ظهرت دراسة جديدة في الأسبوع الماضي حول متسوّقين يتساءلون ما إذا كان الأمر يستحقّ دفع المزيد مقابل الغذاء العضوي الخالي من المبيدات.
وجد البحث الذي نُشِر في JAMA Internal Medicine أن الأشخاص الذين اختاروا تناول المزيد من الأطعمة العضوية على مدار أربعة أعوام ونصف لديهم معدّلات أقلّ من السرطان، وعلى وجه الخصوص اللمفوما وسرطان الثدي بعد انقطاع الطمث.
ولكن في حين أنّ هناك علاقة متبادلة بين تناول الأطعمة العضوية وانخفاض معدلات الإصابة بالسرطان، فإنّ ذلك لا يعني بالضرورة أنّ واحدًا قد تسبّب بالآخر.
من المرجّح أن يكون الأشخاص الذين يختارون الأطعمة العضوية أكثر صحّةً وثراءً وأفضل من ناحية التعليم وجميع العوامل المعروفة بأنّها تلعب دورًا في خطر الإصابة بالسرطان.
وكما لاحظ الباحثون، فإنّ هذه الدراسة هي الأولى من نوعها.
يجب تأكيد النتائج في دراسات أخرى قبل اقتراح الغذاء العضوي كاستراتيجية وقائية ضدّ السرطان.
ومع ذلك، وجدت الأبحاث السابقة أنّ تناول كميات أكبر من الفاكهة والخضروات والحبوب الكاملة – مهما كانت ناضجةً – وتخفيف استهلاك اللحوم الحمراء والمصنّعة يمكن أن يقلّل من خطر الاصابة بالسرطان.
لذا، إذا لم تكن ترغب في شراء منتجات عضوية أو لا تستطيع تحمّلها، فلا بأس بشراء الأطعمة النباتية التقليدية، خاصة إذا كان هذا يعني أنّك تأكل المزيد من الفاكهة والخضار.
كيف أُجرِيَ البحث؟
كان هذا البحث جزءًا من دراسة NutriNet-Santé الفرنسية وشمل ما يقرب من 70،000 متطوّعًا كانوا غير مصابين بالسرطان.
في بداية الدراسة، قُيِّم النظام الغذائي لكل المشاركين على أساس المبادئ التوجيهية الغذائية الفرنسية واستهلاكهم للطعام والشراب، وكان قد سُجِّل في ثلاث لقطات على مدار 24 ساعة لمدة أسبوعين.
بعد شهرين من الدراسة، طُلِبَ من المشاركين تقديم معلومات محدّدة حول استهلاكهم لست عشرة فئة من الأطعمة المصنّفة كأطعمة عضوية.
ويشمل ذلك الفواكه والخضروات والمنتجات القائمة على الصويا ومنتجات الألبان واللحوم والأسماك، وما إلى ذلك.
ثمّ أُعطي المشاركون «درجة الغذاء العضوية»، إذا اختاروا الأطعمة المنتَجة عضويًّا في جميع الفئات كاملةً، فسوف يحصلون على 32 درجة كحدٍّ أقصى.
قُيِّمت صحة جميع المشاركين في كلّ عامٍ ورُوقِبوا لفترة متوسّطها 4 سنوات ونصف، عندما كانت تظهر أيّة حالات سرطانية، يتمّ تأكيد التفاصيل بشكل مستقلّ مع المستشفى الخاصّة بكل فرد أو طبيبه المعالج.
ماذا وجدوا؟
تراوحت درجات الطعام العضوي للمشاركين من 0.7 إلى 19.4. واستُخدِمت هذه الدرجات لتقسيم المجموعة إلى أرباع متساوية.
وكان خطر الاصابة بالسرطان أقلّ بنسبة 25% لدى أولئك الذين حصلوا على أعلى درجة من الغذاء العضوي.
وأكثر هذه السرطانات هي سرطان الثدي (وخاصة في النساء بعد سن اليأس) واللمفوما (وخاصة لمفوما لا هودجكين).
لم تظهر أيّة علاقة مع سرطان البروستات أو القولون والمستقيم، على الرغم من الفترة الزمنية القصيرة نسبيًّا التي تجعل ظهور التغييرات غير مرجّح.
ما الذي يجب أن نأخذه بعين الاعتبار؟
كما أظهرت الدراسات السابقة مع هذه المجموعة، يميل الأشخاص الذين يختارون المنتجات العضوية إلى الحصول على دخل أعلى ومستويات أعلى من التعليم ونُظُم غذائية أكثر صحة، لذلك حدّد الباحثون هذه العوامل.
وأجرَوا تعديلاتٍ لعواملَ أخرى يمكن أن تؤثّر على النتيجة: العمر والجنس والشهر الذي أدرج فيه المشاركون في البرنامج، والحالة الاجتماعية، والنشاط البدني، وحالة التدخين، وتناول الكحول، والتاريخ العائلي للسرطان، ومؤشّر كتلة الجسم، والطول، واستهلاك الطاقة، وتناول الألياف الغذائية وأيضًا اللحوم الحمراء والمصنّعة.
بالنسبة للنساء (اللواتي يشكّلن 78% من مجموعة الدراسة)، فقد أضافوا أيضًا عدد الأطفال لديهنّ، واستخدام وسائل منع الحمل الفموية، وحالة ما بعد سن اليأس واستخدام العلاج الهرموني من أجل انقطاع الطمث.
وعلى الرغم من محاولة الباحثين ملاءمة نتائجهم بحسب هذه العوامل المُربكة، فقد كان من الصعب أن نجزم بصحة النتائج عند امتلاك مستهلكي المنتجات العضوية بكميات أكبر الكثيرَ من هذه العوامل.
وقد كان لدى المشاركين الذين حصلوا على درجة عالية من الغذاء العضوي أنظمة غذائية أكثر صحة بشكل عام مع تناول كميات أكبر من الفواكه والخضروات وانخفاض استهلاك اللحوم الحمراء والمصنعة، وكان لديهم أيضًا مستويات أقل من السمنة.
فهل كانت المبيدات الحشرية في المنتجات التقليدية مرتبطةً ببعض أنواع السرطان، كما افترض الباحثون؟
أم أنّ أولئك الذين يختارون منتجات عضوية أكثر من الأطعمة التقليدية لديهم أنظمة غذائية أفضل وأنماط حياة صحية؟
هذا البحث لا يخبرنا، بل لا يستطيع أن يخبرنا بالإجابة.
التأكيد في الدراسات المستقبلية:
هذه هي الدراسة الأولى من نوعها، الدراسة الوحيدة مع بعض التشابه كانت دراسة بريطانية عام 2014 سألت النساء ما إذا تناولن الأطعمة العضوية «أبدًا، في بعض الأحيان، عادةً أو دائمًا».
ووجد الباحثون البريطانيون انخفاضًا في لمفوما لا هودجكين بنسبة 21% لدى النساء الذين كانوا يتناولون الأغذية العضوية «عادةً أو دائمًا».
وقد أظهرت أنّ أكلي الطعامَ العضويّ لديهم زيادة طفيفة جدًّا في سرطان الثدي (لكنّ المشاركين أيضًا شربوا كحولًا أكثر وكان لديهم عددٌ أقلّ من الأطفال- وكلاهما عاملٌ يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي).
في عام 2015، صنّفت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان بعضَ المبيدات الحشرية أنّها «على الأرجح مسرطنة للبشر».
وهذا يعني أنّ هناك أدلّة محدودة على وجود صلة بين استخدام المبيدات الحشرية والسرطان عند البشر، ولكن هناك أدلّة كافية على وجود صلة بين استخدام المبيدات الحشرية والسرطان في الدراسات التجريبية على الحيوانات.
هناك أيضًا دليلٌ على أنّ الأشخاص الذين يستهلكون منتجاتٍ مزروعةً عضويًّا أكثر لديهم مستويات أقلّ من بقايا المبيدات الحشرية في بولهم، وتُظهِر بعض الأبحاث أنّ تناول المنتجات العضوية التي أُجريت عليها دراسة تقرير ذاتي (هي نوع من الاستبيان أو الاستطلاع يقرأ فيه الخاضعون للدراسة السؤال ويختارون الإجابة بأنفسهم دون تدخّل الباحث) يمكن استخدامها للتنبّؤ بمستويات المُستقلَبات الناجمة عن بعض مبيدات الحشرات في البول، لذلك فهي تستحق المزيد من البحث.
ربّما كانت الدراسة الفرنسية ستخبرنا المزيد لو أنّها تضمّنت قياساتٍ أكثر دقّة للأطعمة المتنوعة المزروعة عضويًّا التي استهلكت، وأيضًا مستويات بقايا مبيدات معينة في بول المشاركين.
الطريقة المثلى لدراسة هذه المسألة في المستقبل هي مراقبة معدّلات السرطان عند مجموعة من الأشخاص المتشابهين.
سيُعطى النصف كمياتٍ محدّدةً من الأطعمة المزروعة عضويًّا، أمّا النصف الآخر، فسيكون له نفس الكمية من الأطعمة نفسها التي تُنتَج باستخدام الزراعة التقليدية.
ويمكن بعد ذلك تقييم مستويات بقايا المبيدات الحشرية في البول، ومعدّل الإصابة بالسرطان على مدى عدّة سنوات بدقة أكبر.
لكن الوقت والتكاليف لإجراء مثل هذه الدراسة يجعل حدوثها بعيد الاحتمال.
تتحقّق (وحدة فحص الابحاث Research Checks) من الدراسات المنشورة حديثًا وكيف يتمّ الإبلاغ عنها في وسائل الإعلام.
يُجرى التحليل من قبل واحد أو أكثر من الأكاديميين غير المشاركين في الدراسة، ويُراجع بواسطة جهة أخرى للتأكّد من دقّته.
روزماري ستانتون، أخصّائية التغذية وزميلة زائرة، جامعة نيو ساوث ويلز UNSW، راجعها تيم كرو، بروفيسور مشارك في البحث حاصل على الدكتوراه الفخرية، جامعة بوند.
أُعيد نشر هذه المقالة من (The Conversation) تحت رخصة المشاع الإبداعي.
- ترجمة : ماريانا عادل
- تدقيق: اسماعيل اليازجي
- تحرير: تسنيم المنجّد
- المصدر