توهج فريد في سماء المشتري قد يكون إشارة واضحة للمادة السوداء، ففي مكان ما بعيدًا هناك، مختبئًا في هذا الكون، توجد أحزمة كاملة من مادة نحن غير قادرين على رصدها. وهي للعلم ليست بالكمية التافهة، فما يقارب 70-80٪؜ من الكون مكوّن من المادة المظلمة، والمادة العادية تشكل النسبة الأقل. أو على الأقل هذا الذي استطعنا التنبؤ به، الذي يشكل كل مانعرفه من النجوم والكواكب، والثقوب السوداء، والغبار، والغازات، والأقمار والناس.

ونعود بسؤالنا، أين كل تلك المادة المظلمة؟

حسنًا، بالواقع نحن ليس لدينا أدنى فكرة. ولكن لا يخلو الأمر من وجود سبُل متعددة للتنبؤ بها، ولعل أحد هذه السبل يكمن هنا في مجموعتنا الشمسية.

ففي الجانب المظلم للمشتري، يشع توهج إشعاعي متردد عالٍ في الغلاف الجوي، الذي قد تشكل على الأرجح في قلب تفاعل المادة المظلمة.

فهنالك، أيونات الهيدروجين المشحون المدعوة “كاتيون ثلاثي الهيدروجين” الذي يمكن إيجاده بوفرة هناك. ومع وجود عدة عمليات كونية مُنتجة لهذا الجزيء في غلاف المشتري، فإن التفاعل مع المادة المظلمة قادر على إنتاج فائض مما توقعنا إيجاده.

كتب الفيزيائي كارلوس بلانسو من جامعة برينستون ستوكهولم، مع ريبليكا ليين من مركز المسارع الخطي في جامعة ستانفورد SLAC مختبر المسارع الوطني وجامعة ستانفورد: «أشرنا إلى أن المادة المظلمة قادرة على انتاج مصدر إضافي من ثلاثي الهيدروجين في الغلاف الكوكبي».

وأضاف: «هذا لربما يكون مُنتجًا بالفعل إن تبعثرت المادة المظلمة والتُقطت عبر الكواكب، وتتدمر باستمرار منتجةً بذلك إشعاعًا أيونيًا».

على الرغم من عدم قدرتنا على التنبؤ بالمادة المظلمة على نحو مباشر، وعلى الرغم من كونها لا تبدو متفاعلة مع المادة العادية بالطريقة التي توقعناها بشكل غير مباشر، فهنالك طريقة واحدة تتجلى بها: الموجودات في هذا العالم تبدو أنها تتحرك تحت تأثير مسار الجاذبية الأعلى من كونها ناتجة عبر المادة الطبيعية.

وفور طرحنا لأثر المادة العادية، فتنسب الجاذبية المتبقية للمادة المظلمة. فهذه هي الطريقة التي نعرف بها أن هناك شيئًا ما ويمكننا بها قياس كمية المادة المظلمة.

هناك العديد من المرشحين النظريين المختلفين لما يمكن أن تكون عليه المادة المظلمة، والعديد من هؤلاء المرشحين لديهم خصائص يمكن اكتشافها بطرق مختلفة.

إحدى هذه الأفكار هي أن المادة المظلمة تدمر ذاتيًا عندما يصطدم جسيمان من المادة المظلمة، ويتلاشيان، ما ينتج عنه دفقة صغيرة من الحرارة أو الضوء أو كليهما.

يقترح بلانكو وليان أن هذا التدمير قد يحدث في الأجواء العليا للكواكب، في الطبقة المعروفة بالأيونوسفير. حيث تلتقط جاذبية الكوكب جسيمات المادة المظلمة وتجذبها إلى الأيونوسفير حيث تكون عرضة للتدمير المتبادل.

يرى الباحثون أن كوكب المشتري هو أفضل مكان للبحث عن هذه العملية. فهو أكبر جسم غير شمسي في النظام الشمسي، وله نواة باردة نسبيًا، لذا سيكون أكثر الكواكب كفاءةً في جذب المادة المظلمة المتاحة محليًا.

عندما مر مسبار كاسيني بجانب كوكب المشتري منذ أكثر من عقدين، كان مجهزًا بأداة تسمى مقياس الطيف المرئي والأشعة تحت الحمراء (VIMS) وهي التي قد تكون قد اكتشفت تدمير المادة المظلمة المفترضة.

الآن، ليس انفجار الإشعاع الصغير الناتج عن التدمير هو الذي نتوقع رؤيته، بل ما ينتج عنه. فقد يكون هذا الإشعاع مؤينًا، أي أنه يطرد الإلكترونات من الذرات في الأيونوسفير. إذ يؤدي هذا إلى إيجاد H3+ المشحونة إيجابيًا، التي يمكن اكتشاف توهجها بالأشعة تحت الحمراء بواسطة VIMS.

المشكلة هي وجود العديد من العمليات المؤينة النشطة في النظام الشمسي. فمثلًا يمكن للإشعاع الشمسي أن يكون مؤينًا. يتمتع كوكب المشتري بوجود شفق متوهج وقوي في قطبيه ينتج أيضًا H3+. لذلك نظر بلانكو وليان إلى القياسات من منطقة خط الاستواء لكوكب المشتري ليلًا مدة ثلاث ساعات على جانبي منتصف الليل، حيث تكون تأثيرات الشفق قليلة ولا يمكن لأشعة الشمس أن تتداخل مع الأيونوسفير.

بينما لم يتم اكتشاف H3+ الزائد، سمحت النتائج للباحثين بوضع قيود على كيفية تصرف هذا النوع المعين من المادة المظلمة، ما يوفر معلومات حاسمة لاكتشاف المادة المظلمة على كواكب أخرى خارج النظام الشمسي.

يقول بلانكو وليان: «لقد أشرنا وأظهرنا أول مرة أن المادة المظلمة قد تنتج إشعاعًا مؤينًا في أجواء الكواكب، ويمكن اكتشافها عبر فائض واضح من أيونات ثلاثي الهيدروجين في الغلاف الجوي».

وأضاف: «يمكن اكتشاف تأين المادة المظلمة في كواكب المشتري الخارجية باستخدام قياسات مستقبلية عالية الدقة لطيف الكواكب».

اقرأ أيضًا:

الكشف عن سر الأشكال الغريبة والمتوهجة التي رُصدت في الغلاف الجوي لكوكب المشتري

لماذا يبدو كوكب المشتري ملونًا بخطوط غامضة تتغير باستمرار؟

ترجمة: زين العابدين بدور

تدقيق: حسام التهامي

المصدر