يُستخدم الباراسيتامول على نطاق واسع لعلاج ارتفاع درجة الحرارة وتسكين الألم، وهو الدواء الذي يُعد الأكثر أمانًا للاستخدام لدى مختلف الفئات العمرية، وخلال الحمل أيضًا.

ربطت دراسة نُشرت في مجلة JAMA لطب الأطفال، تناول الباراسيتامول بتطور مشكلات سلوكية لدى الأطفال في مرحلة الطفولة الباكرة، ما أدى إلى ظهور عناوين مثيرة للقلق مثل «يقول العلم إن تناول الباراسيتامول في أثناء الحمل قد يؤدي إلى فرط نشاط الأطفال» و«تُعرّض النساء الحوامل أطفالهن لخطر الإصابة بمشكلات سلوكية إذا تناولن الباراسيتامول بعد 18 أسبوعًا من الحمل».

درس الباحثون حالات لنساء حوامل ممن تناولن الباراسيتامول في أثناء الحمل، إضافةً إلى دراسة سلوك أطفالهن حتى سن السابعة.

تتبعت الدراسة 7796 امرأة من الأمهات المسجلات بين عامي 1991 و1992 مع أطفالهن وشركائهن في دراسة طولية للوالدين والأطفال.

ما بين الأسبوع 18 و32 من الحمل، طُلِب من الأمهات تذكر هل استخدمن الباراسيتامول في الأشهر الثلاثة السابقة؟

لم تُسأل الأمهات عن الجرعة أو مدة العلاج، لكن طُلِب منهن تذكر سبب تناول الباراسيتامول، مثل آلام العضلات والمفاصل، والالتهابات مثل البرد أو الأنفلونزا، والتهابات المسالك البولية أو غيرها، والشقيقة أو الصداع.

لم تُحلل هذه الأسباب منفصلةً فيما يتعلق بالنتائج السلوكية لدى الأطفال.

عندما كان عمر الأطفال خمس سنوات، سُئِلت الأمهات الأسئلة ذاتها عن استخدام الباراسيتامول في الأشهر الثلاثة السابقة.

في سن السابعة، أكملت الأمهات تعبئة الاستبيانات وذكرن نقاط القوة والصعوبات حول سلوك أطفالهن، لتحديد هل يعاني هؤلاء الأطفال مشكلات في خمسة جوانب:

  •  الجانب العاطفي مثل العصبية.
  •  الجانب السلوكي مثل حدوث نوبات غضب.
  •  ظهور فرط النشاط مثل التململ باستمرار.
  •  العلاقات مع الأقران مثل ملاحظة السلوك الانفرادي، أو ميل الطفل إلى اللعب بمفرده.
  •  السلوكيات الاجتماعية الإيجابية مثل التفاعل الجيد مع الأطفال الآخرين.

صُنَّف كل جانب إلى ثلاث فئات (غير جيد – جيد إلى حد ما – جيد جدًا) اعتمادًا على كون السلوك إيجابيًا أو سلبيًا، ويأخذ عددًا من النقاط عن كل تصنيف.

تجمع النقاط من كل المجالات لإعطاء مجموع واحد (0-40). إذ إن الأطفال الذين سجلوا 17 نقطة فأكثر لديهم مشكلات سلوكية.

بلغ عدد النساء اللائي استخدمن الباراسيتامول في الأسبوع الثامن عشر من الحمل 4415 امرأة، في حين استخدمت 3381 امرأة الباراسيتامول في الأسبوع 32.

لم تذكر الدراسة هل بعض الأمهات تناولن الباراسيتامول خلال الفترتين معًا؟ أو قد تناولن أدوية أخرى إضافية؟

أفاد المؤلفون أن 5٪ من الأطفال في سن السابعة، ممن تناولت أمهاتهم الباراسيتامول في الأسبوع 18 أو 32، أظهروا مشكلات سلوكية، (دون ذكر عدد الأطفال ممن لم تتناول أمهاتهم الباراسيتامول، وأظهروا أيضًا مشكلات سلوكية في العمر ذاته).

يمكن العثور على ارتباطات بين العديد من الأشياء، وارتباط استخدام الأمهات للباراسيتامول في الحمل بحدوث مشكلات سلوكية لدى الأطفال، هو ارتباط معقول. لكن بناء على هذا البحث، لا يمكن الجزم بوجود علاقة سببية.

في حالة استخدام الباراسيتامول في الأسبوع الثامن عشر من الحمل، كان إجمالي حدوث صعوبات سلوكية في سن 7 سنوات: 5.6%، مقارنة بـ 4.8% للأطفال الذين لم تتناول أمهاتهم الباراسيتامول.

أما في الأسبوع 32، بلغت النسبة 6.3% لمجموعة مستخدمي الباراسيتامول مقابل 4.3% للمجموعة الأخرى.

في حالة استخدام الأمهات للباراسيتامول عندما كان أطفالهن في الخامسة من العمر، لم تختلف النسب: 5.3% للأمهات اللائي تناولن الباراسيتامول و4.1% للأطفال من أمهات لم يتناولن الباراسيتامول.

من الصعب تخيل كيفية تأثير استخدام الأم للباراسيتامول عندما كان الأطفال في سن الخامسة، إذ من المفترض أنهم مفطومون عن الرضاعة.

يشير تقارب النسب إلى احتمال أن استخدام الأمهات للباراسيتامول في أثناء الحمل ربما لا علاقة له بتطور مشكلات سلوكية لدى الأطفال.

حتى عند قبول فكرة التأثير المحتمل للباراسيتامول، فإن عدد الأطفال المتأثرين قليل. مثلًا، الفارق بين الأطفال الذين تناولت أمهاتهم الباراسيتامول وغيرهم هو 0.8%، أي طفل واحد لكل 125 طفل.

ماذا يعني ذلك؟

يتطلب كل دواء موازنة بين مخاطر آثاره الجانبية وفوائده المحتملة. في هذه الحالة، إذا استُخدم الباراسيتامول لأسباب طبية معقولة بالجرعة المحددة ولأقصر فترة ممكنة، فإن المخاطر ستكون منخفضة.

إن عدم وجود أدلة على العلاقة السببية، إضافةً إلى الاختلافات الهامشية في الحدوث بين مجموعات الباراسيتامول وغير الباراسيتامول، تشير إلى وجوب تصنيف هذه النتائج ضمن «البحوث غير الوافية».

يوجد كثير من التباين في البيانات، إضافةً إلى أن بعض السلوكيات التي أبلغت الأمهات عن زيادتها هي ذات دلالة هامشية، خاصةً بالنسبة إلى النتائج المتعلقة بعمر 18 أسبوعًا.

إضافة إلى عدم وجود معلومات عن كمية الباراسيتامول المستهلكة وعدد مرات تكرار تناوله، ما يجعل تفسير المخاطر الناتجة عن الباراسيتامول أكثر إشكالية.

عام 1998، غيرت المملكة المتحدة لوائحها بشأن أحجام العبوات لتقليل الجرعات الزائدة العرضية والمتعمدة.

كان لهذه الخطوة نجاح كبير، إذ إن النساء في المملكة المتحدة الآن أقل عرضة لجرعات الباراسيتامول الكبيرة التي كن يتعرضن لها في التسعينيات.

ختامًا، يبقى السؤال: هل يجب على النساء الحوامل وأطبائهن تغيير استخدام الباراسيتامول بناءً على هذه الدراسة؟ الجواب حتى الآن هو لا.

اقرأ أيضًا:

هل من الآمن تناول الباراسيتامول مع البروفين؟ وما الجرعة الموصى بها؟

باراسيتامول: الاستخدامات والجرعات والتأثيرات الجانبية والتحذيرات

ترجمة: تيماء القلعاني

تدقيق: نور حمود

المصدر