سيجري باحثون من أربعة بلدان قريبًا تجربة سريرية لحل غير تقليدي لفيروس كورونا الجديد ، إذ سيختبرون ما إذا كان لقاح ضد السل -مرض جرثومي- عمره 100 عام من الممكن أن يقوي الجهاز المناعي ويسمح له بمواجهة أفضل للفيروس المسبب لمرض كورونا 2019 وربما الوقاية منه.
ستُجرى هذه الدراسة على الممرضين والأطباء المعرّضين بنسبة أعلى للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي مقارنة مع عامة الناس وعلى المسنين الذين قد تكون إصابتهم شديدة في حالة التقاط العدوى.
سيبدأ فريق في هولندا أولى التجارب هذا الأسبوع، حيث سيشارك في التجربة 1000 عامل رعاية صحية في ثمانية مستشفيات هولندية، بعضهم سيتلقى اللقاح المسمى لقاح عُصَيَّةُ كالميت غِيران BCG، والبعض الأخر سيتلقى دواءً وهميًا.
يحتوي لقاح BCG على سلالة مضعّفة حية من المتفطرة البقرية القريبة من المتفطرة السُلّيّة -العامل المُمرض المسبب للسل- وقد سمّيَ اللقاح نسبةً لعالمي الأحياء الفرنسيين ألبرت كالميت وكميل غيران اللذين طورا اللقاح في بداية القرن العشرين.
يُعطى اللقاح للأطفال في السنة الأولى من الحياة في غالبية دول العالم وهو آمن ورخيص الثمن ولكنه لا يُؤمّن وقاية تامة، فهو يمنع حدوث 60% من حالات السل لدى الأطفال بمعدل وسطي مع اختلافات كبيرة بين الدول.
تزيد اللقاحات من نوعية الاستجابة المناعية ضدّ عامل ممرض مُستَهدَف كالأجسام المضادة التي ترتبط بأحد أنواع الفيروسات دون الأنواع الأخرى وتبطل عمله، ولكن BCG من الممكن أن يزيد أيضًا من قدرة جهاز المناعة على مكافحة عوامل ممرضة أخرى غير العصيات السلية، وذلك وفقًا للدراسات السريرية ودراسات المراقبة المنشورة خلال عدة عقود من قبل الباحثين الدنماركيين بيتر آبي وكريستين ستابل بن اللذين عاشا وعملا في جمهورية غينيا بيساو، وقد توصلا إلى أن اللقاح يمنع حوالي 30% من الأمراض المعدية الناجمة عن أي عامل ممرض معروف بما في ذلك الفيروسات الّتي قد تُلتقط خلال السنة الأولى التالية لإعطائه.
انتقدت الدراسات المنشورة في هذا المجال منهجية بحثهم، ومع ذلك، في مراجعة طلبتها منظمة الصحة العالمية أُجريت عام 2014 توصل الباحثون إلى أن لقاح BCG يخفض الوفيات بشكل عام لدى الأطفال، إلا أن موثوقية هذه النتائج قُيّمت على أنها منخفضة للغاية، المراجعة التي أجريت في 2016 كانت أكثر إيجابية حول الفوائد المحتملة للقاح BCG ولكنها خلُصت إلى أننا نحتاج لإجراء تجارب سريرية.
ومنذ ذلك الحين، تعزّزت الأدلة السريرية واتخذ عدد من الباحثين خطوات مهمة في البحث حول آلية عمل BCG على تقوية الجهاز المناعي بشكل عام، واكتشف ميهاي نيتيا اختصاصي الأمراض المعدية في المركز الطبي لجامعة رادبود أن اللقاح من الممكن أن يتحدى معرفتنا العلمية الحالية حول آلية عمل المناعة في الجسم.
عندما يدخل عامل مُمرض إلى الجسم تهاجمه كريات الدم البيضاء -السّلاح الفطري للجهاز المناعي- يمكن لهذا أن يقضي على 99% من العوامل الممرضة، ولكن عند فشل هذه الخلايا تقوم باستدعاء الجهاز المناعي التكيّفي، وتبدأ عندها الخلايا T والخلايا B المنتجة للأضداد بالانقسام وتشارك في مكافحة هذا العامل المُمرض، والسبب الرئيسي في ذلك هو أن الخلايا T أو الأضداد تعمل بشكل نوعي في مواجهة العامل المُمرض، إذ تزداد أعدادها إلى الحد الأعظم، وباستبعاد العامل الممرض، يُنقل جزء صغير من هذا المعقد (العامل الممرض-الخلايا النوعية) إلى داخل الخلايا الذاكرة التي تسرع من إنتاج الخلايا T والخلايا B عندما يهاجم هذا العامل الممرض مرة أخرى، وتعتمد اللقاحات على هذه الآلية المناعية.
الجهاز المناعي الفطري المتكوّن من الخلايا البيضاء كالبالعات والخلايا القاتلة الطبيعية والخلايا المتعادلة لا يملك ذاكرة مماثلة وفقًا للفرضيات الحالية، ولكن فريق نيتيا يقول أن BCG والذي من الممكن أن يبقى حيًا في الجلد البشري لعدة أشهر لا يحفز الخلايا T والخلايا B الذاكرة النوعية الخاصّة بالبكتيريا فقط ولكنه يحفز أيضًا الخلايا المناعية الفطرية لفترة مطوّلة، وهذا ما سمّاه نيتيا وزملاؤه المناعة المدرَّبة، وفي دراسة عشوائية مراقبة بالدواء الوهميّ نُشرت عام 2018 أظهر الفريق أن لقاح BCG يحمي من العدوى التجريبية بالسّلالة المضعفة من فيروس الحمى الصفراء الذي يستخدم لقاحًا.
وبالتّعاون مع إيفانجيلوس جياماريلوسمن من جامعة أثينا أجرى نيتيا دراسة في اليونان ليعرف إن كان لقاح BCG يزيد مقاومة الأمراض المعدية بشكل عام لدى الأشخاص البالغين، ويخطط نيتيا لبدء دراسة مماثلة في هولندا قريبًا، ويقول أن التجربة صُممًت قبل ظهور فيروس كورونا الجديد ولكن الوباء من الممكن أن يكشف التأثير الواسع BCG بوضوح أكثر.
من أجل إجراء الدراسة على عاملي الرعاية الصحية، انضم نيتيا إلى اختصاصي الوبائيات والأحياء الدقيقة مارك بونتن من المركز الطبي لجامعة أوتريخت الذي قال: «العاملون الصحيون متحمسون جدًا للمشاركة في هذه الدراسة»، وقرر الفريق عدم اعتبار نسب المصابين بفيروس كورونا نتيجةً للدراسة بل نسب الأصحاء الذين لم يصابوا بعد، ويقول بونتن: «نحن لا نملك ميزانيةً كبيرة لذلك سيكون من غير الملائم زيارة خبراء الرعاية الصحية المرضى في منازلهم»، وبالنظر إلى من لم يصب بالعدوى بعد فلديه الفرصة للحصول على أي نتائج مفيدة للقاح BCG في حال الإصابة بالانفلونزا والأمراض المعدية الأخرى أيضًا.
وعلى الرغم من أن الدراسة عشوائية، فمن المحتمل أن يعرف المشاركون حول تلقيهم الدواء الوهمي أو اللقاح، إذ يترك لقاح BCG عادةً أثرًا في مكان الحقن من الممكن أن يبقى عدة أشهر وعادةً ما يترك ندبة مكانه، ولكن الباحثين لن يعلموا في أي مجموعة يتواجد كل شخص (مجموعة الدواء الوهمي أو مجموعة اللقاح).
بدأ باحثون في جامعة ميلبورن بدراسة لقاح BCG على عاملي الرعاية الصحية باستخدام نفس البروتوكول تمامًا، وستجري مجموعة بحثية أخرى في جامعة إكستر بدراسة مشابهة على المسنين، وأعلن فريق من معهد ماكس بلانك لبيولوجيا الأمراض المعدية الأسبوع الماضي -مُستلهمًا من عمل نيتيا- أنه سيبدأ تجربة مماثلة على الأشخاص المسنين والعاملين الصحيين باستخدام VPM1002 وهو نسخة معدلة وراثيًا من BCG لم يوافَق عليها بعد للوقاية ضد السل.
تقول إليانور فيش اختصاصية علم المناعة في جامعة تورنتو بأن اللقاح قد لا يستبعد العدوى بفيروس كورونا الجديد بشكل كامل ولكن من المحتمل أن يخفف أثار هذه العدوى على الأفراد، وتقول فيش بأنها ستأخذ اللقاح بنفسها إذا استطاعت الحصول عليه، كما أنها تتساءل فيما إذا كان من الأخلاقي أن نحجب الفوائد المحتملة للقاح عن الأشخاص المشاركين في التجربة الذين يتلقون العلاج الوهمي.
ولكن نيتيا يقول أن تصميم التجارب العشوائية أمر بالغ الأهمية: «وإلا فلن نعرف أبدًا ما إذا كان هذا جيدًا للناس»، ومن الممكن أن يحصل الفريق البحثي على الإجابات خلال بضعة أشهر.
اقرأ أيضًا:
فيتامين (ج) Vitamin C يقضي على كورونا: حان الوقت للقضاء على مثل هذه الخرافات
كل ما تحتاج إلى معرفته عن فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)
أدلة جديدة تظهر أثر فيروس كورونا الجديد على تلوث الهواء العالمي
ترجمة: أنس حاج حسن
تدقيق: سميّة بن لكحل
التصنيف: طب وصحة