هل يمتلك بلوتو مقومات الحياة؟
اُعتبر بلوتو لعهد طويل عالَم بعيد وبارد وغالبًا ميت، ولكن كشفت أول مركبة فضائية تمر به العام الماضي العديد من المفاجآت حول هذا الكوكب البعيد القزم.
انتهى تنزيل بيانات التحليق المنخفض فى الأفق الجديدة إلى الأرض في أكتوبر تشرين الاول، وعلى الرغم من أن الأمر سيستغرق سنوات عديدة من العلماء لاستكمال جرد ونمذجة النتائج، تقدم الدراسات المبكرة تلميحات مثيرة للاهتمام عن كيمياء الكوكب المعقدة، بل وربما نوع من العمليات قبل البيولوجية تحت سطح بلوتو.
طبقات معقدة من الضباب العضوي؛ جبال جليدية مائية من بعض العمليات الجيولوجية غير المعروفة؛ مواد عضوية محتملة على السطح؛ ومحيط مائى سائل فى الأسفل- تشير كل هذه الميزات إلى عالم أكثر حيوية بكثير مما افترض العلماء لعهد طويل.
يقول مايكل سامرز(Michael Summers) عالِم كواكب فى فريق نيو هورايزون المتخصص في تركيب وتطورالغلاف الجوى للكواكب:<<الاتصال مع بيولوجيا الفضاء فوري، فهو هناك أمام وجهك. ترى المواد العضوية والمياه والطاقة>>.
شارك سامرز في تأليف ورقتين بحثيتين حول هذا الموضوع، الأولى:<<الكيمياء الضوئية للغلاف الجوي لبلوتو كما تنيره الأفق الجديدة>>، التي نشرت في جريدة ايكاروس(Icarus) في أيلول.
الورقة الثانية:<<القيود على مجهرية الضباب الكيمْيائِيٌّ الضَوئِيّ لبلوتو من ملاحظات الأفق الجديدة>>ونُشرت في ذات الجريدة.
ضباب شديد الرطوبة
فى النظرة الأولى لصور بلوتو، ذكّر سمرز بعالم دَرَسَه على مدى عقود بينما كان يعمل في جامعة جورج ميسون.
تيتان (Titan)، وهو قمر برتقالي جليدي ملون من أقمار زحل، وهو القمر الوحيد في النظام الشمسي مع غلاف جوى حقيقى ودورة هيدرولوجية للميثان السائل.
لديه كيمياء هيدروكربونية، بما في ذلك بحيرات الإيثان والميثان التي لديها مركبات قد تكون مقدمات للكيمياء اللازمة للحياة.
بخلاف تيتان، الغلاف الجوى لبلوتو خفيف ومتناثر، مع ضباب يمتد على الأقل إلى 200 كيلومتر (125 ميل) فوق السطح، أعلى عشر مرات على الأقل مما توقع العلماء.
ولكن فوق 30 كم (19 ميلا) يعرض بلوتو مفارقة مشابهة لتيتان مع تكثيف يحدث لجزيئات الضباب في منطقة دافئة جدا في درجات الحرارة.
شهدت المركبة الفضائية التابعة لناسا كاسيني نفس الغرائب في أعلى مستويات الغلاف الجوي لتيتان (الأيونوسفير) في حوالي 500-600 كم فوق السطح (تقريبا 310 أو 370 ميلًا).
من خلال النمذجة، توصل العلماء إلى أن التكثيف هو جزئيا نتيجة للكيمياء الضوئية لتيتان، حيث تحلل أشعة الشمس فوق البنفسجية الميثان مما يؤدى إلى تشكيل الهيدروكربونات.
يقول سمرز: <<يبدء تشكيل الضباب في الغلاف الجوي المتأين(الأيونوسفير)، حيث هناك جسيمات مشحونة كهربائيا (الإلكترونات والأيونات). تربط الإلكترونات الهيدروكربونات وتجعلها تلتصق ببعضها البعض. يصبحون مستقرين جدا، وعندما تهبط الجزيئات عبر الغلاف الجوي فإنها تنمو مع الجزيئات الأخرى ملتصقة بها. كلما كانت الجزيئات أكبر كلما كانت أسرع فى الوقوع. وفي تيتان، كلما تهبط لأسفل في الغلاف الجوي تصبح جسيمات الضباب أكثر عددا وأكبر بكثير من بلوتو>>.
بالتّأمّل في الماضي ، قال سامرز أنه لا ينبغي أن يكون هناك الكثير من الدهشة أن بلوتو على الأرجح لديه نفس العملية. مثل تيتان، فلديه غلاف جوي مكون من النيتروجين مع غاز الميثان كمكون بسيط. ومع ذلك، الفرق الرئيسي هو أن الغلاف الجوي لبلوتو هو مجرد 10 ملليبار على السطح، مقارنة مع تيتان 1.5 بار. (البار هو وحدة مترية لقياس الضغط، 1 بار يساوي 10000 وحدة باسكال، أو أقل قليلًا من متوسط الضغط الجوي على الأرض عند مستوى سطح البحر). واختلاف الضغط الجوي بين الجُرمَين يؤثر أيضا على شكل جزيئات الضباب، فجسيمات تيتان تأخذ وقتًا أطول لتسقط على السطح وتصبح في نهاية المطاف كروية، في حين تسقط جزيئات ضباب بلوتو بسرعة أكبر وتنمو لتصبح الكُسيريات (Fractals).
جزيئات معقدة
مع الإنتاج الممكن للمواد الهيدروكربونية والنيتريلات (جزيء عضوي آخر) على بلوتو، حتى ما قبل الكيمياء الأكثر إثارة للحياة يمكن أن تحدث، يقول سامرز: << يمكنك البدء في بناء جزيئات ما قبل الأحياء المعقدة>>.
مثال على ذلك هو سيانيد الهيدروجين، وربما جزيء رئيسي يؤدي إلى كيمياء ما قبل الأحياء.
يقول سامرز: <<ما هو أيضا وفير على تيتان الثولينات، وهي مركبات عضوية معقدة تنشأ عندما تمس أشعة الشمس فوق البنفسجية جزيئات الضباب. وهى نادرة على الأرض، ولكنها شائعة على تيتان وربما تكون قد أسهمت إلى اللون البرتقالي له. وهناك أيضا لونًا محمرًا على أجزاء من سطح بلوتو، التي يمكن أن تكون من طبقة الثولينات>>.
وتقدر حساباته السريعة أن هذه الثولينات يمكن أن يكون سمكها من 10-30 مترًا، وتوفر المواد العضوية لكل متر مربع أكثر من الغابات على الأرض.
وقد تغير أيضًا هذه المواد التركيب الكيميائي لها عندما تضرب الأشعة الكونية (جزيئات الطاقة العالية الاشعاع) السطح.
يقول سامرز: <<بشكل مثير، شُوهِدَت المواد المُحْمَرّة أيضا بالقرب من البراكين الجليدية أو الحفر الناجمة عن انفجار البراكين، ومن الممكن أن يُكَوِّن الكوكب القزم محيط تحت السطح مماثل للمشتبه بوجوده فى تيتان وأنسيلادوس قمر زحل ويوروبا قمر المشترى. ومع ذلك، هذه الأقمار لديها مصدرًا ضمنيًا للطاقة من المد والجزر، ناشئ من الدوران حول الكواكب المركزية الضخمة والتفاعل عن طريق الجاذبية مع الأقمار الأخرى.أما بلوتو فمحروم من هذه التدفئة، ولكن من الممكن أن النشاط الإشعاعي في باطنه يُمَكِّنَه من الحفاظ على السائل في الداخل>>.
يقول سامرز: << هذه هي الأشياء التي تحتاج إليها من أجل الحياة المواد العضوية والمواد الخام والطاقة>>.
في حين توسعنا فى هذه اللحظة لنقول أن بلوتو هو مضياف للحياة، يقول سامرز إنه يتطلع الى القيام بالمزيد من النمذجة.
وقال :<<لقد كنت أدرس بلوتو طوال حياتي، ولم أتوقع أبدًا أن أتحدث عن هذه الأمور التى تجري هناك>>
ترجمة: سارة جمال
تدقيق: جدل القاسم