إن بناء محطة فضاء شبيهة بالكوكب أو استنساخ كوكب بأكمله، ليس إنجازًا واقعيًا لنشهده، على الأقل خلال حياتنا. إن استيطان كوكب موجود هو خيار أكثر قابلية للتطبيق.
في أيامنا هذه، يبدو أن الجميع يريد الذهاب إلى الفضاء، حتى أن البعض يريد إنشاء دولة فيه!
مع وجود المخاطر العالمية مثل تغير المناخ والتزايد السكاني والأوبئة الكامنة، من الجيد تجهيز خطة بديلة، هي بلوغ الفضاء واكتشاف أماكن يمكننا بناء مستعمرات فيها بعيدًا عن الأرض.
عادة نرى البشر يعيشون في أشياء بحجم الكواكب في أفلام الخيال العلمي. بدءًا من نجم الموت (Death Star) في سلسلة أفلام حرب النجوم (Star Wars) وصولًا إلى المنشأة الكوكبية في سلسلة روايات دليل المجرة (The Hitchhiker’s Guide To The Galaxy)، المهووسون بالفكرة مثلنا كانوا يفكرون في صنع كوكب صالح للحياة منذ زمن بعيد. السؤال هنا هل يمكننا فعلها؟ وفي حال كان الجواب نعم، فكيف يمكننا ذلك؟
الشروط الأساسية للعيش
حتى نبدأ، لو أردنا السكن في كوكب صناعي، سنحتاج إلى إيجاد مكان مناسب له في الفضاء. يجب أن يكون هذا المكان ضمن نطاق قابل للحياة. هذا يعني أن المدار الخاص بهذا الكوكب الاصطناعي، أو المسافة التي تفصله عن أقرب النجوم، يجب أن يكون ملائمًا فيما يتعلق بدرجة الحرارة ليكون قابلًا للسكن. لو كان الكوكب قريبًا جدًا من النجم، فإننا ببساطة سنحترق من الحرارة، وحال كنا بعيدين جدًا سوف نتجمد بسبب درجة الحرارة المنخفضة. سنحتاج أيضًا إلى مصدر وفير من المياه السائلة، لأنه لا حياة من دون ماء.
إضافةً إلى ذلك، فنحن بحاجة إلى غلاف جوي مع هواء صالح للتنفس، وجاذبية مستقرة شبيهة بجاذبية الأرض، ودورة نهار وليل ملائمة. لو تمكنّا من الحصول على هذه الشروط الأساسية، يمكننا حينها التفكير في بناء كوكب صالح للسكن من الصفر.
يمكن تفسير مصطلح الكوكب الاصطناعي القابل للسكن بطريقتين:
- التفسير الحرفي هو استنساخ كوكب، بتحويل قطعة ضخمة من الصخر إلى شكل كروي، يشبه كواكب نظامنا الشمسي.
- التفسير الآخر بناء قمر صناعي هائل الحجم في الفضاء، أو حتى محطة فضاء كروية، كما في فيلم حرب النجوم، الخيار الثاني لن يكون كوكبًا بالمعنى الحرفي باستثناء شكله الكروي. إضافةً إلى ذلك فهو لن يدور في مدار ثابت حول الشمس، لكنه غالبًا سيدور حول الأرض مثل سائر الأقمار الصناعية.
أي من الخيارين سيكون تحديًا صعبًا للمهندسين والعلماء، لكن الخيار الثاني أكثر قابلية للتطبيق.
محطة فضاء شبيهة بالكوكب
إن بناء محطة فضاء شبيهة بالكوكب أسهل من بناء كوكب عملاق شبيه بالأرض. إن نجم الموت مثلما ظهر في الجزء الرابع من سلسلة حرب النجوم: أمل جديد (Star Wars IV: A New Hope) يبلغ قطره 120 كيلومتر تقريبًا، وهذا يُعد كبيرًا جدًا! إذ إن أكبر محطة فضاء بُنيت قطرها أقل من 0.2 كيلومتر. عندما تقارن محطة كهذه بقطر الأرض الذي يبلغ 12 ألف كيلومتر ستبدو قزمًا أمامها.
للتبسيط لنفرض أن القطر المراد هو 120 كيلومتر، لو صنعنا محطة الفضاء هذه الشبيهة بالكوكب مثلما نصنع حاملات الطائرات، وبنيناها أساسًا من الفولاذ، فنحن بحاجة إلى ما يقارب كوادريليون (10 مرفوع للأس 5) طن من الفولاذ. حتى مع التقدم التقني، فإن الحصول على هذه الكمية في وقتنا الحاضر سيستغرق أكثر من 800 ألف سنة، لإنتاج الفولاذ وحده! في الوقت الحاضر نحن قادرون على إنتاج 1.8 مليار طن من الفولاذ سنويًا حول العالم.
الحل الوحيد للحصول على المواد الخام لبناء مثل هذه المحطة هو الحصول عليها من الفضاء نفسه، وليس الاعتماد على موارد الأرض. سنحتاج إلى تنقيب الكويكبات، بل ربما القمر لتحقيق ذلك. في الواقع، الكثير من الشركات تعمل على هذه الفكرة، والعديد من الدراسات جارية حول الموضوع.
بافتراض أننا تغلبنا على هذا التحدي اللوجستي بطريقة ما وحصلنا على المواد الخام، سنكون بحاجة إلى روبوتات متطورة -قادرة على العمل في الجاذبية المنخفضة- لبناء الجرم الكروي الذي سنسكنه.
سنحتاج إلى بناء محطة فضاء شبيهة بالكوكب تمتلك جاذبية شبيهة بالجاذبية الأرضية، لأن أجسامنا ستُشتت من دون جاذبية. رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية الذين يذهبون في مهمات طويلة عادةً ما يواجهون نقصًا في كتلة العظام وانخفاض ضغط الدم، ومشكلات صحية أخرى يسببها ضعف الجاذبية.
مع أن فكرة بناء محطة فضاء شبيهة بالكوكب تبدو رائعةً، فهي على الأغلب ستعاني ضعفًا في الاستقرار. لتبقى الأمور مستقرة، ستحتاج إلى الكثير من الصيانة الدورية، لنُكوّن على الأقل حضارة من النوع الأول حسب مقياس كارداشيف. وفقًا لبعض العلماء، ما زالت بضعة قرون تفصلنا عن تحقيق ذلك.
إذن ماذا عن بناء كوكب متكامل؟
استنساخ الكوكب
مارك هيمبسيل، مهندس طيران يعمل لصالح شركة الفضاء البريطانية الخاصة «ريآكشنز إنجنز»، توصل إلى دراسة متكاملة حول إمكانية بناء كوكب مستنسخ. وقد نشر عمله في صحيفة (Journal of the British Interplanetary Society).
يرى هيمبسيل أنه ليس من الضروري استنساخ الأرض بحجمها الأصلي، وأن بناء نسخة أصغر سيكون كافيًا. وفقًا لحساباته، فإنه لتحقيق جاذبية شبيهة بجاذبية الأرض على كوكب اصطناعي، يستطيع المهندسون وضع عُشر كتلة الأرض في شكل كروي قريب من حجم القمر. للتبسيط، تُعد كتلة الأرض 5842 كوينتيلون طن (5.9×10 مرفوع للأس 24 كغ) وقطر القمر 3474 كيلومتر. هذا هجم هائل لصخرة نُحضرها، لكن يقترح هيمبسيل كيف يستطيع المهندسون محاكاة الطبيعة لصنع الكوكب.
محاكاة الطبيعة
تشكلت الكواكب الصخرية مثل الأرض من بقايا مواد جاءت من الشمس حين ولادتها. اندمجت هذه البقايا معًا، وتجمعت الأجزاء والكتلة على مدار ملايين السنين حتى تشكل الكوكب الملائم. يعتقد هيمبسيل أنه يمكننا محاكاة عملية الطبيعة في بناء الكواكب، لكن بصورة أسرع.
لتسريع العملية، يقترح هيمبسيل أننا بحاجة إلى بناء منشأة اندماج متطورة قرب الشمس، إذ يمكن تجميع المواد التي سنحتاج إليها لإنشاء الكوكب الجديد. العناصر الكثيفة مثل الأوزميوم والأيريديوم والبلاتينيوم ستكون خيارات جيدة لبناء الكوكب. وفقًا لهيمبسيل يمكن وضع طبقات من هذه العناصر فوق بعضها وتركها لتبرد.
في الوقت الحاضر، الطريقة الوحيدة المعروفة للبشرية للحصول على هذه العناصر هي عبر الانفجارات النووية الحرارية للسوبر نوفا. ربما سنحتاج -لنطور النوع الثاني من الحضارة على مقياس كارداشيف- إلى بناء مفاعل اندماج نووي بهذه القوة.
وإن استطعنا تسريع بناء الكوكب بهذه العملية، سيستغرق بناء كوكب بهذه الطريقة آلاف السنين، وفقًا لهيمبسيل.
الاستصلاح بديل أفضل
بدلًا من هاتين الفكرتين الرائعتين، يوجد خيار إضافي: استيطان الكواكب والأقمار عبر استصلاحها.
في هذه الطريقة، لسنا بحاجة إلى بناء كوكب من الصفر. كل ما نحتاج إليه هو معالجة كوكب أو قمر لجعل بيئته صالحة للحياة. مثلًا، يمكننا عمل تفجير نووي على المريخ لتدفئة غلافه الجوي إلى الحد المطلوب، ثم البحث عن طريقة لإحاطة هذا الكوكب بغلاف جوي شبيه بغلاف الأرض. العديد من الباحثين يعتقدون أن هذه العملية قد تكون ممكنة خلال بضعة عقود.
إذن، فكرة بناء كوكب من الصفر ملائمة بوصفها حبكة خيال علمي. لكن في الواقع، ليس ذلك ممكنًا، على الأقل في المستقبل القريب. قد نستوطن المريخ أو القمر خلال عقود قليلة، هذا أيضًا سيكون عملًا بطوليًا للبشرية، وخطوة جديدة في مستقبلنا الكوني!
اقرأ أيضًا:
كم يستطيع القمر أن يستوعب من البشر ؟
إيلون ماسك يخطط لإسقاط قنابل نووية على المريخ
ترجمة: حسين عباس
تدقيق: تسبيح علي
مراجعة: أكرم محيي الدين