ما هي الجاذبية من دون كتلة؟ سواء في قوانين نيوتن الثورية أو اقتراح آينشتاين للزمكان المتجعد، فقد اعتبرنا الجاذبية دائمًا في نطاق المادة فقط.

الآن، دراسة جديدة جريئة تقترح أن الجاذبية يمكن أن توجد دون كتلة، ما يلغي الحاجة إلى واحدة من أكثر المواد غموضًا في كوننا: المادة المظلمة.

المادة المظلمة هي كتلة افتراضية غير مرئية يعتقد أنها تشكل 85% من إجمالي كتلة الكون. وقد اقتُرح وجودها في الأصل لتفسير كيفية تماسك المجرات رغم دورانها فائق السرعة، لكن لم تُرصد بعد بشكل مباشر، ما دفع الفيزيائيين إلى اقتراح تفسيرات مختلفة وغريبة أحيانًا لتجنب اللجوء إلى هذه المادة الغامضة لسد الثغرات في النظريات الحالية.

أحدث الإسهامات في هذا السياق تأتي من عالم الفيزياء الفلكية ريتشارد ليو من جامعة ألاباما في هنتسفيل، الذي اقترح أنه بدلاً من كون المادة المظلمة هي التي تربط المجرات والأجسام الأخرى معًا، فإن الكون قد يحتوي على طبقات رقيقة تشبه الأصداف من العيوب الطوبولوجية التي تنشأ منها الجاذبية من دون أي كتلة أساسية.

بدأ ليو محاولته لإيجاد حل آخر لمعادلات آينشتاين الحقلية، التي تربط انحناء الزمكان بوجود المادة داخله.

وصف آينشتاين في نظريته النسبية العامة عام 1915: ينحني الزمكان حول حزم المادة وتدفقات الإشعاع في الكون، بناءً على طاقتها وزخمها. وترتبط تلك الطاقة بالطبع بالكتلة في معادلة آينشتاين الشهيرة: E=mc².

لذا فإن كتلة الجسم مرتبطة بطاقته -مما يسبب انحناء الزمكان- وهذا الانحناء للزمكان هو ما وصفه آينشتاين بالجاذبية، وهي درجة أكثر تعقيدًا من تعريف نيوتن للجاذبية في القرن السابع عشر بأنها قوة بين جسمين لهما كتلة. بعبارة أخرى، تبدو الجاذبية مرتبطةً بشكل وثيق بالكتلة.

لكن الأمر ليس هكذا، كما يدعي ليو.

في حساباته، بدأ ليو في حل نسخة مبسطة من معادلات آينشتاين الحقلية التي تسمح بقوة جاذبية محدودة في غياب أي كتلة قابلة للكشف. ويقول إن جهوده كانت مدفوعةً بالإحباط من الوضع الراهن، ألا وهو فكرة وجود المادة المظلمة على الرغم من عدم وجود أي دليل مباشر على ذلك لأكثر من قرن كامل.

يتكون حل ليو من عيوب طوبولوجية على هيئة قشور صدفية الشكل قد توجد في مناطق مضغوطة جدًا من الفضاء ذات كثافة عالية جدًا من المادة.

تحتوي هذه المجموعات من القشور المتحدة المركز على طبقة رقيقة من الكتلة الموجبة داخل طبقة خارجية من الكتلة السالبة. تتعادل الكتلتان مع بعضهما البعض، لذا فإن الكتلة الإجمالية للطبقتين هي صفر تمامًا. ولكن عندما يكون نجم على هذه القشرة، فإنه يتعرض لقوة جاذبية كبيرة تجذبه نحو مركزها.

يقول ليو: «إن مغزى ورقتي هو أن تلك القشور التي اقترحها على الأقل لا كتلة لها. إذا كانت هذه الاقتراحات المثيرة تحمل أي وزن، فلن تكون هناك حاجة لمواصلة هذا البحث الذي يبدو أنه لا نهاية له عن المادة المظلمة».

السؤال التالي هو كيفية تأكيد أو دحض فرضية القشور التي اقترحها ليو من خلال الملاحظات.

قال: «تزايد تكرار مشاهدات تشكيلات حلقية وصدفية للمجرات في الكون يعزز الأدلة على نوع المصدر المقترح هنا»، على الرغم من أنه يعترف بأن حله المقترح هو مغرٍ للغاية ولكن لا يمكن وحده دحض فرضية المادة المظلمة.

يختتم ليو قائلاً: «قد يكون تمرينًا رياضيًا مثيرًا للاهتمام على الأكثر، لكنه هو أول دليل رياضي على أن الجاذبية يمكن أن توجد من دون كتلة».

نُشرت الدراسة في إشعارات شهرية للجمعية الفلكية الملكية.

اقرأ أيضًا:

ما هي طرق تحديد موجات الجاذبية؟

الجاذبية بين نجمين يدوران حول بعضهما؛ ظاهرة كونية تعجز قوانين الفيزياء عن تفسيرها

ترجمة: حمداش رانية

تدقيق: بسام موسى

المصدر