنّ هذا الاستنتاجَ خاطئٌ ومحدود. نحنُ كبشرٍ نمتلكُ قشرةً مخيّةً أماميّةً متطوّرة، تعطينا الإرادةَ والقدرةَ على اختيارِ المسارِ الّذي نريدُه على عكسِ الكائناتِ الأُخرى، كالحمام مثلًا.
عندما أصبحتُ طبيبةً، أدركتُ أنّ الأشخاصَ الذين يُعانون من الإدمان قد جُرِّدوا من حريّتهم الأساسيّة في اختيارِ الحياةِ التي يُريدونَ عيشَها _ضِمن القيودِ الإجتماعيّةِ والإقتصاديّة_. أستطيعُ القولَ بِصراحةٍ، أنّني _ومن ناحيةٍ شخصيّة_ أجِدُ أنّ المُساعدةَ في إعادةِ جُزءٍ من هذه الحرية هي من أكثرِ الأشياءِ المُجزيةِ الّتي أقومُ بها كطبيبةٍ.
إنّ ضعفَ قُدرةِ المُدمِنِ _على التوقّف عن تعاطي المخدرات أو الكحول_ سبَبُها خللٌ في وظيفةِ ذلك الجزءِ من الدّماغ المسؤولِ عن الوظائفِ التنفيذيّة، والذي يُدعى (قِشرةُ الفصّ الجبهيّ). تقومُ قشرةُ الفصّ الجبهيّ بالعديدِ من الوظائفِ الهامّة؛ِ كالمُراقبةِ الذّاتيةِ؛ تأخيرِ المُكافأةِ ودمجِ الأُمورِ الّتي يُخبِرُ العقلُ بأهميّتها مع ما تقولُهُ الغريزةُ الجنسيّة. يرتبط ضعفُ القدرةِ هذا مع الطّريقةِ الّتي يتعاملُ فيها الدّماغُ مع الضّغوطات الّتي تنشأ عندَ حِرمانِهِ من المخدّراتِ المُعتادِ عليها.
تؤدّي هذه الاستجابةُ عادةً إلى تضخيمِ المشاعرِ السّلبيّة مصحوبةً باليأس. إنّ الارتباطَ القويّ بالمنبّهاتِ البيئيّةِ الّتي سبقَ أن تعلَّمها الدماغ _كاشتمامِ رائحةِ البيرةِ في إحدى المباريات، أو رؤيةِ الزّاويةِ الّتي عادةً ما يقفُ فيها مُروِّجَ المُخدرات_ يؤدّي إلى تفاقُمِ الرّغبةِ في الحصولِ على المادّةِ المُخدّرة.
إنّ الموادّ الكيميائيّة الخاصّة بالدماغ والّتي تُدعى بالنواقل العصبية، تُصبحُ مسمَّمةً بسببِ تعاطي المخدّرات. تدفُّقِ هذه المواد _خاصّة مادة الدوبامين_ تُقلِّلُ قدرةَ الدّماغِ على الإحساسِ بمصادرِ المُتعةِ الطّبيعية؛ كإجراءِ مُحادثةٍ جيّدةٍ مع أحدِ الأصدقاء أو الاستمتاعِ بغروبِ الشّمسِ الجميل.
علمُ الدماغِ _الّذي يتعلّقُ بعمليّاتِ الإدمانِ المُشاهَدَةِ والقابِلةِ للقياس_ يساعدُنا في توضيحِ الهدفِ من العلاج. فأدويةُ التّنبيه (كالميثادون والبروبرينورفين) من شأنِها جعلُ الشّهوةِ أكثر استقرارًا إلى أن تعود عملياتُ التّخطيطِ والمنطِق لِوضعِها الطّبيعي.
كيف يمكنُ للشّخص المدمِنِ أن يتجنّبَ المُنبّهاتِ الّتي تُثير الشّهوة؟ كيفَ يمكِنُه الحصولُ على المساعدةِ بشكلٍ موثوق؟
بماذا يفيدُ كلّ ما سبق في التغلُّبِ على الإدمان؟
بالتأكيد، لا يكفي أن نقولَ «لا للإدمان»! فالشخصُ المُدمِنُ يحتاجُ إلى تطويرِ مصادرَ بديلةٍ لتوليدِ المُتعة. أمّا أولئك الّذين يعزلون أنفسَهُم _من أجلِ تعاطي المخدّراتِ دون وجودِ من يمنعُهم_ سيحتاجون إلى العملِ على نحوٍ هادف من أجل إعادةِ اكتسابِ المُتعةِ المألوفةِ لهم؛ كالإنخراطِ في الفعاليّات الإجتماعيّة أو الرياضيّة، مثل السّباحةِ وركوبِ الدرّاجةِ وغيرِها من المصادرِ الصّحيّةِ والمُمتِعة.
إنّ قولَنا بأنّ اضطراباتِ تعاطي المخدّرات تعودُ جميعها لأسبابٍ حيويّة، قد يُعتَبرُ تبسيطًا مبالغًا فيه؛ فهناك أشخاصٌ يملكون خيارَ التوقُّفِ أو تقليلِ التّعاطي، خصوصًا إذا كان هذا الخيارُ مجزيًا أكثر بالنّسبةِ لهم. وهناك أشخاصٌ تمّ تشخيصُ حالتِهم باضطرابِ تعاطي المُخدّرات _أي أنّهم تعاطوا المخدّراتِ أو الكحولَ بشكلٍ غيرِ صحي_ لكنّهم تمكّنوا من الشفاءِ دون الخضوعِ لعلاجٍ رسمي. على أيّةِ حال، كُلّما تحقّقت معاييرُ التشخيصِ أكثر، كُلّما قلّت احتماليةُ حدوثِ ذلك.
إعداد: زينب النيّال
تدقيق: آلاء أبو شحّوت
المصدر