إذا قابلت شخصًا يدّعي أنه قد فاز بجائزة نوبل في الرياضيات، فلا بدَّ أنك تتعامل مع شخصٍ يهذي بشدّة، إذ إنها غير موجودة، ولم يكن هناك أبدًا نوبل في الرياضيات.
إنَّ الرغبة في المطالبة بجدارةِ الحصول على نوبل أمرٌ منطقيّ؛ لأن نوبل -وبغضِّ النظر عن المجال- أرفع وسامٍ في العالم.
الجوائز السنوية هي أقدس عطلةٍ في السويد، حيث تبرز قاماتٌ في الفنون والعلوم وجمهورٌ من الملايين من جميع أنحاء العالم ليشهدوا حدثًا بهيًّا ترتبط مراسمه بتسمية البابا الجديد.
في الواقع، الجوائز مهمّةٌ للغاية بالنسبة للهوية الوطنية السويدية، اتَّخذ ملك السويد مؤخرًا خطوةً غير مسبوقة بإلغاء جائزة نوبل في الأدب لعام 2018.
ما الذي قد يدفع الملك جوستاف إلى اتّخاذ مثل هذه الخطوة غير العادية؟
ببساطة، قام بذلك لنفس السبب الذي بدأ به ألفريد نوبل حين أسس الجوائز: العلاقات العامة.
كان الكيميائي والمخترع ألفريد نوبل قد سُمّي في وقتٍ ما تاجر الموت لدوره في تجارة الأسلحة وقتل المزيد من الناس بشكلٍ أسرع من أي وقتٍ مضى، ولإعادة تأهيل اسم نوبل، ابتكر ألفريد الجوائز التي تحمل اسمه إذ تكون الجائزة لصالح البشرية.
قرّر الملك غوستاف بحكمةٍ أن يتوقّف عن توزيع نوبل للآداب لمدة عامٍ للتحقيق في مزاعم سوء السلوك الجنسيّ من قِبل عضوٍ رئيسيّ في اللجنة التي تمنح جائزة الأدب، أملًا في أن تسمح هذه الفترة الوقائية أيضًا بإعادة تقييم العملية التي تُمنح من خلالها الجوائز.
في حين أن الجائزتين العلميتين في الكيمياء والفيزياء لم تتعرّضا حتى الآن لفضيحة، فقد نالتا قدرًا كبيرًا من الجدل، ومع ذلك، أعتقد أنه قد يكون من الجيّد أن توقف الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم توزيع الجوائز لمدة سنة.
وبصفتي عالم فيزياء فلكية مدعوًّا لترشيح وتسمية المرشحين لجائزة نوبل في السنوات الماضية فقد درست الجائزة والمنظمة التي تمنحها، وكشفت تحقيقاتي عن مجموعةٍ من التحيّزات التي لا تزال ضمن جائزة الفيزياء المحترمة (تخصّصي).
إذا ما استمروا في هذا المسار، أخشى أن تكون هيبة نوبل -وربما الصورة لدى الجمهور للعلم نفسه- قد تضرّرت بشكلٍ لا يمكن إصلاحه.
للفوز بجائزة العلم العليا، يجب أن يستوفي الفرد ثلاثة معايير أساسية وفقًا لإرادة ألفريد نوبل، أولًا، يجب أن يقوم بأهم اختراعٍ أو اكتشافٍ في الفيزياء أو الكيمياء.
ثانيًا، يجب أن يتم ذلك خلال السنة السابقة، والمطلب النهائي هو أن يفيد البشرية جمعاء. المعيار الأخير هو الأكثر غموضًا، ويُنتهَك في كثيرٍ من الأحيان.
كيف يمكن الحكم على درجة الإفادة العالمية من الاكتشافات العلمية على نحوٍ كافٍ؟
على سبيل المثال، بالنظر إلى المخزونات الهائلة من الأسلحة النووية في جميع أنحاء العالم، هل الانشطار النوويّ (الإنجاز الفائز بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 1944 للعالم أوتو هان، لا لمُساعِدته ليز مايتنر) مفيدٌ بما فيه الكفاية لاستحقاق جائزة نوبل؟
وماذا عن جراحة (الفصوص – Lobotomy)؟
هذا الاكتشاف الذي نال جائزة نوبل عام 1949 في علم وظائف الأعضاء (الفيزيولوجيا)، وتسبّب في نتائج واسعة وكارثية إلى أن حُظر بعد عقدٍ من الزمن.
وأمّا جوستاف دالين، الذي مُنح الجائزة في عام 1912 لتنظيم المنارات، لم يكن عمره كافيًا ليتمتع بالعديد من الجوائز اللاحقة، حتى إنَّ بعض الجوائز الأخيرة أثارت الدهشة.
هدّدت اتهامات الفساد التي ظهرت في عام 2008 بتلطيخ سمعة لجنة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب، بعد أن ادّعت شركة استرازينيكا للأدوية أنها قد أثّرت في اختيار الفائز بجائزة هذا العام لتحقيق مكاسب خاصة بها.
يشير هذا إلى قضيةٍ أخرى مع الجائزة: يمكن أن يُساء تمثيل الطريقة التي يتم بها العلم.
العلم رياضةٌ جماعية ولا أحد يذهب إلى ستوكهولم وحده، ومع ذلك، فإن القيود الحالية التي تُفرض على ثلاثةٍ من الحائزين على الجائزة تقضي على مفهوم العلم من خلال تعزيز الانطباع لدى الشخص العاديّ أنّ العلم يتمّ من خلال العباقرة وحدهم، وهم عادةً ذكورٌ أمريكيون من البيض يعملون دون شبكات دعمٍ واسعة وراءهم.
وماذا لو -على النقيض من هذه الابتكارات العلمية- ألحقت جائزة نوبل الضرر بالبشرية بدلًا من مساعدتها، أو على الأقل الشريحة المكرّسة للعلوم منها؟
صحيحٌ أن جائزة نوبل تعطي ثروتها للعلماء والنشطاء والأطباء والكتّاب، لكن نادرًا ما يُدفَع العلماء إلى تجارةٍ من أجل الإثراء الشخصيّ.
في الواقع، تبلغ قيمة جوائز العلوم مثل (Templeton) و(Breakthrough) أكثر بكثير من مبلغ 9 مليون كرونة أو حوالي 983000 دولارٍ أمريكي (القيمة النقدية لجائزة نوبل).
ويتكهّن بعض علماء الفيزياء أن كل فائزٍ بهذه الجوائز الأكثر سخاءً يتخلّى بكل سرورٍ عن هذه النقود الإضافية مقابل حصوله على نوبل، لكنَّ نية ألفريد نوبل لم تكن ملء جيوب العلماء، بل أراد بدلًا من ذلك أن يلفت الانتباه إلى عملهم المفيد، وأن يحفّز الاختراعات الجديدة.
في هذا الصدد، تجاوزت جائزة نوبل إلى حدٍّ كبير توقّعات ألفريد المتواضعة، لكن عندما مُنحت جوائز نوبل الافتتاحية لأول مرة عام 1901 كان ويليام رونتجن -الذي فاز بجائزة الفيزياء لاكتشافه الأشعة السينية التي حسّنت بالتأكيد حياة المليارات في جميع أنحاء العالم- غير مهتمٍّ بالأوسمة، حتى إنه لم يأتِ لأخذ ميداليته.
ومع ذلك، وبحلول منتصف القرن العشرين، ادّعى بيرتون فيلدمان أن العلم أصبح غير مفهومٍ على نحوٍ متزايد للجمهور عندما بدأت وسائل الإعلام تزيد توسّعها ونفوذها. تجمّعت هذه العوامل لرفع مكانة جائزة نوبل إلى جانب بروز الحائزين عليها.
بشكلٍ عام، يعتقد معظم زملائي أن الفائزين بجائزة نوبل في الكيمياء والفيزياء يستحقون جوائزهم.
ومع ذلك، هل الفائزون هم العلماء، أم البشرية جمعاء، أم أن الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم (الكيان المسؤول عن اختيار الفائز بالجائزة) هي التي تستفيد أكثر من جائزة نوبل؟
شهدت جوائز نوبل العديد من التغيُّرات الجذرية على مدى ما يقارب 12 عقدًا منذ أن مُنحت لأول مرة.
على الرغم من مكانة الحائزين الرفيعة، فإنّ تحقيقي في تاريخ جوائز نوبل يدلُّ على أنهم لم يرقَوا دائمًا إلى هدف نفع البشرية.
رُفعت دعوى قضائية من حفيد ألفريد نوبل، بيتر نوبل، زاعمًا استخدام اسم نوبل للأغراض السياسية، وغُيِّر اسم الجائزة التي كانت تُعرف في السابق باسم جائزة نوبل في الاقتصاد -وهي جائزةٌ لم يمنحها ألفريد- لتحمل لقبًا جديدًا: جائزة (Sveriges Riksbank) في العلوم الاقتصادية في ذكرى ألفريد نوبل.
أقام الفائزون بجائزة السلام دعوى قضائية ضدّ مؤسسة نوبل بسبب الحاصلين على الجوائز في الماضي، بمن فيهم قادة اعتبرهم البعض إرهابيّين مثل ياسر عرفات، أو كانوا دعاة حربٍ مثل هنري كيسنجر.
في حين أن المجال العلمي لم يفلت من الادعاءات المروّعة التي لحقت بجائزة الأدب، فهي مثالٌ كبيرٌ على عدم المساواة بين الجنسين: أقلّ من 1% من الجوائز في العلوم تذهب إلى النساء.
أقترح أن الوقت قد حان لكي تحصل جميع جوائز نوبل -بما في ذلك الجوائز العلمية- على سنةٍ لإعادة التقييم والتأمّل في رؤية ألفريد نوبل النبيلة.
كيف يمكن لاستراحةٍ لمدة عامٍ كامل أن تعيد جوائز نوبل إلى بريقها الماضي؟
أولًا، ينبغي أن يُعاد تقييم معايير الجائزة، ولا سيما الشرط الذي تفيد به البشرية جمعاء، فهو أمرٌ بالغ الأهمية.
نحتاج إلى مراجعة القوانين، التي لم يتم المساس بها منذ عام 1974، للسماح بجوائز جديدة وتصحيح مظالم الماضي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال السماح بمنح نوبل بعد الوفاة، ومنح جوائز الماضي التي فشلنا في التعرّف على مستحقّيها الحقيقين. وما لم نفعل ذلك، فإن نوبل ستشوّه تمثيل التاريخ الفعليّ للعلوم، والأمثلة على هذه الأخطاء للأسف كثيرة:
- تُوفّي رون دريفر قبل أشهر فقط من احتمال فوزه بجائزة نوبل عام 2017 في الفيزياء.
- فقدت روزاليند فرانكلين نصيبها العادل من جائزة نوبل عام 1962 في علم وظائف الأعضاء أو الطب.
- حُرمت ليز مايتنر من مكانتها كحائزةٍ على جائزة نوبل عام 1944 في الكيمياء من أجل الانشطار النووي الذي مُنح فقط إلى مساعدها أوتو هان.
- خسرت جوسلين بيل مكتشفة النجوم النابضة جائزة نوبل لصالح مسؤول درجة الدكتوراه الخاص بها.
وتمّ تجاهل الكثير والكثير من الآخرين ومعظمهم من النساء.
لبدء عملية الإصلاح بمساعدة الزملاء والأشخاص المهتمين، أقمت أنا وزملائي منتدى دعمٍ جديد عبر الإنترنت يشجّع الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم على تصحيح أخطاء الماضي، ومنع الأخطاء القديمة من التسبّب في ضررٍ من جديد.
إنّ منتدى الفائزين بجائزة نوبل مفتوحٌ أمام العلماء وغير المختصّين على حدٍّ سواء لتقديم مقترحاتٍ لإصلاح وتحسين جوائز نوبل.
ومن خلال إعادة النظر في عملية توزيع جائزة نوبل ومراجعتها، فإنّ تصحيح أخطاء الماضي وجعل العملية أكثر شفافية في المستقبل سوف يصبُّ في صالح البشرية جمعاء، ويعيد نوبل إلى مكانته.
بريان كيتينغ، بروفيسور في الفيزياء، جامعة كاليفورنيا سان دييغو
- ترجمة: أحمد طريف المدرس
- تدقيق: تسنيم المنجّد
- تحرير: صهيب الأغبري
- المصدر