يعتقد معظم الناس أن شرب الكحول يسبب العدوانية، وهي فكرة شائعة جدًا حتى في السجلات التاريخية لليونان القديمة في القرنين الرابع والخامس. مع ذلك، تؤكد الدراسات أن الكحول لا يسبب العدوانية والعنف دائمًا، إذ قد يدفع نفس الشخص إلى الشعور بالسعادة مرة وبالغضب مرة أخرى. حاليًا، أصبح سبب هذه التأثيرات المختلفة مفهومًا أكثر وقد يكون المفتاح لمنع الكحول من التسبب في العنف.
لأكثر من 25 عامًا، استخدم العالمان جوزيف وستيل نظرية حسر الكحول لتفسير نتائجهم حول العلاقة بين الكحول والعنف. تنص نظرية حسر الكحول على أن التسمم الكحولي يؤدي إلى ضعف انتباه الناس وتركيزهم. تخيل الانتباه كأنه بقعة ضوء، يمتلك الشخص الواعي بقعة ضوء واسعة جدًا تمكنه من إدراك الكثير من المعلومات في بيئته، سواء كانت معلومات مهمة وملحوظة أو معلومات أقل وضوحًا يمكن تجاهلها.
لكن نظرًا إلى أن (دائرة ضوء الانتباه) لدى لأشخاص المخمورين ضيقة، فإنهم يميلون إلى إدراك المعلومات التي تجذب انتباههم ويمكنهم ملاحظتها بسهولة. يسبب الكحول العديد من التأثيرات المختلفة، إذ يعتمد سلوك الأشخاص المخمورين على اهتمامهم بالإشارات البارزة في بيئتهم، التي تتغير من موقف لآخر.
ماذا عن حالة الصراع؟ عندما يهينك صديقك مباشرةً، فإن هذه الإهانة واضحة لا لبس فيها. لكن من المحتمل وجود معلومات أخرى ذات صلة في هذه الحالة، إذ قد يكون صديقك تحت ضغط كبير وإهانته لك ناتجة عن غضبه وهي غير معتادة منه، وقد تفكر أيضًا في العواقب السلبية المحتملة للدخول في معركة كلامية أو جسدية. يساعدك تحليل هذه المعلومات على تجنب العنف، لكنها تكون عادةً أقل وضوحًا من الإهانة اللفظية المُعلَنة.
الشخص الواعي أقدر على معالجة هذه الإشارات، إذ يضيق الكحول دائرة ضوء الانتباه، ما يجعل الأشخاص المخمورين يركزون فقط على المعلومات الأبرز في بيئتهم. وفي حالة الصراع، تثير المعلومات والإشارات الأوضح العنف عادةً. ومن ذلك نستنتج أن الكحول يزيد العدوانية عند الأشخاص، لأنه يحدد تركيزهم على الإشارات التي تعزز العنف.
فكرة مختلفة: هل يقلل شرب الكحول العنف؟
ماذا يحدث إذا جعلنا تلك الإشارات التي تجنبنا العنف أوضح؟ وفقًا لنظرية حسر الكحول، سيركز الشخص المخمور غالبًا على الإشارات المثبطة، وبذلك يصبح أقل عدوانيةً ويتجنب العنف. يؤدي هذا إلى فكرة معاكسة مفادها أن الكحول قد يقلل السلوك العدواني بالفعل.
أُجريت العديد من الدراسات التي تدعم هذه الفكرة. في هذه الدراسات، شرب المشاركون الذكور جرعة من الكحول فوق الحد القانوني لقيادة السيارة، بمتوسط تركيز الكحول في هواء الزفير 90٪، ثم انخرطوا في أفعال عدوانية، إذ يستطيع كل منهم التصرف بعنف تجاه مشارك آخر. لكن في أثناء مشاركتهم في الأفعال العدوانية سُمح لنصف المشاركين بإكمال مهمة ثانية (لا تتعلق بالعنف) لكسب المزيد من المال، وسُميت هذه المهمة لعبة الورق. أي أن اللعبة تصرف انتباه المشارك عن الفعل العدواني.
في الدراسة الأولى التي أجراها جيانكولا وكورمان سنة 2007، اختُبرت فكرة أن الكحول قد يقلل فعليًا من السلوك العدواني. أظهر المشاركون المخمورون الذين لم يتشتت انتباههم بأي شيء آخر نمطًا واضحًا جدًا، إذ كانوا أكثر عدوانية. أما المشاركون المخمورون الذين تشتت انتباههم فكانوا أقل عدوانية، بل كانوا أقل عدوانيةً من الأشخاص الواعين! وبذلك نجد أن تشتيت انتباه المخمور بعيدًا عن الفعل العدواني أدى إلى جعله أقل عدوانية.
في دراسة لاحقة أجراها باروت وجالاغير سنة 2011، كُررت التجربة نفسها مع إضافة عنصر جديد، إذ أراد الباحثون اختبار مكان تركيز انتباه المشاركين فعليًا. للقيام بذلك، قيس انتباه المشاركين نحو الكلمات المتعلقة بالعنف. دعمت نتائج هذه الدراسة نظرية حسر الكحول، إذ أظهر المشاركون المخمورون الذين تشتت انتباههم تحيزًا مقصودًا بعيدًا عن الكلمات العدوانية، أما المشاركون في المجموعة غير مشتتة الانتباه فقد أظهروا تحيزًا متعمدًا تجاه المحتوى العدواني.
كرر العالمان التجربة مع استبدال لعبة الورق بإشارات تحرض الوعي الذاتي، إذ يُفترض أن زيادة الوعي الذاتي مرتبطة بالسلوك الاجتماعي غير العدواني غالبًا. في مجموعة التجربة، جلس المشاركون في غرفة مزودة بمرآتين كبيرتين وكاميرات أمنية عرضت سلوكهم على التلفزيون في الوقت الفعلي، ووُضعت مشروباتهم على حامل أكواب مكتوب عليه: «ماذا يقول سلوكي عني؟». جلس المشاركون في مجموعة الضبط في غرفة اختبار مماثلة لكنها خالية من هذه الإشارات المثبطة.
في دراسة باروت وجالاغير وبورفيز سنة 2016، وجدوا أنه عندما كانت الإشارات المثبطة التي تزيد الوعي الذاتي ملحوظةً واضحة ولا يمكن تجنبها، انخفضت العدوانية بين المشاركين السكارى. ومن المثير للاهتمام أن التعرض لإشارات الوعي الذاتي قلل فقط من عدوانية الرجال الذين يشربون الكحول بكثرة، والذين أبدوا سمات معينة تشير إلى تقبل الذات.
كيف نستفيد من ذلك لمنع العنف المرتبط بالكحول؟
إن أفضل الحلول هو الامتناع عن شرب الكحول ، لكن الحقيقة هي أن الكثير من الناس يستهلكون الكحول باستمرار، والعديد من الأشخاص يُعالَجون من اضطراب تعاطي الكحول ولا يستطيعون الإقلاع. توجد العديد من الأساليب الواعدة للحد من العنف الناتج عن الكحول، ومنها تصميم تدخلات تزيد من احتمالية ملاحظة الأشخاص المخمورين للإشارات المثبطة. لكن كيف تبدو هذه التدخلات؟
قد توضع بعض الشعارات على المناديل الورقية أو في الحانات، وهي شعارات تعزز الوعي الذاتي وكبح العدوانية، مثل شعار «شرب، قتال، ذهاب إلى السجن» أو «ما يحدث الليلة يُنشر على الفيسبوك غدًا». يمكن أيضًا استخدام بطاقة تُسمى بطاقة اللاعنف، يحملها الشخص دائمًا ويفهم معناها، وعند تعرضه لموقف ما فإن رؤيتها أو الشعور بوجودها في جيبه قد يعيد توجيه انتباهه نحو المعلومات التي تساعده على تجنب العنف.
يأمل الباحثون استخدام هذه الطرق وسيلةً لتحويل الانتباه بعيدًا عن الإشارات المحرضة على العنف، لتقليل العدوانية الناتجة عن الكحول، لكنها لم تُجرب على أرض الواقع بعد.
د. دومينيك باروت أستاذ علم النفس بجامعة ولاية جورجيا، الأمين التنفيذي للجمعية الدولية لبحوث العدوان، استخدم في بحثه الأساليب المعملية والاستقصاء لفحص عوامل الخطر وآليات ارتكاب العدوان، مع التركيز خاصةً على آثار الكحول على العنف تجاه الشريك الحميم والعدوان تجاه الأقليات الجنسية والاعتداء الجنسي.
يجب أن يقلع الآباء عن شرب الكحول قبل ستة أشهر من بدء الحمل
حتى لو كنت لا تشرب الكحول قد يتعرض كبدك للأذية من الكحول
ترجمة: ماريانا عادل
تدقيق: غزل الكردي
مراجعة: أكرم محيي الدين