مما لا شكّ أن العديد من الأزواج قد شعروا بتأثير التباعد الاجتماعي والحجر الصحي خلال الظروف الراهنة، إذ يمكن أن تتحول أصغر النقاشات إلى مشكلات كبيرة عند تواجدك في البيئة الضيقة نفسها على مدار الساعة دون الحصول على فترات الراحة التي تصبح فيها لوحدك بفضل روتين حياتك ما قبل الحجر.
تكون في المطبخ تُعدّ وجبة العشاء، فجأةً تسمع شريكك يتحدث عن عدم كفاءتك في إعداد الوجبة التي اعتدت على تحضيرها مرارًا وتكرارًا، ليبدأ شعورك بتدخله في كل صغيرة وكبيرة ورؤية تعليقه من منظور دفاعي، بدلًا من إدراك رغبة الشريك الحقيقية في تقديم المساعدة.
وفقًا لسيلين هينيكنز وزملائها في جامعة خنت عام 2020، أظهر بحث سابق افتقار الشركاء بصورة ملحوظة إلى المواجدة السليمة، أي القدرة على استنتاج أفكار الشريك ومشاعره، إذ تبلغ وسطيًا نسبة الشركاء المتزوجين الذين يتمتعون بهذه المهارة نحو 30-35٪ فقط، فلا عجب أن النقاش حول إعداد العشاء قد أدى إلى الشعور بالاستياء والانزعاج.
تشير هينيكنز وزملاؤها إلى تأثير «غلبة المشاعر» على قدرتك عمومًا على قراءة أفكار الشريك ، إذ تؤثر مشاعرك السلبية أو الإيجابية تجاه علاقتك على تفسيرك للموقف؛ إذا كنت غير راضٍ عن علاقتك، فمن المرجح افتراض رغبة شريكك في إحداث ألم عاطفي، ما يحرف قراءتك السليمة عن مسارها الصحيح ومن ثم يخلق المزيد من النزاعات. على المقلب الآخر، إذا شعرت أنك في علاقة صحية وطيبة مع الشريك، فإن احتمالية تعاملك مع الأمور بطريقة خاطئة سوف تقلّ بصورة ملحوظة.
بغض النظر عن السبب، لا تقتضي النسب المنخفضة من المواجدة السليمة بالضرورة دمار مستقبل علاقتك. تقول هينيكنز وآخرون: «تحدث الخلافات والنزاعات عادةً في العلاقات الحميمية، ومع أن النزاع يشكل تهديدًا للعلاقة أحيانًا، لكن يمكن أن يُنظر إليه أيضًا كفرصة للتوفيق بين الأهداف أو الآراء أو الاهتمامات المختلفة للشركاء» (ص 104).
تقلل الإحصائيات المتعلقة بالمواجدة السليمة من قدرة الأزواج على أن يصبحوا قراءً أفضل لعقل الشريك، لكن يمكن لحقيقة استمرار العديد من العلاقات لفترة زمنية طويلة أن تبرهن صحة آراء الباحثين، وأن تثبت إمكانية تعليم الشركاء قراءة العقل. علاوةً على ذلك، قد تختلف مهارات طرفي العلاقة أيضًا في قراءة العقل، فربما أخطأت أحيانًا في تخمين أفكار شريكك ودوافعه، لكن ربما صحّت توقعاتك في مناسبات أخرى، ومن ثم لم يحصل أي جدال، أي علمت بصورة دقيقة أفكار شريكك، ونتيجةً لذلك شعر كلاكما بازدياد الحميمية والمودة بينكما.
يؤمن الباحثون البلجيكيون بإمكانية اكتساب الشركاء نظرةً أعمق عندما يتعلق الأمر بالمواجدة السليمة بدلًا من اعتبارها حالة نجاح / فشل، وذلك عن طريق استخدام معايير معتمدة على التفاعل اللحظي. لاختبار هذا النهج، استقطب فريق البحث عينةً من 316 زوجًا من الشركاء المتزوجين أو الذين يسكنون سويةً (جميعهم من جنسين مختلفين) لمدة وسطية قدرها 12 عامًا (متوسط العمر 36 عامًا). بدأت مهمتهم في قراءة عقل الشريك من خلال تفاعل لحظي تضمن مناقشة الأزواج أحد نزاعات علاقتهم خلال تسجيل فيديو. استمر النقاش لمدة 11 دقيقة ضمن المنطقة المحايدة للمختبر.
جلس كل شريك بعد المناقشة مباشرة أمام حاسوب محمول عرض النزاع الذي سُجّل. جرى إيقاف التسجيل مؤقتًا كل 90 ثانية، وطلب الباحثون من المشاركين في كل توقف كتابة الأفكار والمشاعر المحددة التي راودتهم في تلك اللحظة تحديدًا، وتقييم مستوى التهديد الذي تسبب فيه التفاعل للطرفين وللعلاقة ككل.
حصل الباحثون عبر عدد ضخم من النقاط البيانية على مجموعة كبيرة من فئات مُحتملة من قراءة الأفكار المستنبطة من ردود المشاركين المكتوبة. تضمنت الفئات الرئيسية من الردود المكتوبة تقييمًا لكل من الذات والشريك وطرفي العلاقة كزوج (ما إذا كان رد ما قد مثل شكوى مثلًا) وتقييمًا للمشكلة نفسها (ما نُوقش بالفعل) وآراءً حول العملية (مثل المقابلة والفهم والمشاركة البناءة).
تمحورت نصف أفكار المشاركين تقريبًا خلال التفاعل حول تقييم العملية، أي أنهم مالوا إلى التفكير (مع الاعتقاد أن الشريك يقوم بالأمر نفسه) بكيفية سير الأمور، بينما تضمنت ثلث الأفكار التي ذكرها المشاركون المحتوى الفعلي للمسألة التي نوقشت. أخيرًا، تناول نحو 10% فقط من جميع التقييمات تقييمًا لسلوك الشريك. يمكن القول عمومًا إن معظم المشاركين قد فكروا في أنفسهم بدلًا من التفكير في الشريك خلال تقييمهم للتفاعل.
أثّر انحياز الفرد نحو التفكير في نفسه بدلًا من شريكه بصورة سلبية على الطريقة التي نظر فيها إلى التفاعل، إذ رأى المشاركون في أفكارهم نهجًا بناءً عند مناقشتها، لكنهم تصوروا وجود نزعة للانفصال أو المواجهة عند التفكير فيما يدور في ذهن الشريك. ينسب الأفراد لأنفسهم الدوافع الإيجابية والنهج الساعي إلى حل المشكلات مقارنةً بالطريقة التي ينظرون فيها إلى شركائهم.
ماذا عن نوعية قراءة العقل؟
أعاد الباحثون تصنيف بيانات التفاعل إلى فئات مختلفة عن الفئات السابقة، وذلك بالاعتماد على الاختلاف المطلق بين أفكار كل من الشريك (أ) والشريك (ب). برز التأثير الأكبر لأخطاء قراءة العقل -بناءً على هذا التحليل- عندما استنبط الشركاء استنتاجات خاطئة حول مشاعر شركائهم (الإيجابية أو السلبية أو المحايدة) استنادًا إلى أفكارهم. أظهرت الأخطاء المتعلقة بالعملية ارتباطًا ضعيفًا بنتائج المواجدة السليمة الإجمالية لدى الأفراد، على الرغم من حقيقة تفكيرهم بالعملية أكثر من أي شيء آخر خلال المناقشة الفعلية.
وبناءً على ذلك، من المرجح أن تكون قارئ أفكار ضعيفًا في حال اختلاف تركيزك خلال التفاعل عن تركيز شريكك. بالعودة إلى المثال الأول، يفكر شريكك في مساعدتك في إعداد الطعام، لكنك تفكر في مدى انزعاجك من تدخله، بعبارات أخرى، إذا اعتقدت أنك صاحب النهج البناء، وأن شريكك يقوم بإفساد الأمور عبر نهجه السلبي، فإن قدرتك على قراءة الأفكار سوف تضعف. لا ننسى أن الأمور تزداد سوءًا عندما تستسلم لغلبة المشاعر، ما يجعل تصوراتك رهن حالة رضاك عن العلاقة أو استيائك منها.
قد تمثل إجراءات الدراسة نفسها الخطوات التي تحتاج اتباعها لتحسين قدرتك على قراءة أفكار شريكك ، خاصة عند التواجد معه بصورة شبه مستمرة. اجلس مع شريكك خارج أوقات الجدال، وسجّل محادثتكما الخاصة حول إحدى المشكلات المزمنة في العلاقة، ثمّ شاهدا التسجيل ودوّنا أفكاركما ومشاعركما الخاصة وقارنا الملاحظات المدونة. سوف تنمو عبر هذه الطريقة القدرة على تتبع المسار الخاطئ للأمور واكتساب نظرة ثاقبة تخوّلكما تجنب ثغرات مماثلة خلال قراءة عقل الشريك في المستقبل.
في الختام، يمكن القول إن قراءة العقل مهارة يمكنك تعلمها. قد يتطلب الأمر بعض الجهد لبناء المواجدة السليمة، لكن سوف تحصد ثمارها في علاقتك مع الشريك على المدى الطويل.
اقرأ أيضًا:
هل حان الوقت لاختراق العقل وقراءة الأفكار؟
قراءة الأفكار… علم، وليس مجرّد خدعة سحرية!
ترجمة: حسام نواف شبلي
تدقيق: سلمى توفيق
مراجعة: صهيب الأغبري