الطحالب متطرفة جدًا لدرجة اعتقاد العلماء أنها قد تنمو على سطح المريخ، إذ تُعد من بين أبرز المُحولات البيئية على الأرض، وتحول الصخور القاحلة إلى تربةٍ خصبة، والآن تقترح مجموعة من العلماء أن هذه النباتات اللاوعائية قد تقوم بنفس الدور على سطح المريخ.

قرار العبث بالتربة على المريخ لخلق موطن ثانٍ لنا هو أمر يستحق المحاولة، فإن عالم البيئة شياوشوانغ لي وزملاءه في الأكاديمية الصينية للعلوم لديهم مرشح يعتقدون أنه قد يكون مناسبًا تمامًا لهذه المهمة.

كان سطح الأرض في السابق غير صالح للحياة، لكن ذلك لم يمنع مجموعة من الكائنات الحية تُعرف باسم bryophytes أو النباتات الطحلبية -التي تشمل اليوم الطحالب وكبدية الأوراق والأشنات- من الخروج من أمان المحيطات الخصبة بحثًا عن آفاق جديدة.

كان نجاح الطحالب يعتمد بالأساس على قدرتها على استغلال وهضم العناصر الغذائية المتسربة من الصخور أو المتدفقة فوقها، ما مكنها من النجاة من ظروف غير مضيافة لأي من الكائنات الأخرى. ومع انتشارها عبر الحدود الصخرية للأرض، كوّنت التربة التي مهدت الطريق أمام كائنات حية أخرى أقل صلابة لتحيا على اليابسة تدريجيًا.

ما يزال هذا الصمود الجيني يخدم الطحالب في جميع أنحاء العالم، ويعتقد الباحثون أننا قد نستفيد من قدراتها المدمجة لاستعمار المريخ، ووضع الأساس لكائنات حية أقل تحملًا، مثل المحاصيل.

على عكس الطحالب الغنية التي قد تتخيلها، التي تعيش حياة سهلة مقارنة بأسلافها، فإن “Syntrichia caninervis” تحتفظ بنمط حياة صارم للغاية. فتزدهر في صحارى الصين والولايات المتحدة، بالإضافة إلى جبال بامير وتبت والشرق الأوسط وأنتاركتيكا والمناطق القطبية.

تعد صحراء “جربانتونغوت” في شمال غرب الصين مركزًا لنمو “S. caninervis”، حيث تنمو بشكل أكثر كثافة هنا من أي مكان آخر في العالم، على الرغم من درجات الحرارة المُتراوحة بين -40 درجة مئوية إلى 65 درجة مئوية ونسبة رطوبة تصل إلى 1.4٪؜.

اختبر العالم لي وزملاؤه هذا الطحلب واستجاباته وتعافيه من الجفاف الشديد، والتجميد المطول (-80 درجة مئوية لمدة 3 أو 5 سنوات، و-196 درجة مئوية لمدة 15 أو 30 يومًا)، والإشعاع (بجرعات تتراوح من 500 إلى 16,000 جراي)، وظروف مشابهة للمريخ في منشأة محاكاة أجواء الكواكب في الأكاديمية الصينية للعلوم (PASF).

وفي محاكاة المريخ، تعرضت النباتات لضغوط تصل إلى حوالي 650 باسكال (Pa)، مشابهة لتلك الموجودة على المريخ المتراوحة بين 680 و790 Pa. ففي الليل، كانت درجة الحرارة -60 درجة مئوية، وخلال النهار، 20 درجة مئوية، وهو ما يعادل الظروف على المريخ في المناطق الاستوائية إلى شبه الاستوائية. وأجروا محاكاة تركيبة الغازات الجوية ومستويات الإشعاع فوق البنفسجي لتكون أقرب إلى تلك الموجودة على المريخ.

لم تكن هناك مشكلة بالنسبة لـ S. caninervis في الجفاف والبرد الشديد. فعادت الحياة إلى جميع النباتات المتجمدة بعد إذابتها، وتعافت النباتات التي كانت جافة قبل التجميد بسرعة أكبر من نظيراتها الرطبة.

في مواجهة مستويات الإشعاع التي تصل إلى 50 غراي، التي تعتبر قاتلة للبشر، لم تومض S. caninervis حتى. بينما عند 500 غراي، بدا أن نموها أخذ في التسارع.

تمكنت الطحالب التي كانت جافة ثم تعرضت لظروف مشابهة للمريخ من التصرف كما لو لم يحدث شيء بعد 30 يومًا فقط من التعافي. بينما استغرقت نظيراتها المائية وقتًا أطول للتعافي، لكنها نجت أيضًا.

كتب الباحثون: «على الرغم من أنه ما زال هناك طريقًا طويلًا لإنشاء موائل مستقلة على كواكب أخرى، فقد أظهرنا الإمكانات الكبيرة لـ S. caninervis كنبات رائد للنمو على المريخ. نحن نتطلع إلى المستقبل، ونتوقع أن هذا الطحلب الواعد يمكن أن يُجلب إلى المريخ أو القمر لاختبار إمكانية استعمار النباتات والنمو في الفضاء الخارجي».

وحتى إذا تبين أن الطحالب على المريخ فكرة سيئة، فإن قدرة S. caninervis على إحياء الأراضي الجافة تمامًا، حتى بعد النجاة من مثل هذه الظروف القاسية، توفر بعض الأمل للحياة على كوكبنا، الذي يبدو أنه أكثر مرونة مما كنا نعتقد.

نُشرت هذه الأبحاث في مجلة The Innovation.

اقرأ أيضًا:

هل يمكن زراعة النباتات على كوكب المريخ ؟

هل يمكننا استصلاح المريخ ؟

ترجمة: زين العابدين بدور

تدقيق: بسام موسى

المصدر